الفنان التشكيلي «علاء عوض»: الأقصر من أكثر المدن إلهاما في العالم

على خطى أجداده يسير الفنان علاء عوض، المدرس بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة الأقصر، إذ جذبته المدينة بآثارها ومعابدها وأسواقها منذ أن ذهب إليها أواخر التسعينات، فقرر ألا يغادرها ودشن مرسمه الخاص في البر الغربي منها.

شارك عوض في العديد من المعارض داخل مصر وخارجها، وافتتح أمس معرضه الرابع “أبناء الجبل”..«باب مصر» يتعرف على رحلته.

النشأة والبدايات

يقول علاء عوض لـ«باب مصر»: أنا من مواليد مدينة المنصورة، حصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة من جامعة الأقصر عام 2004 وكنت أول دفعتي قسم التصوير وعينت بها معيدًا حتى حصولي على درجة الدكتوراه، وأعمل الآن مدرسًا بقسم التصوير.

وتابع: برزت موهبتي منذ الصغر في المرحلة الابتدائية، وكان لدعم الأسرة دورا كبيرا في تنميتها، فقد اهتم والدي بشراء الألوان والأدوات التي كنت احتاجها بجانب دعمه وتشجيعه المتواصل، وكنت أجد متعة كبيرة في رسم ما يطلب منى في حصص التربية الفنية من موضوعات، لكنى لم اكتف بذلك، وفي المرحلة الإعدادية بحثت عن أدوات وطرق أخرى للرسم، ومن خلال مدرسي التربية الفنية تعرفت على أقلام الفحم وألوان الجواش المائية وبدأت في تطوير رسوماتي، وبعد حصولي على الثانوية العامة لم أتردد لحظة في الالتحاق بكلية الفنون الجميلة.

وعن بداية مشواره الفني في الأقصر يقول: اخترت كلية فنون جميلة الأقصر برغبتي فقد كان أمامي فرصة الالتحاق بكليات فنون جميلة الإسكندرية أو القاهرة، إلا أني كنت أريد التعرف على الصعيد، هذا الجزء الهام من مصر، كان تفكيري أن أقضى هناك  عام أو عامين ثم أعود للإسكندرية أو القاهرة، لكن بمجرد ما أن وضعت قدمي على أرض الأقصر لم استطع نزعها إلى الآن، فقد سحرتني المدينة وجذبتني رائحة الأجداد في كل شبر منها، وأسير في شوارعها وأسواقها وموالدها وبين ناسها ومعابدها مثل المجذوب أو المريد في حضرة الذكر.

ويضيف: لدي الآن مرسمي الخاص بالبر الغربي، هذا المكان الذي يحوي أعظم ما في العالم من تاريخ وآثار وفن- حسبما يرى-، وطيلة 22 عامًا جعلت من المكان مشروعي الخاص في توثيقه وربطه ما بين تراث الأجداد وما يوجد الآن في مزيج رائع يجمع ما بين العراقة والتاريخ والحداثة.

مراحل مختلفة

شكلت الأقصر رؤية الفنان علاء عوض، إذ كان لها تأثيرا بالغا في أعماله، فيقول: جذبتني الحياة الطبيعية والنيل والمعابد بالأقصر، وانبهرت كثيرًا بالجبل والأسواق وملابس وملامح الناس ومصريتها الخالصة، اكتشفت أن ما كنا نراه في الأفلام لمدينة الأقصر لا يعبر عن الطبيعة كاملًا، فالأماكن لها سحر خاص، وبدأت في دراسة الحضارة المصرية القديمة، تعمقت في دراسة الجداريات والتماثيل، ذهبت للمعابد والمتاحف بجانب دراستي الأكاديمية.

واستكمل: بعد المرحلة الأكاديمية التي انتهت بحصولي على بكالوريوس الفنون الجميلة، بدأت المرحلة الواقعية في حياتي الفنية، وهي مرحلة التصوير الجداري الذي تعلمته، وبدأت التعرف على الجداريات المصرية القديمة، وبدأت في التحضير للماجستير الذي تناولت فيه الأعمال الجدارية وبدأت أفهم معنى كيفية استلهام الفن من الحضارات القديمة بشكل عام، وكيف أن الفنانين الكبار حول العالم استمدوا فنهم من الحضارات القديمة، مثل استلهام بيكاسو التكعيبية من الفن الإفريقي، وغيره من الفنانين بعد عصر النهضة حيث خرج الفنانين عن فكرة الواقعية الشديدة، ونظروا إلى فنون الحضارات القديمة التي تم دمج عناصرها وموتيفاتها القديمة مع الواقعية، وهو ما أطلق عليه “الفن الحديث” والذي تشعب بعد ذلك لمدارس، مثل التجريدية والطبيعية والرمزية وغيرها فجميعها انطلقت من الحضارات القديمة.

ويقول: اهتممت بدراسة المقابر والمعابد بالأقصر ومن خلال الرسومات التي توجد على جدران المعابد والمقابر، والتماثيل الشامخة وما يوجد بالمتاحف تعلمت الكثير، وبدأت في صياغتها بشكل حديث، وهو ما نقلني إلى مرحلة الجرافيتي.

