ملف| 20 عاما على رحيل «أخت القمر»: آباء سعاد حسني

من طفولة معذبة إلى صبية مدللة على الشاشة، ثم النجمة التي أسرت ألباب أجيال من المشاهدين ولا تزال، إلى عودة ثانية لعذاب المرض ومرارة الانزواء، تلك هي رحلة سعاد حسني الملقبة بـ«جارة القمر».. «باب مصر» يتذكر «السندريلا» بمناسبة عشرين عاما على رحيلها.

جينات الموهبة

ولدت سعاد حسني «جارة القمر» في 26 ديسمبر 1942، كان والدها محمد حسني البابا من أشهر الخطاطين في مصر، ومن أوائل من ظهرت خطوطهم في عناوين الصحف المصرية ومنه انتقلت جينات الإبداع إلى طفلته الموهوبة سعاد.

لسوء حظ سعاد لم يكن والدها مجرد فنان عادي، بل كان في حالة تمرد دائمة وتحفز مستمر يضيق بالمسؤوليات فدخل في خلافات مع زوجته وانتهت الخلافات بالطلاق. لا تنسى سعاد من ذكريات هذه المرحلة أول وآخر علقة من والدها وهي العلقة التي تسببت لها في عقدة نفسية جعلتها تكره لعب الأطفال ولا تطيق رؤيتها ترويها سعاد قائلة: “أبي كان مشغولا عني ولا يفهمني ولذلك كنت أتحدث مع عروستي الخشبية وأبوح لها بكل أسراري وهمومي وكنت أعتقد كطفلة أنها تفهمني وأنها صديقتي الوحيدة إلى أن جاء يوم العلقة الساخنة التي بدأت بتسللي إلى باب الغرفة التي كان والدي يجلس فيها مع مجموعة كبيرة من ضيوفه ولسوء حظي أنه شاهدني فجرى ورائي وانتزع العروسة التي لم تكن تفارقني وظل يضربني بها وأنا أصرخ، ثم رمى العروسة على الأرض وتركني معها، وقتها قررت أن أخاصم العروسة التي تسببت في ألمي للأبد”.

 الرجل الثاني

يأتي بعد ذلك دور الرجل الثاني أو الأب الثاني في حياة جارة القمر وهو “عبدالمنعم حافظ” زوج والدتها ومفتش التربية والتعليم، إذ لم يكن صورة لزوج الأم القاسي، ولكنه كان مليئا بالحنان ولذلك اعتاد أن يعاملها كإحدى بناته وإذا كان عبدالرحمن الخميسي هو بوابة دخول سعاد حسني لعالم الفن، فإن عبدالمنعم حافظ زوج الأم كان بوابتها للعبور إلى قلب عبدالرحمن الخميسي نفسه فقد كانت الصداقة التي ربطت بين الخميسي وحافظ هي السبب في تعرف مكتشفها عليها في بيت صديقه وتتذكر سعاد فضل والدها الثاني في حوارتها فتقول: “كان له تأثير كبير في حياتي ويكفي أنه هو الذي كان يذهب بي إلى جمعية أنصار التمثيل والسينما حيث صديقه الخميسي يقوم بتدريب الشبان والشابات على التمثيل، ولولا حماسة لعملي بالتمثيل تحت إشراف الخميسي لكان من الممكن أن يتغير مسار حياتي بعيدا عن الفن”.

الأب الروحي

وهنا يأتي دور الرجل الثالث في حياة سعاد حسني الشاعر والممثل عبدالرحمن الخميسي، مكتشف سعاد واختارها لتؤدي دور البطولة في فيلم “حسن ونعيمة” بعد أن رشح المخرج هنري بركات فاتن حمامة وعبدالحليم حافظ لدورى البطولة، ولكن الخميسي تحمس بشدة لسعاد التي لم تكن قد تجاوزت السابعة عشرة وقتها، وكان صعبا أن توقع على عقد الفيلم بدون موافقة والدها، قرر الخميسي أن يواجه الأب في محاولة رآها البعض مستحيلة، وكانت المفاجأة أن يوافق الأب الذي قارب على الستين من عمره على عمل ابنته بالسينما ويقول للخميسي: “سوف أسلمك ابنتي وكلي ثقة في شخصك”.

تبادل أدوار

وفي عام 1964 تلتقي سعاد حسني بصلاح جاهين في روسيا أثناء تصوير فيلمها “الناس والنيل” وتبدأ علاقة فنية وإنسانية نادرة وحميمة. وصفت سعاد جاهين بأنه «كتلة ملتهبة في كل لحظة من الفن، لا يمكن أن يتكرر مطلقا، «اقتربت منه واستفدت دروسا سرت في شرايينى ولا يمكن أن أحددها في كلمات».

