«القبة» رمز السماء عند الصوفية.. ماذا تعرف عن قباب مصر؟
“غرفة مربعة يتوسطها محراب في اتجاه الكعبة، يعلو الغرفة قبة، يختلف تصميمها الهندسي ما بين البصلية المحززة، والمخروطية، والكروية، ما يضفي ملمسًا معماريًا إسلاميًا، يأخذك من العالم الأرضي إلى العالم السماوي”.. هكذا تبدو القبة الضريحية، أحد العناصر المعمارية الجمالية، التي تعج بها الكثير من مدن وقرى صعيد مصر.
النشأة
نشأ التخطيط الهندسي للقباب الضريحية في صعيد مصر، من ضريح يعلوه قبة، يحوي شبابيك وخزانات حائطية، ويوجد مدخله إما في اتجاه المحراب، أو في أحد الأضلاع الجانبية، وتنوعت القباب بين البصلية المحززة، والمخروطية، والكروية التي تتسم بعدة أشكال وأنماط مختلفة في البناء منها، المفردة، والمزدوجة، وتنقسم إلى قسمين بينهما عقد، والثلاثية حيث تنقسم إلى ثلاثة أقسام بينها عقدان، والقبة الخماسية ذات الخمس عقود.
وتمثل القباب الضريحية معاني ودلالات روحية عند الصوفية، وكل من يقف أمام القبة المسقوفة فوق الضريح يطرح العديد من التساؤلات التي ترشدنا إلى البحث الدلالي والرمزي للقبة الضريحية.
التصوف
يقول الشاذلي عباس الجعفري، الباحث التاريخي، إن الإنسان المسلم أقام القبة لسبب وحكمة وهذا ما ذكرته كتب السلوك والتصوف، إذ ترمز للخشوع والعظمة الربانية والصلاح والتقرب إلى الله، وتمثل القبة لدي الصوفية دعوة ارتقاء الإنسان نحو الصفاء الداخلي؛ فهي تشكل السماء وأطرافها المترامية، فالإنسان فيها عبارة عن كون صغير مندرج في كون أكبر، يصل من خلالها بالسمو والارتفاع كي يعيش المؤمن جو العبادة عمليًا داخل المسجد أو المقام محاطًا بالإيحاء والارتقاء.
يتابع الجعفري: أن الدلالات الروحية للقباب هي المعنى الذي يرتكز عليه أهل التصوف في نظام بناء القبة على الضريح، موضحًا أن القبة في رمزيتها تدعو الإنسان للتخلي عن العالم الأرضي والتوجه بالكلية نحو العالم السماوي، لافتًا إلى أن الشكل الخارجي للقبة والنصف كروي المرتكز على الأطراف يوحي بتواضع وخضوع المؤمن لخالقه وإدراكه وأنه لن يرقى إلا إذا خضع وسلم لله في جميع أموره الدنيوية والأخروية.
العمارة البيزنطية
ويشير إسلام أحمد، باحث في العمارة الإسلامية، إلى أن بناء القبة ظهر في بلاد ما بين النهرين وسوريا ومصر.. وأدخلوه على مختلف عمائرهم في المنازل والمساجد والمدارس والحمامات.. وجعلوا منها عنصرًا مميزًا لفن العمارة الإسلامية.. واشتهرت العمارة البيزنطية باستعمال القباب في تغطية مساحات كبيرة من المباني ثم انتقل استعمالها إلى العمارة الإسلامية.
ثم تطورت القباب وتغيرت معالمها من مكان إلى مكان بحيث تتخذ أشكالًا مختلفة، منها ما هو تام التكور.. ومنها ما هو مدبب.. أو على شكل بصلي.. وأخرى مخروطية الشكل.. ولكن لم يدون التاريخ الشعبي أو الرسمي أسماء البنائين القدامى الذين اشتغلوا في بناء الأضرحة ذات القباب.. أو تاريخ كل قبة مسقوفة فوق الضريح.
على سبيل المثال مقام الشيخ على الشرقي المتواجد بقرية الشيخ على شرق بمدينة دشنا ويضم 4 قباب.. على سطحه واحدة كبيرة تحيط بها قباب صغيرة نصف كروية، تبلغ مساحة الرئيسية حوالي متر ونصف المتر، وارتفاع حوالي 2 متر، وتبلغ مساحة الصغيرة المحيطة به نصف مساحة القبة الرئيسية ويقع المقام وسط الزراعات.
مقامات في صعيد مصر
بقرية حجازة في قوص، جنوبي قنا، وسط منازل أهالي القرية، يضم مقام الشيخ الجيلاني 5 قباب ذات النمط الخماسي، تنقسم إلى 5 عقد مساحات القباب متساوية نصف كروية وغير معروف عن منشأة الضريح، لا يحمل الضريح رسوم بداخلة أو نقوش وزخارف، وتتسم القباب بوجود 10 فتحات للتهوية الداخلية للضريح.
أما مقام الشيخ أحمد عبيد البغدادي بالأقصر يتكون من قبتين كبيرتين متساويتين في التصميم، ويحمل نصف التصميم السابق، ومقام الشيخ محمد الرفاعي الموجود على طريق مصر أسوان الزراعي بدشنا يتكون من مبنى مربع ذات قبة واحدة بجوارها اثنتين صغيرتين، ورقبة القبة من الخارج ترتفع من سطح المربع حوالي من 30: 40 سم وتبرز هذه المساحة للخارج عن طاقية القبة، وتفتح في هذه المساحة وهى الرقبة البارزة للخارج عدة نوافذ صغيرة عبارة عن فتحات بعقود نصف دائرية للتهوية والإضاءة، وبعد ذلك نجد طاقية القبة عبارة قبة كروية الشكل.
أشكال القباب
يقول الحاج سيف الدين، أحد أشهر بنائي القباب في محافظة قنا، والذي شارك المعماري الشهير حسن فتحي في بناء مدينة القرنة لـ”ولاد البلد”، إنها فن لا يستطيع أي بناء أن يصل للإتقان فيه إلا بعد فترة طويلة من العمل، لما تمتلك من أشكال هندسية متنوعة، وبسبب الارتكازات التي لابد أن ترتكز عليها فأي خطأ غير مقصود يعرضها للانهيار قبل أن يفرغ البناء منها.
ويوضح سيف الدين أن للقبة الضريحية أربع وجهات، الرئيسية هي الشمالية الشرقية، يتوسطها دخلة مستطيلة اتساعها 1.50 متر، وعسقها 0.10م، وارتفاعها 2.5 متر يتوسطها فتحة بها عقد مدببة اتساعها 0.40م، وتحتوي نفس الواجهة على السلم البنائي، حيث نجده بعمق الواجهة ويتوسط في الواجهة الجنوبية الشرقية والشمالية الغربية فتحة ذات قبة.
ويلفت إلى أنه تبدو القبة وكأنها قطعة واحدة إلا أن المتمعن فيها يستطيع رؤية أجزائها، حيث تقسم إلى “قاعدتها” وهي منطلق تحول مسقط البناء من المربع إلى المدور، وقد تكون قاعدتها على هيئة مسدس أو مثمن، “رقبة القبة”، “جسم القبة” ويكون مدورًا أملسًا، أو مدورًا مضلعًا، أو مخروطيا منتفخ البطن منقبض ما فوق الرقبة تحته، “خاتمة القبة” هي النهاية العلوية لها وتتخذ أشكالا متباينة ما بين المبسطة، والمنفوحة، والسهمية الشكل.
ويضيف أن القباب بنيت من المواد الطبيعية من قوالب الطوب اللبن أو من الحجر الأجر، لخفة وزنها وسهولة قلوبتها وتشكيلها وفقا لأنماط وأشكال القباب، مع وجود الانحناءات الموجودة في الجسم المحدب والمقعر لها.. كما أن لها دور بيئي مهم حيث أنها لها دور مهم تمنع الأمطار من الاستقرار فوق سقف الضريح.. إضافة إلى عوامل التهوية من خلال تجديد الهواء من أعلى إلى أسفل.
الجبانات الإسلامية
الشاذلي عباس يشير إلى أن الجبانة الفاطمية بأسوان وجبانة بني حميل بسوهاج، خير شاهد على تدهور واندثار القباب الضريحية في الصعيد.. وتعتبر الجبانة الفاطمية من أقدم الجبانات الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي.. وكانت تضم حوالي 70 قبة ضريحية تبقى منها القليل.. حيث كانت ترجع أهمية هذه القباب إلى ندرتها في العالم الإسلامي.. كما أنها تؤرخ إلى بداية بناء القباب في مصر في العهد الفاطمي.. بينما تم القضاء على جبانة بني حميل ولم يتبقي منها أى أثر.. ودمرت بسبب الحداثة وعدم معرفة الإنسان بقيمة التراث المعماري الموجود حوله.. مطالبًا الاهتمام بما تبقى من معالم القباب في صعيد مصر.. لأنه يمثل تراث معماري مهم، يجب الحفاظ عليه.. لتوثيقه حقبة تاريخية مهمة في تاريخ فن العمارة الإسلامية.
تعليق واحد