الواجهات الخشبية للأبواب القديمة.. صفحات من تاريخ دشنا المعماري
كتب – أنس عبدالقادر
اشتهرت المنازل المعمارية القديمة ذات الطابع الأثري بدشنا، بوجود الواجهات الخشبية ، ذات النقوش الهندسية والرموز الدينية، مشكلة لوحات فنية بسيطة.
يرجع تاريخ بعض هذه الواجهات الخشبية إلى القرن التاسع عشر الميلادي وحتى منتصف القرن العشرين، وهي عبارة عن قطعة من الخشب توضع فوق الباب، كانت تصنع من الأشجار المحلية مثل السنط والأثل وغيرها، منها ما كتب عليها أبيات من الشعر والحكم، ومنها ما كتب عليها اسم صاحب المنزل وتاريخ البناء.
كان الفن هو الميراث المشترك في الحضارات المصرية المتلاحقة؛ بداية من الفن الفرعوني، الذي استخدم الحجر والخشب بكل أنواعه في الحفر عليه، وصنع تماثيل من الخشب أشهرها تمثال “شيخ البلد”، المصنوع من خشب الجميز، استمر الاهتمام بالفن في الحقبة التالية وازدهر فيها الفن القبطي، تاركًا العديد من الأعمال الفنية المحفورة في الخشب في الكنائس والأديرة.
واستمرت الحضارة المصرية في العصر الإسلامي، تشجع الفنون المختلفة منها الحفر على الخشب، وتأثرت هذه الحضارات بعضها بالبعض الآخر، ومن أهم هذه الفنون الحفر على الخامات مثل الحجر والخشب وغيرها، والتي كان المصريون قد برعوا فيها ومارسوها بدقة.
أقدم الواجهات الخشبية
لعل أقدم هذه الواجهات في دشنا ما تم حفره على الوكالة بقرب مسجد الشيخ جلال بمنطقة العزازية بتاريخ غرة شهر محرم سنة 1306 هجرية، الموافق 7 سبتمبر 1888، ومنها ما هو بتاريخ 1896 ميلادي، وكان يطلق عليها “أفرنكي”، وحفر عليها جملة “رب تمم بالخير ثم دائرة محفور بها شكل سداسي على شكل نجمة داود وهذا الشكل تم استخدامه في الزخارف الإسلامية، ثم نصر من الله وفتح قريب، ثم شكل سداسي منتظم به تقاطع من 6 دوائر تمثل شكل زهرة، ثم رب يسر ولا تعسر، ثم نفس شكل نجمة داود، ثم التاريخ الأفرنكي كما كتب وقتها، أما التاريخ الهجري فقد حفر في بداية الواجهة من اليمين سنة 1314”.
أما الواجهات الخشبية التي تخص بيوت المسيحيين، تقع في منطقة وسط دشنا وخاصة شارع “النصارى” العتيق، الذي يضم الكثير من هذه الواجهات الرائعة، فقد حفر عليها الصليب بأشكال مختلفة، وبعض الكلمات من الكتاب المقدس والحكم مثل “رأس الحكمة مخافة الله”، كما أضيف التاريخ القبطي إلى جانب التاريخ الميلادي، ومن هذه الواجهات بدشنا واجهة حفر على واجهتها الخشبية “سنة 1616 قبطية، ثم شكل زخرفي من تقاطع الدوائر على شكل زهرة سداسية، ثم كتابة التوكل على الرب خير من التوكل على الإنسان، ثم شكل صليب، ثم الرجا بالرب خير من الرجا بالإنسان، رأس الحكمة مخافة الله، ثم نفس الزخرفة للزهرة، ثم سنة 1900 أفرنكية”، كما توجد واجهات كتب عليها باللغة العربية في اليمين واللغة القبطية من الناحية اليسرى، وهناك بعض من هذه اللوحات المحفورة وجد بها أشكال زخرفيه فقط بدون كتابة وهي قليلة.
