الدكتورة دعاء أبوالمجد: تراث مصر متنوع ومتميز مقارنة بدول العالم

واصل موقع “باب مصر” التابع لـ”ولاد البلد للخدمات الإعلامية”، فعاليات الدورة التدربية التي ينظمها حول صحافة التراث، عبر تطبيق “زووم”، إذ جاءت المحاضرة الثانية للدكتورة دعاء أبوالمجد، أستاذ المساعد بقسم العمارة بكلية الفنون الجميلة بحلوان تحت عنوان “إعادة اكتشاف التراث المجهول في مصر: التراث القبطى وغير المادي وتراث المتاحف”.

والدورة تعني بالعديد من الصحفيين والمهتمين بصحافة التراث لاسيما التراث المحلي، كما تهدف إلى إتاحة الأدوات والأفكار والمهارات للصحفيين لتطوير مهاراتهم لتغطية القضايا والموضوعات المتعلقة بالتراث.

التراث المجهول

بدأت الدكتورة دعاء أبوالمجد، محاضرتها، عن مفهوم إعادة اكتشاف التراث المجهول أي غير المعلوم لدى الكثير من المواطنين الذين لا يعلمون شيئا عن العديد من الأماكن التراثية والأثرية في مصر وبالأخص المناطق القبطية الأثرية، والعمارة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وأكدت أبوالمجد على دور الصحافة في الأقاليم للبحث عن تلك الأماكن وتسليط الضوء عليها ووضعها أمام الجمهور، مضيفة أن الوعي الجماهيري بأهمية التراث لا يقتصر على التراث المادي فقط، بل يشمل أيضًا التراث اللامادي الذي يتضمن المعتقدات والعادات والتقاليد والرقصات والأمثال والحكايات الشعبية وغيرها.

تنوع التراث في مصر

وصفت أبوالمجد، تراث مصر بالمتنوع والمتميز مقارنة بالعديد من دول العالم الأخرى، والذي لا يقتصر على الفترة أو الحقبة الفرعونية التي يعتقد كثيرين أنها وحدها ما تكون تراث مصر فقط، دون معرفة أن التراث المصري يتضمن فترات ما قبل التاريخ ثم الفترة الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية، وعمارة القرن الثامن عشر والتاسع عشر الممثلة في مباني وعقارات بات معظمها مهددًا بالتدمير والهدم في أغلب المناطق، نظرًا لعدم إدراجها ضمن قوائم جهاز التنسيق الحضاري بالمحافظات، أو استخدام حيل قانونية وثغرات تمكن أصحابها من هدمها بقصد التربح المادي، دون النظر لقيمتها التراثية، مشيرة إلى أن حل تلك المشكلة الكبيرة يكون من خلال توفير استثمار مادي يحافظ على تلك الأماكن، وزيادة الوعي بين المواطنيين بأهميتها.

وعلى الرغم من تسجيل منطقة القاهرة الفاطمية ضمن قائمة اليونسكو للمدن التراثية، إلا أن أبوالمجد وضحت أن هذه القائمة تضم عدد ضيئل جدًا مقارنة بما تضمه من أعداد لدول أخرى، وكشفت عن أن مصر تزخر بالعديد من الأماكن التي يجب وضعها ضمن هذه القائمة ومنها مثلا منطقة سيوه والواحات وغيرها من مناطق.

 قوائم التراث العالمي

وأشارت أبوالمجد، إلى أهمية تسجيل الأماكن الأثرية والتراثية على قائمة اليونسكو، حيث تنص اتفاقية اليونسكو لـ”حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي” التي طرحت عام 1972 على أن بعض المواقع حول العالم تتمتع بـ”قيمة عالمية استثنائية” ويجب أن تشكل تلك المواقع جزءا من التراث المشترك للبشرية، وتتمتع المواقع المسجلة برعاية كاملة، حيث تحافظ عليها بالصيانة والترميم والدعم المادي والتقني والفني المتطور، فضلا عن الحفاظ عليها في حالة الحروب والنزاعات، كما تروج لها اليونسكو سياحيًا حول العالم مما يزيد الإقبال عليها بشكل أكبر ويدر عائدا ماديا.

ووضعت اليونسكو مجموعة من الشروط التي يجب توافرها في الموقع كي يتم إدراجه ضمن قائمتها سواء كان موقع طبيعي أو ثقافي، وتتمثل تلك الاشتراطات في عشرة معايير يجب أن يستوفي الموقع واحدًا منها على الأقل، و من تلك المعايير: (أن يمثل الموقع قيمة إنسانية لحقبة من الزمن في المجال الثقافي سواء في الفنون أو العمارة أو تخطيط المدن أو المناظر الطبيعية، أن يمثل الموقع تحفة عبقرية خلاقة وإبداعية من صنع الإنسان، أن يمثل شهادة إستثنائية أو فريدة من نوعها كتقليد حضاري أو ثقافي مندثر أو قائم، أن يكون الموقع مثال لمخطط بنائي أو معماري يمثل مرحلة تاريخية هامة من تاريخ البشرية، أن يكون مثالا لثقافة فريدة في تفاعل الإنسان مع البيئة، أن يكون الموقع مرتبط بشكل ملموس بالتقاليد المعيشية سواء المعتقدات أو الأفكار أو الأعمال الأدبية والفنية الهامة عالميا)، ومن المعايير الطبيعية: (أن يمتاز الموقع بجمال طبيعي استثنائي أو يحوي ظاهرة طبيعية فريدة، أو يمثل الموقع مرحلة تاريخة هامة من تاريخ الأرض والحياة سواء الجيولوجية أو التضاريس، أن يضم أشكال متنوعة متفردة من النظم الإيكولوجية والمجتمعات المحلية والحيوانات والنباتات، أن يكون الموقع هاما في الحفاظ على التنوع البيولوجي وخاصة المواقع التي تجتوي على عناصر مختلفة مهدة بالإنقراض).

وأوضحت أنه بالرغم من التنوع التراثي في مصر، إلا أن هناك سبعة مواقع فقط مدرجة على قائمة اليونسكو وهم: “دير أبو مينا، منطقة طيبة، القاهرة القديمة، الأهرامات، النوبة وأبو سمبل، سانت كاترين”، وتم تسجيل أغلبها في السبعينيات.

التراث الثقافي اللامادي

تضم اليونسكو أيضًا ضمن قوائمها للتراث اللامادي، والذي يتمثل في “التقاليد الشفهية، فنون الأداء والمناسبات والاحتفالات، الموسيقى التقليدة والرقصات، وغيرها”، ومؤخرا تم ضم النسيج المصري ضمن تلك القائمة، والتي سبقها من قبل من الفنون المصرية رقصة التحطيب، والأراجوز، والسيرة الهلالية، والنخيل وفنونه، وحسب أبوالمجد فإن تلك الموروثات لها جذور فرعونية ممتدة، حيث إن رقصة التحطيب وجدت على جدران المعابد الفرعونية، ما يشير إلى توارثها عبر الأجيال.

وتؤكد أبوالمجد على أهمية الاهتمام بالحرف التقليدية والمحافظة عليها، إذ أن وضعها ضمن القائمة سيحافظ عليها من الاندثار، حيث إن ترويج اليونسكو لها يجعلها حرفة ومادة رائجة.

التراث القبطي

تناولت الدكتورة دعاء أبوالمجد، في الجزء الثاني من المحاضرة، التراث القبطي، الذي وصفته بتراث المصريين على اختلاف عقيدتهم، حيث يعد جزء لا يتجزأ من تراث مصر، فقط أطلق اليونانيين كلمة “قبط” على سكان مصر الأصليين، كما أشارت إلى أن أقدم الأديرة والكنائس حول العالم توجد في مصر، وأن طريق العائلة المقدسة أو “مسار العائلة المقدسة” الذي سلكته في زيارتها لمصر على مدار عامين ونصف العام من أهم الأماكن الدينية حول العالم، وقد قامت وزارة الآثار  مؤخرا بتنفيذ مشروع لإحياء هذا المسار سياحيا.

ذكرت أبوالمجد أيضًا، أهمية العمارة القبطية في مصر التي يرجع تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي، وبداية القرن الرابع مثل الكنيسة المعلقة، وتأتي الأهمية حسب ما قالت ليس في أنها مباني أثرية فقط، بل لكون العمارة القبطية امتدادًا لتصميمات المعابد الفرعونية القديمة التي تميزها دون غيرها من كنائس العالم، حيث التدرج الفراغي الذي ميز تصميم الكنيسة القبطية واستخدام التصميم “البازيلكي”، الذي ترجع أصوله إلى مصر قبل استخدامه من قبل الرومان، كما يشبه تصميم بعض الكنائس الأولى المعابد الفرعونية من الخارج، مثل كنائيس الديرين الأبيض والأحمر بسوهاج. وقد اشارت د. أبوالمجد إلى عدة كنائس يجب زيارتها وتعريف المواطنين بها من قبل الصحافة والإعلام لما تحمله من تاريخ تراثي عظيم مثل: (الكنيسة المعلقة، الدير الأبيض والدير الأحمر في سوهاج، منطقة البجوات، دير الأنبا انطونيوس ودير الأنبا بولا، ودير أبومينا).

تراث المتاحف

وقالت الدكتورة دعاء أبوالمجد، في الجزء الثالث من المحاضرة الذي خصصته للمتاحف: الدول الغربية تستخدم المتاحف كمكان تعليمي، يقدم خدمة هامة للأطفال وحتى طلاب الجامعة، فلا يجب أن نتعامل مع المتحف على أنه فترينات لعرض القطع الأثرية فقط، بل يجب أن تختلف نظرتنا، كما أشارت إلى أنه لا يوجد حصر دقيق للمتاحف في مصر لأن هناك بعض المتاحف الخاصة لا يعلم عنها الكثير مثل متحف “الكاريكاتير” الذي يوجد بقرية تونس بمحافظة الفيوم، لافتة إلى بعض المشاريع والمبادرات الهامة مثل مشروع “عاش هنا” الذي ضم مجموعة أماكن متحفية لشخصيات هامة على المستوى الأدبي والفني.

كما أشارت إلى مشروع “متاحف الزمن الجميل” الذي ضم 12 متحفًا في مصر من المتاحف النوعية الهامة مثل: متحف البريد والسكة الحديد ومتحف أم كلثوم وسعد زغلول وغيرها، منوهة بدور وزارة الثقافة من خلال صندوق التنمية الثقافية الذي تم إنشائه عام 1989، والذي يقوم بدور مؤثر وفعال في تنمية الحياة الثقافية وتتمثل فلسفته في تحويل المواقع الأثرية بعد ترميمها إلى مراكز للإبداع الفني التي وصل عددها إلى 17 مركزًا إبداعيًا منها: “بيت المعمار المصري، مركز الحرف التقليدية بالفسطاط، الأرشيف المصري للحياة والمأثورات الشعبية، بيت العود ، مركز إبداع وكالة الغوري وغيرها من الأماكن”.

 ما بعد التحديات

في ختام المحاضرة تناولت أبوالمجد، الإمكانيات التي تتوافرحاليا لدي المهتمين بالمحافظة على التراث ويمكن استغلالها، والتي تمثلت في النقاط التالية:

  • قوة الفنون التراثية المصرية الخاصة بالحرف التقليدية.
  • دور الصحافة والميديا والإعلام.
  • استخدام الصناعات والمسارات الثقافية في خلق فرص عمل وتمكين اقتصادي لأصحاب تلك الحرف.
  • الدور الهام للتكنولوجيا الحديثة، والتي تساعد في الربط ما بين الحضارة والتراث وبين المعاصرة والأدوات الحديثة.

واختتمت الدكتورة دعاء أبوالمجد محاضرتها، بالتوصية بضرورة الاهتمام من جانب الصحفيين وخاصة المحليين في البحث والتنقيب عن كل ما هو تراثي سواء مادي أو غير مادي، وعرضه على المواطنين لتنمية الوعي بالتراث بنوعيه المادي واللامادي.

اقرأ أيضا

الدكتورة جليلة القاضي: ثمانية تحديات هامة تواجه المحافظة على التراث

مشاركة

تعليق واحد

  1. تنبيه: chat for free

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر