من “القياسية” لـ”الثلاجات”.. تعرف على أول ورشة لصناعة المراكب بإسنا عمرها 114 عاما
تصوير: أحمد دريم
من رحلات التجارة المرسومة على جدران المعابد لمراكب الشمس في الجيزة، دلائل بديعة على كون صناعة المراكب من أقدم المهن التي برع فيها المصري القديم، وفي قلب إسنا بالأقصر، لازالت صناعة المراكب قائمة وبالأخص في ورشة عمر فراج ذات 114 عامًا.
بأنامل تغزل الأمل على ألواح خشبية، وأخرى حديدية تصارع الزمن لإنهاء صناعة وتصاميم المراكب والدهبيات النيلية وقوارب الصيد، رحلة يبدأها عمر فرج ورفاقه صباح كل يوم، في أول ورشة عرفتها مدينة إسنا بالأقصر، لتصنيع المراكب التي تبدأ إبحارها في عرض النهر من جانب الورشة العتيقة على كورنيش النيل هناك.
35 كيلومترًا تبعدها مدينة إسنا عن الأقصر جنوبًا، “ولاد البلد” شد الرحال إلى المدينة الجنوبية للتعرف على مراحل تصنيع المراكب بورشة عمر فراج التي ورثها أبًا عن جد، فأكثر من مائة عام قضتها عائلته في هذه الصناعة.
“القياسة”.. كانت البداية
يقول عمر فراج، صاحب أقدم ورشة لصناعة المراكب، “تعلمت بداية الصنعة من والدي والذي ورثها هو عن والده، حيث بدأوا في هذه الصناعة عام 1905، وحينها صُنعت أول مركب خشبي، وكان يٌطلق عليها آنذاك اسم “قياسة”، وكان يوضع بها بلاصات العسل كما ظهر في فيلم صراع في النيل”.
في بداية عمل الورشة منذ أكثر من مائة عام، كان العاملون بها يقطعون الأشجار وينشرون خشبها بأدوات بدائية قديمة، يسرد الصنايعي حفيد شيخ الصنعة بإسنا طريقة عمل المركب قائلاً: بعد نشر الخشب يتم تصنيع “الهيدر” وهو جسم المركب، ويقومون ببرم الكتان بأيديهم ثم خلطه بـ “البلك” العازل، لمنع تسريب المياه إلى المركب، ويتم دهان المركب بالبويات، وهي المرحلة الأخيرة في التصنيع، مضيفًا كانت تستغرق صناعة المركب حوالي 6 أشهر لإنجازها.
وما إن تطأ قدماك ورشة عائلة أبو الوفا بإسنا، حتى تضج أذناك بأصوات الطرق، فهنا العامل على مركب خشبي ممسكًا بشاكوشه يدق على ألواح الخشب ليصمم قارب صيد، بينما في الجانب الآخر من الورشة ينطلق صوت الصليل من لاحم الحديد الذي يوصل ألواح الحديد لينتهي من تصميم لنش جديد.
كفنانون تشكيليون ينحتون الخشب ويلحمون الحديد
خطوات دقيقة تمر بها تلك الصناعة المٌجهدة، ليخرج التصميم بتلك الدقة التي نشاهد فيها المركب تطفو فوق سطح المياه بخفة حركة، لتعكس الجهد الذي استغرقه العاملون في صناعتها.
كفنانون تشكيليون نحتوا أعمالهم بجدارة وبحرفة عالية، ألوان وأشكال مختلفة من المراكب، تخرج من تلك الورشة، لتُبحر في النيل إلى مقصدها بعد أن تتم عملية الشراء.
من القاهرة لأسوان.. زبائن الخشب والحديد
يقول صاحب الورشة، بداية التصنيع بورشة جده كانت تعتمد على صناعة المراكب الخشب والقوارب الصغيرة، من الكتان والخشب، لكن تطورت الصناعة بالورشة واتجهنا لصناعة المراكب من معدن الحديد.
والمراكب الحديد مقاسات فهناك التي يبلغ طولها 4.5 أمتار وهي خاصة بقوارب الصيد، ويستخدمها البحارة لصيد الأسماك، وهناك مراكب اللنشات وهي التي يزداد الطلب عليها من محافظات “الأقصر وقنا وأسوان والقاهرة بالتحرير”، لاستخدامها في النزهات النيلية للسياحة الداخلية والخارجية.
ويضيف، كل محافظة لها “استايل” خاص بها من اللنشات، فمثلًا في محافظة الأقصر اللنشات الصغيرة هي المطلوبة، بينما تعتمد محافظتي القاهرة وقنا على اللنشات الأكبر طولًا.
الشراع
في ورشة أبو الوفا، كما صٌنع القارب واللنش، صُنع أيضًا الشراع، يقول عمر: كان المركب الشراعي يسير بالهواء لا بالماكينات، لكن حاليًا أُضيفت له “الموتور”، ويتخذ المركب شكل الشراع من خلال وضع خشبة “الصاري” في منتصف المركب، والتي يبلغ طولها نصف طول المركب، ثم يضاف خشبة أخرى بوضع مائل وتسمى “القِرية” بكسر القاف، ويوضع بها “القِلع” وهو قطعة القماش التي يتم فردها على طول القرية والتي تسهم في تسيير الشراع، ويدعم المركب بالحبال والأسلاك لربط الصاري حتى لا يتعرض للميل بفعل الهواء والحركة في النيل.
ويضيف، الإقبال على المراكب الشراعية ضعيف حاليًا مقارنة بزيادة الطلب على اللنشات وقوارب الصيد الأكثر طلبًا من زبائن الورشة ويتم تصنيعه حسب رغبات الزبون أو المشتري، لأن كل منهم يختص بمقاسات خاصة تميزه عن غيره ولكل منها استخداماته، ونوه عمر عن مراكب الثلاجات التي يقومون بتصنيعها، يقول “الثلاجات مطلوبة في البحيرة لكثرة عملية الصيد هناك، وهي تضم مكانًا خاصًا لوضع الثلج بداخله، ويُخزن بها السمك حتى لا يتعفن.
3 تعليقات