فن الجرافيتي

رسم عوض العديد من الجرافيتي خارج مصر وداخلها، وجميعها تحمل الطابع الفرعوني الذي يعبر عن عراقتنا، وكان أول جرافيتي عام 2012 تزامنًا مع ثورة يناير، فيقول عنه: هذه الثورة جعلتني استلهم روح التراث المصري، وقمت بعمل جداريات في شوارع التحرير وفي محمد محمود قمت بتنفيذ جدارية كبيرة، تناولت فيها مفهوم الحرائر والنائحات، والموضوعات المتعلقة بالثورات المصرية القديمة، وكنت أريد أن من خلال الفن وتلك الجداريات أن أعبر عن الثقافة والفن المصري، في وقت كان من الضروري أن يخرج تراثنا المصري الأصيل ويظهر أمام الجميع في مواجهة محاولات تشويه هذا التراث من قبل الجماعات والتيارات الدينية التي كانت تحاول تدمير ثقافتنا والدولة بشكل عام، وكانت أدواتي في مواجهة هذا التشويه هو الفن وتلك الجداريات التي قمت بتنفيذها.

الحياة في الأقصر

ذكر عوض أنه يسير على خطى الفنان الكبير راغب عياد وغيره من الفنانين المصريين الذين تأثروا بالفن الأوربي الحديث، وبدأوا في نقل الواقع المصري وموتيفاته الشعبية على لوحاتهم، فيقول: انتقلت من رسم واستلهام اللوحات من الحضارة المصرية القديمة بشكل مباشر، إلى رسم الحياة اليومية بالأقصر من عادات وتقاليد، تناولت حلقات المرماح والتحطيب والموالد وحلقات الذكر والأسواق، وفي هذا الإطار قمت بعمل العديد من المعارض، وأكثر ما شدني كانت منطقة البر الغربي بالأقصر حيث يوجد مرسمي الخاص، وكان أحد معارضي الخاصة يحمل هذا الاسم ” البر الغربي”، ومن خلال المركز الثقافي الفرنسي رُشحت لعمل معرض في فرنسا، ضمن التبادل الثقافي الفرنسي، وكان هو الآخر عن البر الغربي الذي تأثرت به كثيرا، وكانت اللوحات تجمع ما بين المصري القديم والموروثات الشعبية والعادات والتقاليد المصرية.

وتابع: تأثرت أيضًا بالحكايات والموروثات سواء المصرية القديمة المسجلة على جدران المعابد، أو الحكايات الشعبية التراثية، كما تأثرت بالاحتفالات والأعياد الشعبية سواء الفرعونية مثل عيد الأوبك أو موكب ومولد سيدي أبوالحجاج بالأقصر، وقمت بتوثيق تلك المظاهر مثل رقص الخيول والمزمار حفاظا على الأصالة والهوية المصرية.

المشاركات والمعارض الفنية

يقول عوض عن المعارض التي شارك بها: كان أول معرض خاص لي في أمريكا في “جاليري 51” ، من خلال تبادل ثقافي بين جامعة الأقصر وإحدى الجامعات الأمريكية، وكان مطلوب منى تنفيذ معرض ورسم جدارية في الشارع، وفي خلال شهرين قدمت معرضي الخاص الذي حاز على إعجاب الزائرين الذين توافدوا بكثافة، وكانت لوحات المعرض جميعها تعبر عن التراث المصري القديم، كما شاركت في تبادلات ثقافية كثيرة ما بين مصر ودول أجنبية وعربية مثل فرنسا وبلجيكا والدنمارك وألمانيا والصين ولبنان وغيرها، وقمت بعمل معرض خاص في باريس.

معرض أبناء الجبل

“أبناء الجبل” هو المعرض الرابع للفنان علاء عوض، الذي افتتحه أمس، بجانب مشاركته في المعارض الجماعية، فيقول: يضم المعرض 28 عملا فنيا، متنوعة المقاسات والأحجام، والخامات أيضًا فهناك 13 لوحة زيتية على خامة التوال، وهناك 13 لوحة استخدمت فيها ألوان السوفت باستيل، وهناك لوحات استخدمت فيها الفحم، وجميعها تمثل الحياة الطبيعية في الأقصر التي لم تؤثر المدنية كثيرا عليها، فهناك لوحات عن المرأة، ولوحات لسوق البقر وسوق الجمال، ولوحات عن النيل، وهناك موديل بورتريهات للرجال كبار السن، وهناك بورتريهات بنات من الأقصر، والمرماح، والمزمار.

وتابع: لم اختر اسم المعرض “أبناء الجبل” في البداية لكن بدأت مشروعي الفني أولًا وهو توثيق مظاهر الحياة في تلك المنطقة، وكانت البداية أن يكون المعرض عن المرأة، وعندما كنت أتناقش مع الأهالي هناك أثناء الرسم، ذكرت لهم أنى أريد رسمهم في منطقة الجبل فقالوا لي “إحنا ولاد الجبل” ومن هنا جاء الاسم وتطورت الفكرة، وبدأت رسم الأسواق والأشخاص والبنات من تلك المنطقة، وأرى أن الأقصر من أكثر الأماكن إلهاما في العالم والتي لها الفضل الكبير على تجربتي الفنية.

ويختتم عوض حديثه: أتمنى أن يعبر الفن التشكيلي في مصر بشكل أكبر عن هويتنا المصرية، وأن يكون له دور بارز على الساحة العالمية.

اقرأ أيضا

 الفنان التشكيلي «علاء أبوالحمد»: والدي هو معلمي الأول

مشاركة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر