صور| بيت السحيمي.. حكايات من نهج البردة وشخشيخة وخشب عجايبي
واحد من البيوت الأثرية النادرة التي بقيت تقاوم الزمن من خلال عبقرية العمارة الإسلامية وفنونها، وهو مثال للبيوت العربية التقليدية ولكن بنكهة قاهرية، إنه بيت السحيمي ، يصحبك “ثافة وتراث” في جولة مصورة داخله، وشرح تفاصيله حسبما تناوله الدكتور عبدالرحمن ذكي في كتابه القاهرة تاريخها وآثارها.
الموقع
يقع بيت السيحمي بشارع الدرب الأصفر المتفرع من شارع المعز لدين الله بحي الجمالية، انشأه الشيخ عبدالوهاب الطبلاوي عام 1648، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى عائلة السيحمي، التي ينتمي لها الشيخ أحمد السيحمي الذي قدم من محافظة الغربية من بلد تدعى “سحيم”.
كان الشيخ على المذهب الشافعي ويدرسه في الأزهر، وسكن هذا البيت بعد أن اشتراه، وكون هذه العائلة الكبيرة التي سكنت المنزل من بعده، وتوفي الشيخ أحمد السيحمي عام 1764، ثم سكن بعدها شيخ رواق الأتراك بالجامع الأزهر محمد أمين السيحمي، وهو آخر من سكن المنزل وتوفي عام 1928 أي بعد وفاة جده الكبير الشيخ أحمد السيحمي بقرنين من الزمان، وهذا يدل على أن أسرة السيحمي استمرت تسكن المنزل حتي وفاة آخر من سكن المنزل وهو محمد أمين السيحمي.
وصف المنزل
للبيت قسمين، القسم القبلي وهو الأقدم بناه الشيخ عبدالوهاب الطبلاوي عام 1648، والقسم البحري بناه الحاج إسماعيل شلبي عام 1699، وقد ربط بالقسم الأول.
البيت مثال للبيوت العربية التقليدية بنكهة قاهرية، الداخل إلى منزل السحيمي لابد أن يجتاز رواقًا يسمى في عمارة المنازل الإسلامية “المجاز” ووظيفته ستر حرمه المنزل، الذي توزعت فيه أحواض زرعت بالنباتات والأشجار، تفتح غرف البيت على الصحن، وصحن المنزل من الأركان التي يشترك فيها منزل السحيمي مع غيره من المنازل الإسلامية إذ تنفتح غرف المنزل على هذا الصحن بدلاً من الانفتاح على الخارج وهذا صونًا لحرمة المنزل من ناحية واتقاء للرياح والغبار.
الطابق الأرضي
القسم القبلي
نجد في بيت السحيمي قاعة تنقسم إلى إيوانين، يحصران في الوسط مساحة منخفضة عنهما نسبيًا يطلق عليها في عمارة المنازل الإسلامية “الدرقاعة”، وقد رصفت أرضيتها بالرخام الملون.
أما جدران القاعة فتزينت بشريط من الكتابة، يحوي أبياتًا من نهج البردة قصيدة “البوصيري” المشهورة، وهو تقليد أيضًا نجده في بعض القاعات الأخرى للمنزل.
سقف القاعة مسقوفًا بألواح وبراطيم من الخشب كسيت كلها برسومات وزخارف نباتية وهندسية لونت بألوان بديعة ودقيقة، وكانت تستعمل هذه القاعة كمندرة أو سلاملك يجلس فيها سيد المنزل ليستقبل فيها ضيوفه من الرجال ويضايفهم ويقدم لهم فيها الطعام.
فُرشت القاعة بالأثاث لنستطيع أن نكون فكرة دقيقة عن عمارة المنازل في القاهرة في القرنين السابع والثامن عشر، فغير الحشايا الفاخرة التي وضعت في الإيوانين ليجلس عليها الرجال، هناك صينية كبيرة من النحاس وضعت على حامل ليقدم عليها الطعام، والمقعد يعتبر القاعة الصيفية لجلوس الرجال فهو مثل القاعة سوى أن له واجهة مكشوفة تنفتح نحو جهة الشمال لتستقبل الهواء العليل في ليالي الصيف، وهو ينفتح على صحن المنزل ليسر الناظرين بمنظر حديقة المنزل أيضًا، وسقف المقعد مزين برسوم نباتية وهندسية.
القسم البحري
يحتوي القسم البحري في أسفل بيت السحيمي على قاعة سلاملك مشابهة لقاعة السلاملك في الجزء الذي أنشأه الشيخ الطبلاوي، سوى أن قاعة إسماعيل شلبي تمتاز عن قاعة الطبلاوي في أنها أكبر منها في المساحة وأفخم منها في التفاصيل المعمارية والزخرفية التي حوتها.
والفسقية تتكون من الرخام المشغول والمخرم وهي على هيئة شمعدان ولها حوض أيضًا من الرخام الملون، غير هذا فالإيوان الذي جهة صحن الدار يحوي مشربية كبيرة من خشب الخرط، والمشربية مصنوعة من خشب يسمى (بالعزيزي) وهو خشب معروف بتحمله للعوامل الطبيعية مثل ماء المطر، و المشربيات تزداد متانة مع الزمن فتعشيقات بيادق الخرط فيها تتداخل وتتماسك وهذا يزيدها صلابة وقوة.
ويعلو القاعة سقف مزين بالزخارف النباتية والهندسية تتوسطه قبة صغيرة بها فتحات صغيرة ليدخل منها الهواء والضوء تسمى “الشخشيخة”، فمن المعروف أن الهواء الساخن يصعد إلى أعلى والبارد ينزل إلى أسفل وبالتالي فوجود هذه الشخشيخة مع المشربية التي تنفتح على صحن البيت يضمنان التجديد المستمر لهواء القاعة واحتفاظها أيضًا بهواء لطيف رطب طوال الوقت.
أما “الصفة” فعبارة عن رف من الرخام محمول على أعمدة بعقود من الرخام المزخرف أيضًا، ووظيفة هذه الصفة تبعًا لاسمها ليصف عليها أباريق الشراب أو القلل.
قاعات متعددة
قاعة القرآن الكريم
هي قاعة خاصة لقراءة القرآن، ونجد فيها كرسيًا كبيرًا فيه مشغولات خشبية من الخشب الخرط، وغالبًا كان مخصصًا للشيخ الذي يقوم بقراءة القرآن، وينزل من سقف هذه الغرفة تنور كبير من النحاس المشغول إذا لم تكن هناك وسيلة للإضاءة سوى هذه التنانير التي كانت تضئ بالفتيل المغموس في الزيت، والطابق الأرضي يوجد في قاعات استقبال الضيوف من الرجال أو لغرف تكون بمثابة مخازن للمنزل.
قاعة الحريم
قاعات الحريم أغلبها غرف داخلية تنفتح بمشرفيات أو مشربيات على صحن المنزل، فيما عدا ذلك فهي لا تختلف كثيرًا عن القاعات المخصصة للرجال التي تعرف باسم السلاملك، والقاعات والغرف في عمارة المنازل الإسلامية التقليدية تستعمل كغرف للمعيشة وتناول الطعام والنوم في آن واحد، وليس هناك غرف مخصصة للنوم فقط كما هو الحال في المنازل الحديثة، ومما تتميز به غرف الحريم النوافذ العلوية المغشاة بالزجاج الملون المعشق بالجص.
قاعة الحرملك
قاعات الحرملك يوجد بها بعض الصناديق الخشبية الفاخرة المطعمة بالصدف والعاج في أشكال هندسية تغطي أغلب جوانب الصناديق الخارجية، وغالبا ما كانت توجد هذه الصناديق في غرف الحريم لحفظ الملابس والثياب وما إليه من حاجيات الحريم الخاصة.
قاعة الطعام
هي أول قاعة على يمينك بعد الدخول من الباب الرئيسي، وهي من القاعات الشتوية الموجودة بالدور الأرضي، تتميز القاعة بتغطية الجزء السفلي من جدرانها وحتى المنتصف بالألواح الخشبية المتقنة الصنعة والملونة.
الدواليب الحائطية في القاعة تساعد في وضع الأطباق وغيرها مما يخص الطعام، كما يوجد لهذه القاعة بابان أحدهما يفتح على الصحن ولكن ليس مباشرة والآخر يوصل إلى ممر يتصل بباقي أجزاء المنزل.
واستخدم الخشب في بناء أسقف الإيوانات والسدلات داخل القاعة على اختلاف أنواع هذه الأسقف، فمنها البسط ومنها ذو البراطيم، ولكنها زخرفت كلها بالألوان باتقان وبراعة ليس لها مثيل.
الصحنان
للبيت صحنان، صحن أمامي بمثابة حديقة مزروعة يتوسطه ما يسمى “بالتختبوش”، وهو دكة خشبية زينت بأشغال من خشب الخرط.
في هذا الصحن شجرتان زرعتا عند بناء البيت، شجرة زيتون وشجرة سدر، ويحتوي منزل السحيمي على أكثر من ثلاثة آبار كانت توفر المياه للأسر التي سكنت البيت، الصحن الخلفي يوجد به الساقية كانت تستخدم لري الحديقة ومازال ترسها الخشبي موجودًا إلى الآن، يحتوي هذا الفناء الخلفي أيضًا طاحونة لطحن الحبوب ومستلزماتها من الصوامع الفخارية والحجرية لحفظ الحبوب المختلفة، وكانت هذه الطاحونة تدور عن طريق ثور أو بغل يربط به.
بيت السحيمي مركزًا للإبداع
وحفاظًا على الموروث الموسيقي والشعبي، وحرص الصندوق للتنمية الثقافية على رعاية فرق التراث الشعبي في مصر وتوفير أماكن عرض ثابتة لها، قام الصندوق بفتح أبواب بيت السحيمي لاستضافة أضخم فرق مصرية للتراث الشعبي الموسيقي، وهي فرقة النيل للموسيقى والغناء الشعبي والتي يبلغ عدد أفرادها أكثر من 55 فنانًا تحت قيادة المخرج عبدالرحمن الشافعي، وهى من الفرق التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، وتقدم عروضها مجانًا يوم الأحد من كل أسبوع بمركز إبداع السحيمي.
ومنذ حوالي 14عامًا، أضحى بيت السحيمي مقرًا لعروض فرقة ومضة لأقدم الفنون الشعبية الأراجوز وخيال الظل، وكل جمعة تذكرنا الفرقة بجمال تراثنا الحي وتسلمه من جيل لجيل في قلب القاهرة الفاطمية.
هذا بخلاف العروض الفنية المتنوعة التي تقام على مدار الشهر، وباعتبار بيت السحيمي متحف مفتوح لفنون العمارة الإسلامية فهو يفتح أبوابه للمعارض الفنية من خلال قاعات العرض التي يحتويها البيت والتي تتناسب مع طبيعة المكان.
تعليق واحد