حوار| بعد فوزه بجائزة اتحاد الكتاب.. عمرو العادلي: يوسف إدريس مثل لي اكتشاف العالم
رغم بداياته منذ أن كان صبيًا، إلا أنه آمن أن النشر في سن متأخرة أفضل كثيرًا من النشر المبكر؛ للوصول إلى مرحلة النضج الفكري في الكتابة الأدبية، ساعده إيمانه على الفوز بعدد من الجوائز كان آخرها؛ جائزة اتحاد الكتاب المصريين لعام 2017 فرع الرواية، عن روايته “رحلة العائلة غير المقدسة”.
التقى “ولاد البلد” بالكاتب عمرو العادلي، للتعرف على أبرز المؤثرين به، وكيف كانت والدته جزء من رواياته، وكيف أصبح صديقًا لـ”سور الأزبكية” وسور الإسعاف؟ وتطرق العادلي في حواره إلى روايته “رحلة العائلة غير المقدسة” وأسباب اختيار هذا الاسم، وكذلك مدى ترابط شخصيات الرواية مع شخصيات الكاتب في الحقيقة، بالإضافة إلى الإشارة إلى أعماله الأخرى كـ”الزيارة”، و”المصباح والزجاجة”، والمرشحة للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد لأدب الطفل، تجربته في هذا المجال. وإلى نص الحوار..
من أبرز الشخصيات التي صنعت فكرك؟
أبي، فقد كان صمته مغريًا لأن أتوقع ما يفكر به، ثم تعرفت على بعض الكتاب، كان أبرزهم؛ يوسف إدريس، ومحمود السعدني. اكتسبت من الأول الرصانة ومن الثاني كيف يمكن كتابة الموضوعات الرصينة بخفة ظل. ثم جاء دور نجيب محفوظ ليرسخ ما وقر في ذهني عن فكرة الكتابة.
وكيف أثرت والدتك في تفكيرك وأسلوبك الأدبي بعد ذلك؟
كانت عندما تدخل إحدى الجارات، وتقول كلاما لا معنى له، أو بعض الحكايات غير المترابطة تقاطعها أمي وتقول لها: “يعني إيه يعني” وهذه القاعدة مهمة للغاية، فمعناها أنه لابد أن يكون لأي فعل أو تصرف إنساني معنى يتضح للآخرين.
ومن أكثر الشخصيات التي ساعدتك على التوجه إلى الأدب؟
نشأنا أنا وأخي عماد على محبة واحترام من حولنا، لكننا لم نجد في بيتنا مكتبة، فصنعناها بأنفسنا، والشخصيات التي ساعدتني كلها كانت من الكتاب الذين لم أراهم، فقد كان هناك كتابا يسعون إليك عبر كتاباتهم، أشعر وكأن مسني السحر لمجرد القراءة لهم ومنهم؛ يحيى الطاهر عبدالله، فقد كان “ملبوسا” بالمعنى الإبداعي للكلمة، وهناك الكتاب العالميين، ألبير كامو، خوان رولفو، ساراماجو، ماركيز، مكسيم جوركي، تشيكوف، كازانتزاكس، والقائمة في العالمية تطول، كل هؤلاء أثروا فيَّ.
بدأت الكتابة في سن مبكرة لكن أول عمل منشور كان في 2007.. فهل تحدثنا عن تجربتك قبل النشر؟
لم يكن في ذهني أصلًا أن أكون كاتبًا مثل هؤلاء الذين تعلمت منهم أصول الكتابة وتقنياتها، لكن شاءت الظروف أن تكتمل تجربة الكتابة والنشر في سن متأخرة نسبيا “37”سنة. ولقد كتبت قبل النشر الشعر الغنائي لمجموعة من المسرحيات، بالإضافة إلى 4 مسرحيات من فصل واحد، واحدة منها كانت معالجة لقصة لوجيه أبو ذكري “عامل التحويلة”، ثم أخذتني القصص من المسرحية والشعر. وأعتقد أنها كانت وقفة طويلة نسبيًا مع القصة القصيرة، فكتبت ولكني لم أنشر. ولكني أقول: كل شيء بأوان.
وفي الحقيقة أرى أن النشر المتأخر له مميزات عدة، فلا يندم الكاتب على ما نشره. وأعرف كاتبة كانت توصي بعض الأشخاص بجمع كتابها الأول من الأسواق بعدما اشتهرت قليلًا، الأمر الذي لا يحدث لكاتب نشر بعد أن نضج.
وهل مازلت تحتفظ بكتاباتك الأولى، وعن ماذا تحدثت تلك الكتابات؟
بالطبع أحتفظ ببعضها. فكانت مفارقة كما يفعل أغلب المراهقين والشباب في البدايات؛ أعمال تتحدث عن الإنسان وعلاقته بالعالم، ومسرحيات متأثرة بالمسرح الكلاسيكي، سعد الدين وهبة ولينين الرملي.
قلت إن سور الأزبكية كان وراء حبك للقراءة في المرحلة الإعدادية.. فهل تحدثنا عن ذلك؟
عندما اشتركت في قصر الثقافة التابع لمنطقتنا حدثني أكثر من شخص عن سور الأزبكية، وكنت لا أعلم ما هو هذا الشيء، وقررت أن استكشفه بنفسي وأنا في الصف الثاني الإعدادي، وبيعت الكتب بربع جنيه ونصف جنيه وجنيه. وبالطبع كانت أغلب مقتنياتي من الكتب الرخيصة لأنني اقتصدت ثمنها من مصروفي المدرسي. وتعلمت من السور فضيلة الفرز والاختيار، فأقف بالساعات في الشمس، أختار ما يناسب فضولي أو جيبي، وأستكشف ما اشتريته من كتب وأنا عائد بالأتوبيس، حتى أعود إليه مرة أخرى في يوم آخر. وبالمناسبة كان في الثمانينيات سورًا بالفعل وفي الأزبكية، وذلك قبل أن يصبح أكشاكا في العتبة.
وماذا عن رأيك في سور الأزبكية حاليًا من حيث كونه مصدر من مصادر تزوير الكتب؟
لا أنشغل في الحقيقة بمثل هذه الأمور، لأنها تشغل الناشر لا الكاتب، وصناعة الكتاب لها من يدافعون عنها أفضل مني، ولكنني أتحدث عن السور من حيث كونه مكانًا لبيع الكتب القديمة، وبالمناسبة هناك أيضا سور الإسعاف، أستمتع بالتجول فيه كثيرًا أيام الآحاد.
كيف أثر يوسف إدريس ونجيب محفوظ في كتابتك الأدبية؟
يوسف إدريس يمثل بالنسبة لي اكتشاف العالم، والإرهاصات الأولى، والدهشة والعوالم السحرية للغة وكيفية استخدامها كشحنات تؤثر على المشاعر والوجدان وترسم الصور بغير عناء. أما نجيب محفوظ فهو فلسفة ذلك العالم بعد أن أرسى قواعد الدهشة الأولى.
ولماذا اخترت شخصية “يوسف إدريس” لدراسة الماجستير ؟
أعرفه وأعرف عوالمه وأشعر بنبضه من خلال كلماته المكتوبة في أعماله القصصية والروائية، وكان الماجستير فرصة اضطرارية ومبهجة لقراءته مرة أخرى بشكل موسع. ولي أيضًا مجموعتي القصصية “حكاية يوسف إدريس” والقصة الرئيسية فيها بطلها يوسف إدريس.
لماذا اخترت اسم “رحلة العائلة غير المقدسة” لروايتك الفائزة باتحاد الكتاب 2017؟
أعتقد أن الاسم يليق على أحداث الرواية. فهي تحكي عن عائلة مقدسة في عالم غير مقدس، تحاول ألا تتلوث بهذا العالم، لكن هل ستستطيع ذلك؟ هذا ما سيتضح عندما ينتهي القارئ من الرواية، وبالمناسبة هي من أحب أعمالي إلى نفسي.
ولماذا جعلت البطل “الراوي” أصغر الأبناء في العائلة؟
في الحقيقة الروي على لسان طفل من هواياتي، كما أنها تعد من صعوبات العمل الأدبي. وأنا أهوى أيضًا اللعب، فكتابة بلا لعب مثل عدمها. الطفل كان راويًا في رواية “رحلة العائلة غير المقدسة” وفي مجموعة “عالم فرانشي”، وفي قصص “و”، وفي مجموعة “جوابات للسما”، وبشكل عام لم يتركني الطفل رغم كل هذه السنوات التي عشتها.
هل يوجد ربط بين حكايات الأم في الرواية ووالدتك؟
طبعًا هناك ربط لا إرادي.
