«مدد يا أم النور».. رحلة العائلة المقدسة إلى مصر
“قم وخذ الصبي وأمه واهرب لأرض مصر، لأن هيرودس مزمع أن يقتل الصبي”.. رسالة الملاك الذي ظهر في منام يوسف النجار خطيب السيدة العذراء، كانت الدافع في هروبه من الأراضي الفلسطينية، خشية على الصبي من حكم “هيردوس” متخذَا مصر بلدًا ليحتمي ويأمن بها من الشر الذي لحق بهم، لتبدأ رحلة العائلة المقدسة إلى مصر.
“ولاد البلد” تنشر رحلة العائلة المقدسة من المصادر القبطية، وعلى لسان جابر أحمد حافظ، مفتش آثار بالدير الأبيض والأحمر بسوهاج.
رحلة العائلة المقدسة إلى مصر
كان هناك ثلاث طرق يمكن أن يسلكها المسافر من فلسطين إلى مصر في ذلك الزمان، وذلك حسبما هو موضح بالمصادر التاريخية القبطية وأهمها ميمر البابا ثاؤفيلس الثالث والعشرين من باباوات الإسكندرية (384_421 م) ومنها السنكسار القبطي، وكتب أخرى، ولكن في نفس الوقت تدل هذه المصادر على أن العائلة المقدسة عند مجيئها من فلسطين إلى أرض مصر لم تسلك أي من الطرق الثلاثة المعروفة في ذلك الزمان، لكنها سلكت طريق آخر خاص بها وهذا لأنها هاربة من شر هيرودس.
من بيت لحم إلى غزة
من بيت لحم إلى غزة انطلقت العائلة المقدسة، وسارت حتى محمية الزرانيق الواقعة غرب العريش بـ37 كيلومترًا، لتدخل مصر من الناحية الشمالية من الفرما، التي تقع بين العريش وبورسعيد، ثم دخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا، القريبة من الزقازيق في محافظة الشرقية، وهناك عين ماء قيل إن المسيح أنبعها، إلا أن العائلة غادرتها، حيث كانت مملوءة بالأوثان، وسلكت مسارها نحو الجنوب، وسلكت مسارها نحو الجنوب.
العائلة المقدسة تصل “المحمة”
اتجهت العائلة المقدسة للجنوب ووصلت مسطرد، وقيل عنها “المحمة”، أي “مكان الاستحمام”، حيث “حممت” العذراء وليدها هناك وغسلت ملابسه، كما مرت العائلة المقدسة ثانية بمسطرد في طريق عودتها، ويوجد بها نبع ماء للمسيح موجود حتى الآن.
وبعدها انطلقت العائلة المقدسة لمدينة بلبيس بالشرقية، في اتجاهها نحو الشمال الشرقي، وجلسوا تحت شجرة ليستظلوا بظلها، عرفت فيما بعد باسم “شجرة العذراء مريم”، ويروي التقليد المحلي أن في بلبيس شجرة استظلت تحتها العائلة المقدسة، وأطلق عليها سكان بلبيس اسم شجرة العذراء مريم، يجلها المسيحيون والمسلمون من أهل المدينة، ويدفن المسلمون من حولها أمواتهم الأعزاء تبركا بالشجرة التي يعتقدون أن السيدة مريم استظلت تحتها، واحتراما للمكان الذي أقامت فيه العائلة المقدسة فترة من الزمن.
شجرة مريم
يروى التقليد الكنسي، أن في بلبيس استظلت العائلة المقدسة بشجرة تسمى شجرة مريم، وكان بجوارها بئرا ذكرها الرحالة ”فانسليب” في تقرير له عندما زار المكان في القرن 16 م، ويروي سكان بلبيس أن عسكر نابليون بونابرت عندما مروا من بلبيس أرادوا قطع هذه الشجرة ليستفيدوا بخشبها ويطبخون عليه طعامهم، فلما ضربوها بالفأس أول ضربة بدأت الشجرة تدمي فارتعب العسكر ولم يجرؤوا أن يمسوها.
الدلتا وجهة العائلة المقدسة
لسمنود كانت وجهة العائلة المقدسة التالية، عبرت نهر النيل لسمنود داخل الدلتا، ولاقت استقبالا حسنًا من أهالي المدينة، الموجود بها حتى الآن مأجور كبير، قيل أن العذراء استخدمته في العجن أثناء وجودها هناك، إلى جانب بئر ماء باركتها العذراء والمسيح.
ومرت العائلة المقدسة بعدد من مدن وقرى الغربية وكفر الشيخ، واحتضنت المدينة حجرا طُبعت عليه قدم السيد المسيح، وخوفًا من سرقته تم إخفاؤه لسنوات، واكتشف منذ عدة أعوام.
