وداعا «الهابي لاند» حديقة المنصورة التراثية.. ومسرح «أم كلثوم» قيد الإعدام
شهدت مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية استكمال مسلسل هدم الحدائق التراثية المُطلة على نهر النيل. كان آخرها قرار وزارة التنمية المحلية بهدم نادي «السكة الحديد» وإزالة الأشجار التاريخية المُعمِرة والنخيل بحديقة «الهابي لاند»، التي تعد آخر ما تبقى من متنزهات قصر الخديوي إسماعيل بالمنصورة.
إزالة حديقة «الهابي لاند» لا يعد الحادث الأول بـ«جزيرة الورد» كما كانت تُلقب قديما. إذ ذابت معالم المدينة التي تعد واحدة من أرقى مدن مصر على مدار تاريخها. من خلال إزالة عدد من الحدائق التراثية بدأت قبل خمس سنوات بهدم حديقة الحيوان التاريخية. ثم هدم سور حديقة «شجرة الدر العامة» وحديقة «صباح الخير يا مصر» وحديقة «عروس النيل». وأخيرا يستعد مسرح ثقافة المنصورة للإزالة أيضا، رغم أنه مُسجل في قوائم التراث لدى جهاز التنسيق الحضاري.
هدم مفاجئ
جاءت عملية الهدم بقرار مفاجئ للمستثمرين بنادي السكة الحديد. إذ تعتبر حديقة الهابي لاند جزءا من ممتلكات السكك الحديد وفقا لخطاب صادر عن وزارة النقل لمحافظ الدقهلية في عام 2019. ويروي أحمد قنديل مستثمر بنادي السكة الحديد كواليس الهدم، بأنه حصل على إخطار بقرار مفاجئ للهدم قبل التنفيذ ولم يتسن له الوقت الكافي لنقل المعدات والأدوات، رغم قضائه ثلاثة أشهر كاملة في تجديد المكان وتحويله إلى قاعة مناسبات.
وتمت عملية الهدم منذ أيام بشكل مفاجئ. رغم أن العقود ممتدة حتى عام 2024. ويوضح لـ«باب مصر» أنه تم التحفظ على محتويات القاعة مثل الكراسي والمعدات دون نقلها. ويقول المستثمر بنادي السكة الحديد: “ما زلنا في مرحلة التفاوض للحصول على مكان بديل وتعويض مقابل التجديدات الأخيرة التي أجريناها بالمكان وقدرت بخمسة ملايين جنيه، ولكننا بحاجة إلى استرداد التكلفة رغم هدمها، وكذلك مكان آخر”.
شمل الهدم نادي “السكة الحديد” الرياضي وما يتضمنه من قاعة المناسبات ونادي اجتماعي وأنشطة رياضية. مع إزالة السور المحيط بها، وما يجاورها من حديقة “هابي لاند” بالمنتزه نفسه، والذي كان يُقام فيه أنشطة متنوعة مثل الألعاب والحفلات. ويوضح قنديل أن عملية الهدم ستطال “قصر ثقافة المنصورة” الذي يقع بالمحيط نفسه، استعدادا لمخطط النقل لمكان آخر.
حدائق تراثية
تمت عملية الهدم بإزالة أشجار ونخيل “حديقة الهابي لاند” التي تعتبر آخر ما تبقى من متنزهات قصر الخديوي إسماعيل بمدينة المنصورة. مع الاستعداد لهدم الكوبري التراثي الذي يزيد عمره عن مائة عاما. وكان يستخدم لربط شرق المدينة وغربها في حالة علو منسوب نهر النيل أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي.
وكان يستخدم الكوبري التراثي من قبل عربات “الحنطور” والسيارات. حتى انها ظهرت في العديد من الأفلام في خمسينات وستينات القرن الماضي. مثل ظهورها في مشهد في فيلم إنتاج عام 1958، وظهرت الحديقة، وكبرى المشاة، ومكان قصر الثقافة قبل بناءه كانت تقع “حديقة فريال”. وظهر أيضا “الباتيناج الملكي” الذي كان مخصصا لأبناء البشوات. كما ظهرت في فيلم آخر إنتاج عام 1971.
وبحسب مبادرة «انقذوا المنصورة» خضع الكوبري التراثي للتطوير وأُطلق عليه «ممشى الخالدين» ولكن ظل مغلقا لمدة تزيد عن عشرة أعوام. وبعد مناشدات للمحافظ السابق د.كمال شاروبيم، تم فتحه لساعات.
طرز مميزة
تاريخ عريق للحدائق التراثية التي باتت جزءا من أوراق التاريخ فقط. ويتحدث عن تاريخ حديقة الحيوان المهدومة، أستاذ بجامعة المنصورة – رفض ذكر اسمه – ويقول لـ«باب مصر»: “يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1949 على يد الخواجة “توريل” وكانت على مساحة أربعة أفدنة”.
ويتابع: “بعد مرور أربعة عقود توقفت أعمال التطوير بالحديقة حتى شهدت عملية تطوير. تم استبدالها بقرار إزالة في عام 2017 لإنشاء مشروع “سينما وساحة مطاعم”. حتى توقف العمل على تطوير لمشروع وأصبح “خرابة” لتجمع الحيوانات الضالة. وهذه الخطوة للهدم والإزالة لم ينتج عنها إلا إلحق الضرر بالمحيطين بمساحة الحديقة المهملة حاليا”.
ويضيف لـ«باب مصر»: أن الأهمية التاريخية ترجع إلى مسرح الثقافة أيضا المعروف باسم «مسرح أم كلثوم» ويتميز بطراز معماري مميز. ويرجع إلى ستينات القرن الماضي وتصميمه للمهندس سيد كريم. وتم بنائه على مدار عشرة اعوام، منذ منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينات. وتم إدراجه في سجل المباني ذات الطراز المعماري المتميز برقم 236 لسنة 2016 من ضمن الفئة (أ) والتي يحظر الهدم أو التعديل تماما داخل المبنى وخارجه. وكذلك ما يلحق به من حدائق، والتي هدم اثنتين منها.
مستقبل الحدائق المصرية
وبشكل عام، طرح هدم الحدائق التراثية بالمنصورة تساؤلات متعددة حول مستقبل الحدائق المصرية والفراغات العامة بالمدن المصرية بشكل عام التي تعانى معظمها من تدهور وتحديات متفاوتة. ويتحدث عنها المهندس عمرو عصام، خبير التخطيط والتنمية العمرانية.
ويقول عصام لـ«باب مصر»: “إذا تم النظر إلى الحدائق باعتبارها أراضي تقع في أماكن حضرية متميزة تخضع لقانون العرض والطلب طبقا لقوى السوق. فهي تعد لغير المتخصصين بمثابة ثروة مهدرة. دون النظر إلى الأبعاد الأخرى مثل معدلات الكثافة السكانية ومدى احتياج المدينة إلى رصيد جديد من الوحدات السكنية”.
ولكن لهذه القضية بُعد آخر وهو الجانب البيئي. مثل التأثير السلبي لتقليص المساحات الخضراء علي جودة الهواء أولاً ثم جودة الحياة بمفهومها الشامل. ويتابع خبير التخطيط: “وتأثير كل ذلك علي هوية المكان وحق سكانه وزواره في الحفاظ على جزء هام من الذاكرة التاريخية والحضارية لمدنهم وأماكنهم”.
تحديات الفراغات العامة
حدائق المنصورة ليست الأزمة الأولى التي تواجه الحدائق العامة في مصر. إذ تواجه الحدائق والفراغات العامة في المدن المصرية تحديات كبرى تتمثل في المشكلات الإدارية والقانونية التي تتطلب تغييراً للاستغلال الأمثل لها. خاصة مع تأثيرها بتدهور الصورة الذهنية للأماكن وتراجع الطابع الحضري للمدن.
ويوضح خبير التنمية العمرانية ما تتطلبه هذه المشروعات البديلة الحدائق قائلا: “بالنسبة إلى اختيار المكان من الممكن إنشاء هذه المشروعات علي أطراف المدن (باستثناء الظهير الزراعي للمدينة). ويفضل لها من الناحية الفنية مدينة المنصورة الجديدة، التي تم الترويج لها باعتبارها بديلاً عن مدينة المنصورة القديمة ولديها القدرة على توفير أنماط حديثة من الترفيه والاستخدامات المعاصرة التي تعجز المدينة القديمة عن تلبيتها”.
ويتابع أنه من الناحية الفنية أيضا يمثل هذا المشروع حال إنشاؤه تحدي تنموي رئيسي أمام نمو الأنشطة المشابهة في مدينة المنصورة الجديدة. نتيجة تلافي الميزة النسبية والتنافسية التي يوفرها هذا المشروع. مما يؤدي في النهاية إلى مزيد من الجذب السكاني لمدن الدلتا المكتظة وما يتبعه من سلبيات عمرانية واجتماعية وبيئية واقتصادية. فضلاً عن الحد من الجذب السكاني للمدن الجديدة وبالأخص مجتمعات الشريط الساحلي.
اقرأ أيضا
الليلة الكبيرة.. في مولد الإمام الحسين: الكل هائم في حب آل البيت