هنا اختبأ السادات ليلة قيام الثورة: في وداع سينما فاتن حمامة
ثمانية أعوام مرت على إغلاق أبواب سينما «ميراندا» أمام الجمهور. أُظلمت الشاشات وتحولت المقاعد حمراء اللون مقرًا للقطط والقوارض. باسمها الحالي في شارع المنيل بالجيزة، بهدمها قبل أيام، استكمالا لسلسة اختفاء صالات السينما لصالح دعوات إعادة بنائها.
إرث للبيع!
البداية ترجع إلى قرار ورثة سينما فاتن حمامة من عائلتي المقدم، وشبيطة، وعددهم 28 شخصا، لبيع المبنى في عام 2014. وكان من المقرر بيعه بـ33 مليون جنيه، واشتراه الورثة الحاليين بمبلغ 25 مليون جنيه.
ويقول أحد ورثة السينما – رفض ذكر اسمه – لـ «باب مصر»: “قرار البيع جاء بعد توقف عمل السينما وعدم الاستفادة منها، نظرا لأنها لم تحقق أرباحا لفترة طويلة وبحاجة إلى تطوير بمبلغ تم تقديره بـ 10 ملايين جنيه. بالإضافة إلى عدم الحصول على عائد كبير من إيجار المحلات. وقام المشتري بدفع مبلغ لأصحاب المحلات في المبنى حوالي 7 ملايين جنيه”.
وتابع أن قرار البيع جاء بعدما انتهت فترة تعاقد الشركة العربية للإنتاج التوزيع السينمائي على استئجارها، رغم أن الصالة عضو في غرفة صناعة السينما المصرية. مضيفا: “لم نعد نمتلك قرار إجبارهم على بناء السينما مجددا من عدمه. وكنا قد تسلمنا الصالة من شركة الصوت والضوء في عام 2002، لأنها ليست ذات طراز معماري مميز ومنذ ذلك الوقت أصبحت ملكية خاصة”.
فضة المعداوي تنتصر
قارن الكثير بين عملية هدم سينما فاتن حمامة في مقابل بناء برج سكني، بأحداث مسلسل «الراية البيضا». إذ انتصرت في النهاية فضة المعداوي (سناء جميل) واشترت قصر أثري يقيم به سفير متقاعد (جميل راتب) لهدمه وبناء برج تجاري للاستثمار. وباختلاف القضيتين فإن القصر أثري وسينما فاتن حمامة لا تتمتع بطراز أثري مميز. إلا أن قيمتها التاريخية العريقة كانت محل حزن واستياء الكثير.
بعد تدشين حملة (#سينما_فاتن_حمامة) على مواقع التواصل الاجتماعي. لجأ الملاك الجدد للمبنى لوضع لافتة تتضمن تفاصيل ترخيص الهدم. وكُتب على اللافتة: “محافظة القاهرة، حي مصر القديمة، ترخيص هدم رقم 10 لسنة 2018 طبقا للقانون 49 لسنة 1977 واللائحة التنفيذية”. ورغم صدور القرار للهدم في عام 2018 إلا أنه مر بالعديد من التأجيلات حتى تم الهدم في 24 يناير الجاري.
تغيير قوانين البناء كانت سببا في تراجع المُلاك عن فكرة بناء البرج سكني فقط في يونيو الماضي. وأطلق عليه حينها اسم “مجمع فاتن حمامة” تكريما لها. ووُضعت لافتة تتضمن أنه سيتم إنشاء دار سينما ومسرح للفنانة فاتن حمامة. وكُتب عليها: “بشرى سارة لأهالي حي المنيل سيتم إنشاء دار سينما ومسرح الفنانة فاتن حمامة على أحدث التقنيات العالمية والأنظمة التكنولوجية”.
مخاطر مرتقبة
حاول «باب مصر» التواصل مع أحد الملاك ولكن لم يتم الرد. وفي مقطع فيديو متداول قال الحاج رفعت حسين الأبنودي، رجل الأعمال للتطوير العقاري والتجارة والمقاولات، إن هدم المبنى يعد عملية تطوير على أحدث النظم نظرا لبناء دار عرض تحمل نفس الاسم ولكن على أحدث النظم.
وتابع: “المبنى كان قديم ومتهالك وعدم تجديد دار العرض جعلها مهجورة. وحصلنا على ترخيص في عام 2018 لبناء مبنى سكني وتجاري وإيجاري. مع بناء 2 بدروم وجراجات، وسيستغرق المشروع لاستخراج المياه الجوفية تحت المبنى”.
عملية الهدم والبناء قد يكون لها تبعات طويلة الأمد على المباني المجاورة نظرا للخطة المقررة ببناء برج سكني ذو طابقين تحت الأرض مع طبيعة الأرض الطينية القريبة من نهر النيل. ويصف المهندس أسامة طه لـ”باب مصر” خطورة الأمر. ويقول: “الحفر على هذا العمق الذي قد يصل إلى 30 مترا تحت الأرض قد يضع المبنى والمباني المجاورة في خطورة حقيقية لأن طبيعة الأرض تكون طينية ومشبعة بالمياه الجوفية نظرا لقربها من نهر النيل مهما تم تنفيذ عملية استخراج المياه الجوفية”.
لجنة حصر المنشآت
رغم إصدار قرار اللجنة الدائمة لحصر المنشآت بأن المبنى لا يتميز بأي طراز معماري أو عمراني إلا أنه يحظي بشعبية كبيرة ربما تكمن في ذكريات زائريها ومحبي التراث.