إنا فتحنا لك فتحًا مبينا
أما في قرى دشنا فهناك العديد من هذه الواجهات الخشبية ؛ ففي قرية أبومناع عثرنا على أحد هذه الواجهات وهي بدون تاريخ كتب عليها “بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا – ثم اسم صاحب المنزل”، أما في قرية فاو بحري فهناك واجهات ترجع إلى تاريخ 1939 و1940، وهذه الواجهات تبدو أكثر وضوحا، كما كتب اسم صانعها على الواجهة وهو “محمد رشاد الصافي”، المولود في قرية فاو قبلي سنة 1913 والمتوفي سنة 1987م، وكان يعمل في بناء البيوت، وكان هذا الرجل يوقع على أعماله التي صنعها بتوقيع واضح، ويصف نفسه بلقب “المعلم” و”بنا”.
ومن هذه الواجهات في فاو بحري واجهة رائعة وقد كتب فيها الآية “بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا” داخل برواز محفور على شكل مستطيل بسيط، ثم “ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما – سنة 1358، ثم محمد رشاد الصافي بنِّا “وهو توقيعه”، ثم شكل هلال، ثم أبيات من الشعر نصها: يا من له الأمر كله – عبدك تحير فدله – وإن كان الأمر تعسر – بخفي لطفك تحله، ثم شكل دائرة داخلها نجمة خماسية، ثم أبيات أخرى نصها: ماذا على من شم تربة أحمدا – الايشم مد الزمان غواليا – صبت على مصائب لو أنها – صبت على الأيام كن لياليا، ثم شكل هلال ثم عبارة: كاتبه مرسي عبد الرازق السيد ويبدو أنه أحد الشعراء الذين كانوا يعيشون في القرية في تلك الفترة – أول رجب، يليه: الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، ثم مادام الله لنا فمن علينا سنة 1939″، وهذه الواجهة تتميز بالجمال والتوازن وتعتمد على السميترية في تكوينها، كما تتميز بجمال ووضوح الخط وتوقيع الفنان الذي صنعها، بالرغم من فطريته إلا أنه أخرج لنا هذا العمل الفني المتكامل.
واجهة الفازة
كما توجد في نفس قرية فاو بحري واجهة أخرى تتميز بالجمال تبدأ برسم فازة زهور بشكل جميل وبسيط؛ بها مجموعة صغيرة من الأزهار موزعة بتناسق، وفازة أخرى بنفس الشكل بينهما كتابة نصها “بسم الله الرحمن الرحيم إن الله على كل شيء قدير – المعلم محمد رشاد الصافي”، ويلاحظ أن حرفي الفاء والياء في كلمة الصافي في السطر الأسفل، ثم كتابة “بسم الله الرحمن الرحيم في سنة 1940، ثم حفر لشكل هلال ثم كتابة نصر من الله وفتح قريب، ثم شكل نجمة داخل دائرة يليها كتابة إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله -ــ وكتابة أسفل الآية محل أحمد حسين علي، ثم شكل الهلال ثم كتابة ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما – تجدد هذا المحل 1922 الأولى 1359 هجرية، ثم عودة لرسم الفازتين داخلهما الزهور بينهما كتابة بسم الله الرحمن الرحيم – وفي السطر الثاني نصر من الله وفتح قريب بخط يقترب من قواعد الخط الثلث، وفي السطر الثالث أحمد البدوي أحمد”، الخط المستعمل في الكتابة بسيط ولا نستطيع أن ندرجه تحت قواعد خط معين، ولكنه مزيج من الخطوط، والملاحظ في هذه الأعمال الفنية أن الحفر تم بدقة وحرفية عالية.
تدل هذه الواجهات الخشبية على حب واحترام الفن في هذا الوقت من الزمن، وليت هذا يستمر في هذا العصر الذي نعيش فيه، الذي يخرج فيه من يحرم الفن بأنواعه المختلفة.
تعليق واحد