ومنذ اللقاء الأول أصبح جاهين مسؤولا فنيا عنها وتقول سعاد عنه: “إذا كان أبي قد توفي وأنا صغيرة السن ومحدودة الفهم فقد وجدت أبا جميلا لي هو صلاح جاهين”، كان صلاح جاهين هو الأب الروحي لها على مدار أكثر من عشرين عاما وكأي أب يخاف على ابنته كان جاهين الوحيد الذي أقنع سعاد حسني بالذهاب لطبيب نفسي عندما أصابها الاكتئاب، وبعد عدة جلسات جاءت النتيجة مفرحة للأب وابنته التي قالت عنه: “كان شديد السعادة بالتحسن الملحوظ في حالتي بعد أن عرف أنني لم أعد أنام بشكل متقطع وأن الأحلام الغريبة قد غادرت فراشي” ويشاء القدر أن تتبادل الأدوار ويصاب جاهين بالاكتئاب وتفشل سعاد حسني في أن تأخذ بيده.

صباح الخير يا مولاتي

ومن المفارقات أن سعاد حسني قد أجرت حوارا مع مجلة الكواكب نشر في عددها الصادر يوم 8 إبريل 1986 قبل وفاة صلاح جاهين بأقل من أسبوعين، وكان جاهين هو محور الحوار وتحدثت سعاد عن أغنيتها الأخيرة التي ألفها صلاح جاهين بمناسبة عيد الأم وكواليس العمل بها. تقول سعاد حسني: “كانت أمنيتي أن أقدم أغنية لأمي، حتى أحس أنني أقدم لها ولو شيئا بسيطا مما قدمته لي وطلبت من صلاح جاهين أن يكتب هذه الأغنية،  وقال إنه لا يجد فكرة جديدة، ومرت فترة تكلمت معه مرة ثانية وثالثة وقال لي إنسي هذه الأغنية، وعندما جاءت زيارة ملكة الدنمارك لمصر اتصل بي صلاح جاهين وأول ما قاله لي: «صباح الخير يا مولاتي»… عرفت أنه وجدها وأنه تأثر برقة ملكة الدنمارك فقال لا.. إنها أمي، وسمعت الكلمات واتصلت بكمال الطويل وعرضت عليه الأغنية وافق على تلحينها وطلب من صلاح تغيير بعض الكلمات وكأن رأي كمال أن تكون كلمات الأغنية للأطفال أكثر من الكبار، واختلفت الآراء وتشابكت وجهات النظر حتى خرجت الأغنية بعد العديد من البروفات على البيانو في بيت صلاح جاهين.والطريف أنه أثناء جلستنا للعمل في بيت صلاح دق جرس التليفون وكان المتحدث بوليس النجدة ينقل شكوى إزعاج للجيران وكان الشاكي أحد السفراء والذي يسكن نفس العمارة، وقال صلاح للبوليس إننا نعد أغنية جديدة لعيد الأم وكان ذلك أثناء فترة حظر التجوال. ثم تقابلنا بعد ذلك وعلي بدرخان لنبدأ العمل في إخراج الأغنية وانضم كمال نعيم مصمم الرقصات والموزع الموسيقي محمد هلال، وتم تسجيل اللحن في وقت لم أكن قد حفظته جيدا وكان علىّ أن أعيش مع الأغنية ومع اللحن بكل وجداني وفي هذا الوقت مرض علي بدرخان ودخل المستشفى لإجراء عملية جراحية واستعنا بالأستاذ نيازي مصطفى، ثم بالأستاذ شكري أبوعميره، وتم حجز أحد استديوهات التليفزيون للتسجيل فيه”.

مشروعات لم تكتمل

وتواصل جارة القمر في حديثها عن مشاريع مقبلة مع صلاح جاهين لعمل أغنيات إنسانية للتضامن مع منكوبي الجفاف في إفريقيا بالتعاون مع كمال طويل وكلها ثقة في قدرات صلاح جاهين في عمل ذلك وهي لا تعلم أن صلاح جاهين سيغادر الحياة بعد حوارها هذا بأقل من أسبوعين ليترك ابنته تعاني اليتم للمرة الثانية بعد وفاته.

اقرأ أيضا

من ابنة شقيقتها لمصممة أزيائها.. سوسن الصاوي سر أناقة سعاد حسني

مشاركة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر