د. محمد الكحلاوي: لهذه الأسباب رفضت وزارة الآثار!
دائمًا ما ينتظر ويتمهل قبل إبداء أى رأي، يدرس القضية من كافة جوانبها ويطلع على الأوراق قبل أن يصدر حكمه الذي يستند دائما على حيثيات علمية. العالم الأثري د. محمد الكحلاوي أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة ورئيس اتحاد الآثاريين العرب وعضو اللجنة العليا للتخطيط التابعة لمجلس الوزراء،يتحدث لـ«باب مصر» عن وضع الآثار خلال الفترة الحالية. و عن البيان الذي أصدرته جامعة القاهرة مؤخرًا تشيد فيه بأداء وزارة الآثار!
وكالعادة، يحمل حديث د. محمد الكحلاوي الكثير من المفاجآت والتي تخص قضايا أثرية مهمة تشغل جميع المتخصصين في الآثار. إذ بعث رسالة طمأنينة بشأن ما سيحدث في الحدائق الأثرية والتراثية، والتي لن يتم اتخاذ أي قرار بشأنها إلا بالرجوع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي. إلا أن رسالته تلك لم تخلو من التحذير.: “لن أصمت، إذا تم المساس بأي أثر أو شطبه من عداد الآثار” كما قال.
هل دار حديث خلال اجتماع لجنة التخطيط حول الحدائق التراثية والأثرية؟ فالبعض متخوف بسبب أزمة حديقة الأسماك. فقد تم نشر بعض المستندات التي تفيد باتخاذ وزارة الآثار إجراءات لشطب أجزاء منها..
بخصوص أزمة حديقة الأسماك، فأنا أشهد الله أن رئيس مجلس الوزراء في الاجتماع الأخير داخل لجنة التخطيط قال نصًا: “موضوع الحدائق تبعي أنا مباشرةً ولا مساس بالحدائق سواء كانت تراثية أو أثرية، إلا بالعرض عليّ مباشرة”. وقد شكرته حينها لأنه يدرك أهمية التراث والآثار، فمن قبل عندما أرسلت له خطابا أرفض من خلاله نقل حمام تل الحير من سيناء ليوضع بمتحف، تفضل مشكور أيضًا، وأصدر أوامره بوقف الأمر، رغم أنه حينها قد صدر له قرار لجنة دائمة بالنقل.
كان هناك الكثير من الاعتراضات من جانب الآثريين على البيان الذي أصدرته كلية الآثار جامعة القاهرة على الفيسبوك تمتدح فيه إنجازات وزارة الآثار.. من وجه نظرك لماذا ترفض مثل هذا البيان؟
من الغريب أن يأتي مجلس كلية الآثار بهذا البيان الذي أصدروه. فهو لا يوجد له محل من الإعراب وأنا أرفضه، لأن ما كان يجب من البيان هو أن يستكمل رؤيتنا نحن كعلماء وأثريين في مجال الآثار. فنحن لا نعادي الدولة، ولكننا نريد تصحيح العمل في مجال الآثار. فهذه ليست مباني عادية، بل مواقع أثرية.
وقد تربينا كأثريين أن الموقع الأثري يجب أن يكون له متطلبات في عملية ترميمه، أو بمجرد الاقتراب منه. فهل يعقل أن يتم إزالة مشهد آل طباطبا؟، فلماذا إذًا لم يتم إعادة بنائه حتى هذه اللحظة، فالكثير من المساجد أعيد بناؤها مرة أخرى، مثل جامع عمرو بن العاص، والذي أعيد بناؤه، فهو لا يمثل قديمه في شيء، وكذلك نفس الأمر بالنسبة للجامع الأزهر، والذي أيضًا لا يمثل قديمه في أي شيء. فلماذا لم نعد بناء مشهد آل طباطبا حتى الآن؟
لذلك غريب جِدًّا أن كلية الآثار بجامعة القاهرة – والتي أنتمي لها- تصدر مثل هذا البيان، والتي تذكر من خلاله أن “كل حاجة تمام” فعلى أي أساس تم ذكر هذا. فهل قاموا بمعاينة الأماكن التي تم الترويج لها أنها تتعرض لخطورة؟، وهل قاموا بمعانية الحمام العثماني الأثري بقنا؟، وهل قاموا بمعاينة محلج محمد علي بفوه، أو قصر ميخائيل لوقا الزق بأسيوط أو محطة القطار الملكية بكفر الشيخ، أو منزل عبدالواحد الفاسي بالقاهرة؟، فجميع هذه المباني معرضة للشطب من عداد الآثار، لذلك للأسف هذا البيان ما كان أبدًا أن يخرج لأن كلية الآثار لا يجب أن تفعل مثل هذه الأمور.
بمناسبة ذكرك لعملية شطب بعض الآثار مؤخرًا، كيف ترى الأمر؟
سأذكر لك مثالا فالمحطة الملكية بكفر الشيخ قمنا بعمل حصر لها في تسعينيات القرن الماضي. فهذه إشكاليات كبيرة جِدًّا. وقد سجلت في الآثار بعد ذلك، وَحَالِيًّا يحاول البعض شطبها من الآثار. فهذه المباني مصونة من جهتين فهي مبان تراثية وبالتالي دخلت في لجان الحصر، ولا ترفع إلا من خلال قرار رئيس مجلس وزراء.
ومن جهة أخرى فهي مسجلة ضمن عداد الآثار. فالمحطة الملكية بحالة جيدة جِدًّا، ولا يمكن المساس بها. فهم لا يملكون شطب أو إزاله أي مكان تراثي. فأنا متواجد في اللجنة العليا للتظلمات منذ 13 عامًا، وهذه اللجنة كان من ضمن أعضائها الدكتور مصطفى مدبولي أيضا. لذلك فمحاولة التفكير في شطب بعض المواقع الأثرية الخالدة هي عملية في منتهى الخطورة. ولن نصمت أمامها.
إذ إنني كأثري عندما أطالب بتصحيح هذه الأعمال فهذه ليست مناوئة للدولة. فالدولة نفسها استعانت بي في المجلس الأعلى للتخطيط، كي أوضح لها مثل هذه الأمور. فلا يمكن أبدًا أن أتخاذل عن القيام بدوري الذي كلفت به من جانب الدولة. وأنا بدوري لا أملك إلا فكري وعلمي، لتصحيح هذه الأعمال.
لا أريد مناصب
ويختتم د. الكحلاوي: أنا لا أريد أية مناصب بالمناسبة. فعندما استدعيت من قبل رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور بعد واقعة تفجير مديرية الأمن، وتضرر متحف الفن الإسلامي أضرارا بالغة. طلب مني وقتها تقديم رؤية للوزارة، وتوليها فلم أوافق على الأمر. فقد وجدت سكينة فؤاد تتصل بي، وتبلغني أن رئيس الجمهورية يريدني. وعندما ذهبت في الموعد المحدد قالت لي إن الرئيس يحتاج منك أن تكتب تقييما شاملا للعمل الأثري في مصر. وقالت إنك مرشح لتولى وزارة الآثار.
وطلبت مني أن أقابل رئيس مجلس الوزراء حينها، فلم أوافق في البداية، إلى أن تحدثت هي مع الدكتور على رضوان رحمه الله. وطلبت منه أن يقنعني. وأنا لم أتعود أن أرفض أي طلب لهُ فوافقت. وعندما ذهبت في الموعد المحدد وأثناء نزولي من السيارة وجدت صديقي سمير غريب وأبلغني أن ممدوح الدماطي كان جالسًا مع رئيس الوزراء. وحينها ركبت سيارتي مرة أخرى ورجعت إلى بيتي واتصلت بي سكينة فؤاد تعاتبنى فقلت لها: عفوًا أنا أكلف ولا اُختار.