ويقول مصطفى عمار: “تمنيت تدشين حملة للدفاع عن سينما فاتن حمامة في المنيل بعد قرار هدمها لبناء مبنى سواء سكني أو تجاري. جزء كبير من تاريخ السينما المصرية مر عبر هذه السينما العريقة”.
فيما أوضح محمد عبدالستار، أن سبب التراجع وإعلان تخصيص طابقين لصالة سينما تحمل نفس الاسم بسبب قوانين البناء الجديدة التي تنص على منع بناء 11دور وجراج. ويقول: “هذا هو دور القوانين المفعلة، ونتمنى وجود قانون يمنع هدم كل ما له قيمة تاريخية أو فنية”.
أهمية سينما ميراندا
تكمن أهمية سينما فاتن حمامة– ميراندا سابقا في ذكريات محبيها من سكان المنيل القدامى. إذ كانت صالة العرض واحدة من8 سينمات في محيط 2 كم مربع في المنيل. كان عزام كامل زبونا دائما في سينمات المنيل. يتذكر مكانهم بدقة وفي الجهة المقابلة لسينما ميراندا كانت سينما شهرزاد والكورنيش على النيل. ويليهم سينما الفانتازيو الصيفي والشتوي. واتسمت جميعها بإذاعة أغاني الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب في فترة الاستراحة خاصة “آه منك يا جارحني”.
برغم أن سينما شهرزاد (الجزيرة) سابقا كان “لها شنة ورنة” على حد وصف المهندس مجدي أمين مختار لـ «باب مصر»، إلا أنه كان دائم التردد على سينما روضة وجرين وميراندا. فقد كانت ميراندا في الستينيات هي السينما الوحيدة الشتوية والمغطاة بالمنيل والوحيدة أيضا التي كان بها “ترسو” وهو مصطلح شائع قديما يعني الصفوف الأمامية وكانت أرخص سعر للتذكرة في مقدور ذوي الدخل المنخفض وقتها. أما باقي التذاكر كانت صالة أو بلكون في الدور الأول. ويقول: “لُقب فريد شوقي بملك الترسو لأن رواد سينمات الترسو كانوا هم أكبر جمهور لفريد شوقي”.
3 أفلام
كانت السينما عرض مستمر في ميراندا. من خلال عرض 3 أفلام متتالية صباحا ثم تُعاد، مضيفا أن ميراندا كانت من أوائل صالات العرض بالمنيل مع 3 سينمات أخرى جميعها صيفية أي مفتوحة بدون سقف وتعمل صيفا وليلا فقط. ويضيف: “هي بالفعل لم يعد لها قيمة سوى أنها تحمل ذكريات سكان المنيل القدامى. خاصة بعد أن تغير اسمها إلى سينما فاتن حمامة، واسم ميراندا تاريخ قديم لم يعد يذكره الكثير”.
وكان من أهم رواد سينما ميراندا وخاصة الفترة الصباحية طلاب المدارس خاصة “الفسطاط”. حيث تم تطبيق سياسة الباب المفتوح. وكانت منطقة المنيل تتمتع بخصوصية نظرا لأنها جزيرة. ويتابع: “كنا نطلق على النيل البحر وهذا المصطلح لم يُستعمل إلا في أحياء المنيل المطلة على النيل”.
من «ربع لبة» لـ«فاتن حمامة»
السينما التي هُدمت مفقودة الهوية. على الرغم من شهرتها باسم سينما فاتن حمامة إلا أنها لا تربطها صلة بسيدة الشاشة العربية. ولم يرتبط أيا من القصص بها. ويرجع تاريخها إلى تأسيسها في ثلاثينيات القرن الماضي وحملت اسم «ربع لبة» وأدارها حينها الفنان الراحل حسين رياض.
ثم تغير اسمها في الأربعينات إلى سينما «ميراندا» واستمرت بهذا الاسم حتى تم إغلاقها نظرا لإهمالها وحاجتها إلى التجديد. وتم تجديدها في عهد الرئيس حسني مبارك بتكلفة وصلت إلى 600 ألف جنيه، بأحدث الأجهزة والمعدات، ليُطلق عليها عند افتتاحها في عام 1984 اسم جديد وهو سينما فاتن حمامة.
مخبأ سياسي
هذه ليست المرة الأولى وربما لن تكون الأخيرة، التي تُهدم فيها صالة سينما مصرية عريقة. وهُدم في وقت سابق صالات (شهرزاد – الجزيرة – الروضة). ولكن تكمن قيمة سينما فاتن حمامة التاريخية في ارتباطها بالعديد من المواقف التاريخية والسياسية. حتى تيمن أصحاب المحال المجاورة بها وعلى مدار الأربعين عاما الماضية تحولت بعضها لتحمل اسم فاتن.
ارتبط اسم سينما فاتن حمامة بالواقعة الشهيرة للرئيس الراحل محمد أنور السادات. حين ابتعد عن المراقبة السياسية قبل ثورة 23 يوليو واصطحب زوجته السيدة جيهان السادات وشاهدا معًا فيلم في سينما فاتن حمامة. ووفقا لما ذكر في مذكراته «البحث عن الذات» كانت وسيلة لإثبات سبب انشغاله خلال الساعات السابقة لقيام الثورة حال لم يُقدر لها النجاح.