نور الشريف على الرصيف في سوق الروبابيكيا
تخيل أن ترى مقتنيات بيتك الخاصة، من صور عائلية ومفكرات بخط اليد وكتب وأوراق خاصة وشهادات مدارس وجوائز وملابس، في الشارع، تباع أمام عينيك على الرصيف.
تخيل أكثر من ذلك: أنك أنت الذي ألقيت بكل هذه الأشياء من النافذة، إلى بائع الروبابيكيا أو جامع القمامة، ليعرضها للبيع أو يحرقها في “المزابل”.
بل أكثر من ذلك: أن هذه المقتنيات التي ألقيت بها تنتمي لشخصية عامة يعرفها ويعشقها الملايين في مصر والعالم العربي. وأن كل واحد من هؤلاء الملايين يتمنى لو حصل على صورة أو كتاب أو ورقة بخط قريبك هذا، الذي ألقيت بمقتنياته على الرصيف.
**
للأسف، هذا ما فعلته أسرة الفنان نور الشريف بآلاف من مقتنيات مكتبته وبيته. بما في ذلك ألبومات الصور العائلية والجوائز والدروع والنياشين التي حصل عليها وكتبه وأوراقه وبوسترات أفلامه..كل شيء، بلا تمييز أو انتقاء.
أي حقد، أو جهل، يمكن أن يدفع المرء إلى ذلك؟
منذ عدة أسابيع ومقتنيات نور الشريف الشخصية والعائلية تباع في سوق الأنتيكات: عشرات الألبومات والسيناريوهات وكتبه، المجلدة بعناية وتحمل اسمه على الكعب وبعضها يحمل توقيعه وكلمات بخط يده. وحتى الجوائز التي حصل عليها والإهداءات المختلفة من مؤسسات ثقافية. وعدد كبير من بوسترات وبروشورات الأفلام التي قام بإنتاجها. وعندما قام البعض بالاتصال بابنته سارة ليخبرها بالأمر. تبين أن العائلة هي التي طلبت من أحد العاملين بالتخلص من هذه الأشياء التي كانت موجودة في الشقة القديمة. ورغم الوعود لم تتخذ الأسرة إجراءًا جادا لاستعادة هذه المقتنيات. وبالطبع لم تتحرك وزارة الثقافة ولا مكتبة الإسكندرية ولا أي مؤسسة رسمية ثقافية. كأن هذه المقتنيات ليست ميراثا قوميا لواحد من أشهر وأحب الفنانين العرب.
الكثير من هذه المقتنيات تم بيعه بالفعل إلى أفراد. وبعضها سافر خارج مصر ويتجول الآن في مدن الخليج. وبعضها لم يزل يعرض يوميا للبيع على صفحات الفيسبوك أو في الشارع. وقد قمت شخصيا بشراء بعض هذه المقتنيات، ومنها ألبوم لعيد ميلاد الابنة سارة. يظهر فيها نور وزوجته بوسي وعشرات المدعوين منهم الخالة نورا وسامية جمال ومريم فخر الدين ومها صبري والمخرج أحمد يحيى وغيرهم. كذلك قمت بشراء بعض صور أفلامه ومنها “حبيبي دائما” الذي أنتجه ولعب بطولته مع زوجته بوسي، التي أصدرت الأوامر بالتخلص من هذه المقتنيات. وكذلك عددا من كتبه التي تحمل توقيعه.
وبالطبع من يملك مالا أكثر استطاع أن يحصل على مقتنيات أكثر وأهم، وبعض الأفراد قاموا بشراء صورة أو كتاب. والنتيجة أن دماء هذه المقتنيات أصبحت موزعة بين القبائل. ويستحيل تجميعها مرة أخرى بعد كل هذه الأيام والأسابيع التي تمر دون أن يتدخل أحد.
نور الشريف ليس وحده، والمأساة تكررت مع الكثيرين غيره. ومن يعرف كواليس سوق المقتنيات القديمة يعرف أن من بين الأشياء المعروضة للبيع الآن ما بقي من مقتنيات أحمد زكي (التي قام أقاربه ومحاموه ببيعها) وبعض مقتنيات شركة “صوت الفن”. ومنها أشياء شخصية لعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ. بجانب أشياء تخص نجيب محفوظ، منها نسخ السيناريوهات التي تحمل ملاحظاته وتوقيعه أيام كان رقيبا على المصنفات الفنية.
**
وهذه مجرد أمثلة مما هو معروض الآن. وليس الذنب ذنب هؤلاء التجار بالطبع، بل العكس هو الصحيح. فعلى الأقل تذهب هذه المقتنيات لمؤسسات وأناس يقدرون قيمتها،طالما أن أهل الدار لا يعرفون قيمة الراحلين.
وأعلم أن حرث مياه البحر أو النفخ في قربة مقطوعة أجدى من أن نطالب وزارة الثقافة والجهات المعنية بالإسراع بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراثنا المهدور. طالما أنه لا يوجد مؤسسة قومية عملها ووظيفتها الأساسية هي البحث عن وشراء وحفظ هذه المقتنيات للتاريخ والأجيال القادمة.
اقرأ أيضا
في التفسير الطبقي لأفلام الرعب!