ثم رحلت العائلة المقدسة عبر نهر النيل لغرب الدلتا، وتحركت جنوبًا لوادي النطرون.. وبعدها اتجهت العائلة المقدسة من وادي النطرون جنوبا تجاه القاهرة، متجهة إلى نواحي المطرية وعين شمس، الموجود بها حتى الآن “شجرة مريم”، التي استظلت العائلة المقدسة بظلها في المطرية، إلى جانب عين ماء شرب منه يسوع، وفي طريقها لمصر القديمة ارتاحت العائلة المقدسة بالزيتون لفترة.
كنيسة العدوية
تعتبر مصر القديمة من أكثر الأماكن الشاهدة على زيارة العائلة المقدسة.. حيث خُلدت بها العديد من تحركات العائلة المقدسة، من خلال الكنائس التي شيدت فيها.. إذ تحتضن العديد من الكنائس والأديرة، التي شهد أغلبها ملمس زيارة المسيح والعذراء.
وصلت العائلة للمعادي، الموجودة فيها كنيسة العذراء حتى الآن، والتي تشتهر بـ”العدوية”، التي عبرت منها العائلة المقدسة النيل إلى الصعيد، والموجود بها السلم الحجري الذي نزلت عليه العائلة المقدسة لضفة النيل، كما يوجد بالكنيسة “إنجيل” وجد طافيًا على ماء النيل أمام الكنيسة عام 1976، مفتوحًا على الآية التي تقول “مبارك شعبي مصر”، وتحتفظ به الكنيسة حتى الآن.
من المعادي إلى مغاغة
وانطلقت العائلة المقدسة من المعادي إلى مغاغة، في المكان ذاته الموجود فيه دير الجرنوس حاليًا.. كما أن بها بئرًا تشير تقاليد الكنيسة إلى أن العائلة المقدسة شربت منه.
واصلت العائلة المقدسة رحلتها إلى بهنسا ثم سمالوط، وعبرت النيل لتصل ناحية الشرق.. حيث يوجد الآن جبل الطير، والذي يحوي على دير جبل الطير المغارة التي استقرت فيها العائلة.
ويشير التقليد الكنسي إلى أن صخرة كبيرة كادت أن تسقط من الجبل عليهم.. فسندها يسوع بيده ليمنع سقوطها.. فانطبع عليها كف المسيح، الذي لا يزال موجود فوق الصخر حتى يومنا هذا.
وغادرت العائلة منطقة جبل الطير، وعبرت النيل من الناحية الشرقية للغربية، واتجهت لمنطقة الأشمونين. ثم انتقلت العائلة المقدسة نحو الجنوب لديروط.. ومنها إلى قسقام التي قيل إنه بدخولهم سقطت الأوثان فطردهم أهلها خارجها.. فهربت العائلة إلى مير غرب القوصية، التي أحسن شعبها استقبال المسيح والعذراء ويوسف النجار.
جبل قسقام
كذلك من مير اتجهت العائلة لجبل قسقام، حيث يوجد بها الآن دير المحرق.. ومكثت هناك ما يقرب من 6 أشهر في مغارة، أصبحت الآن كنيسة العذراء الأثرية.. وبها مذبح يحوي حجرًا كان يجلس عليه المسيح.
وفي هذا الموضع ظهر ملاك ليوسف النجار في حلم، بحسب إنجيل متى.. وقال له: “قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي”.
في النهاية وفي طريق العودة، سلكت العائلة المقدسة طريقها إلى مصر القديمة، ومنها إلى المطرية ثم المحمة ومنها لسيناء وأخيرا فلسطين.
3 سنوات قضتها العائلة المقدسة في رحلتها، قطعت ما يقرب من 2000 كيلو متر.. سالكين النيل في معظم تنقلاتهم، التي رصدتها اللجنة المجمعية للكنيسة في خريطة مفصلة.. تحمل توقيع البابا شنودة، بطريرك الكنيسة الراحل.
هوامش
– تاريخ الأمة القبطية، الحلقة الثانية – لجنة التاريخ القبطي – القاهرة 1935 ص 40.
– مختصر تاريخ الأمة القبطية في عصري الوثنية والمسيحية لسليم سليمان ص 269.
– راجع الخطط للمقريزي الجزء الرابع (طبعة 1326 هـ ) ص 378، راجع القول الإبريزى للعلامة المقريزى.
– مقال الأب يعقوب موزر ص233.
– المتنيح الأنبا غريغوريوس، أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى – في كتاب الدير المحرق.