“الجد طلبة” رغم رحيله إلا أنه كان من أبطال الرواية المؤثرين في الراوي.. فهل تحدثنا عنه؟
لم أرى أي من أجدادي، فاخترعته مرارًا، وهذه الرواية الجد فيها مكتمل الأركان كبناء شخصية، فيه القوة والضعف الإنساني، فيه الأمل وتوقع الموت، فيه تناقضات الحياة بكل تجلياتها.
على موقع جود ريدرز يوجد تعليقات عن رواية “الزيارة” إنها رمزية فلسفية بصورة صعبت على البعض فهمها.. فهل تحدثنا عن ذلك؟
كل متلقى يصنع لنفسه دائرة ويضع نفسه فيها، ورواية “الزيارة” ليست رمزية، وربما صعوبة التلقي أنها “متعوب فيها”، فقد بذلت مجهود في كتابتها يساوي مجهود ثلاث روايات؛ بحثي، وسردي، ومراجعات مطولة، حتى أنني ذهبت إلى المطبعة بنفسي لأغير كلمة واحدة في الافتتاحية.
رشحت رواية “المصباح والزجاجة” للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد لأدب الطفل، وأوضحت أنها تمت خلال 3 سنوات .. فهل تحدثنا عن تلك التجربة بالتفصيل؟
الكتابة للأطفال مبهجة إلى حد بعيد، وقد كتبت هذه الرواية ولم أكن أعرف أنها ستُرسم، بدأت الفكرة مع صديقي إبراهيم محمد علي، كان شيئا أقرب للرهان، اتفقنا أنا وهو أن يكتب كل منا رواية في حقل إبداعي لم يجربه من قبل. كتبت أنا وتقاعس هو. وعندما اكتمل النص عرضته على هاني عبدالله صاحب دار الرواق فتحمس له بصورة كبيرة. واقترح أن نضمنه ببعض الرسومات أبيض وأسود، ثم تطور التصور وأصبحت الرسومات ملونة، ثم اخترنا قطع الكتاب والغلاف، استغرقت الرسومات وحدها سنة كاملة، والإخراج الداخلي والطباعة حوالي ستة شهر، لكن الرواية خرجت مُرضية لي في النهاية بشكل كبير.
ولماذا توجهت للكتابة في أدب الطفل؟
سألني ابني وهو في الصف الأول الإعدادي في معرض الكتاب منذ سنوات عن كتب يشتريها، فلم أجد إلا ميكي وهاري بوتر، ولم يناسبا سنه، فقررت أن أجرب الكتابة لهذه السن، أي ما بين الأطفال والناشئة.
صرحت أن رواية “المصباح والزجاجة” ستتحول إلى ثلاثية، يناقش الجزأ الأول التسامح ونبذ العنف.. فماذا عن الجزئين الأخرين؟
لم أرسى على شكل نهائي بخصوص تلك الأفكار.
من وجهة نظرك لماذا لا يوجد أدب طفل في مصر؟ وكيف يمكن تطوير هذا المجال في الكتابة؟
لا يمكن لفرد فقط أن يغير منظومة، لكن يمكن لعدة أشخاص فعل ذلك.
غياب المصريين عن بعض الجوائز العالمية هل يعد ذلك مؤشر على تدهور حالة الأدب المصري؟ ولماذا؟
لا، هذه مسألة وتلك مسألة أخرى، لكن لا يمنع بالطبع أن التقدم العلمي يعد شيئًا جيدًا.
تهتم في كتاباتك بالجانب الإنساني بالدرجة الأولى.. فهل تحدثنا عن ذلك؟
الحاجة للأدب في الأساس هي حاجة لإظهار ما هو إنساني في المقام الأول، وهل يقرأ الحجر الرواية؟ وهل تتصفح شجرة مجموعة قصصية؟ الأدب بشكل عام هو وسيط مقدم من إنسان يستطيع تدوين تجربته في الحياة ورؤيته للعالم، ثم يقدمها لأشخاص آخرين لديهم الهم نفسه والمعضلات نفسها لكنهم لا يستطيعون التعبير عنها مثل الأديب.
“في سبيل الكتابة ممكن تفقد مزاجك، وفي سبيلها أيضا ممكن يجيلك تاني بشكل أفضل”. .. هل تحدثنا عن ذلك؟
أحيانا تجلب الكتابة مزاجًا غريبًا، فيتحول الأديب إلى شخص فقد جزء من عقله. يصبح شخصًا عصبيًا في لحظة، ثم يعود رائقًا يضحك من لا شيء، والسبب في ذلك غالبًا يكون الكتابة أيضًا.
تعليق واحد