هل احتفل المصريون القدماء بـ"عيد الأم"؟
حكايات وروايات كثيرة نسجت بشأن عيد الأم ومن بدأ الاحتفال به وكيف، لكن في تاريخنا المصري القديم أولى الحكايات التي تذكر كيف كرّم المصري القديم الأم.
اعتقد المصري القديم أن السماء كانت أمًا مثالية، ترعى صغارها وتحنوا عليهم، لذلك عندما كان يموت الملوك، اعتقدوا أنهم يتحولون إلى نجوم في جسد أمهم السماء.
الطيب عبد الله، مرشد ساحي، يقول: عندما فكر المصرى القديم فى نشأة الكون، كانت الأرض والسماء (جب- نوت) ملتصقيتن، وفصلتا بواسطه الهواء والرطوبة (شو ، تفنوت)، ثم حدث حمل نتيجه التزاوج فوضعت السماء (نوت) أربعه أطفال، هم إيزيس وأوزرويس ونفتيس وست.
المصريون القدماء اعتبروا أن الأمومة وحنانها ووفاء الزوجة يتجسدان في “إيزيس”، التي عتبروها أمًا مثالية، فقد سعت لإعادة زوجها أوزوريس، كي تنجب منه ابنها حورس، ليصبح ملك البلاد وسيد الحكم، وذلك بعد مقتل أوزوريس على يد أخيه ست، ليتفرد الأخير وحده بالحكم، ويقطع جسد أخيه.
لكن إيزيس حولت نفسها لطائر وأخذت تجمع أجزاء جسد زوجها المتناثرة في أكثر من بقعة من بقاع الأرض، حتى أعادت إليه الروح، وتنجب منه ابنها حورس ويكون هو الوريث الوحيد لحكم أبيه، حسبما جاء بكتاب “حكاية سيدة مصر القديمة” للدكتورة منال القاضي.
التمثال المشهور لإيزيس وهي ترضع نجلها حورس، يبدو مشهدًا معبرًا عن حنان ووفاء الأم عند المصريين القدماء، كما اعتبر المصريون هذا التمثال رمزًا لعيد الأم، فكانوا يضعونه في غرفة الأم ويحيطونه بالزهور والقرابين، ويضعون حوله الهدايا المقدسة للأم في عيدها، كما كان الاحتفال به يبدأ مع شروق الشمس، معتبرين أن نورها وأشعتها رسالة من إله السماء للمشاركة في تهنئتها.
وعن القصص المصرية القديمة التي تعكس حنان الأم تذكرت القاضي في كتابها، أن الزوجة الجميلة تتطلع أن تكون “موت” أى أُمًا، وأنه حتى تصير العروس أمًا كانت تلتزم بقراءة بعض الرقي لحفظ مولودها، فتردد: “فليحم كل إله اسمك، وكل مكان ستوجد به، وكل لبن ستشربه، وكل صدر ستؤخذ فوقه، وكل ركبة ستجلس عليها، وكل شيء سترقد فوقه، وكل تميمة ستعلق في عنقك، فلتحم بفضلهم…”.
ولأن الأم كانت قلقة على مولودها، لكثرة حالات الوفيات بين المواليد في مصر القديمة، تشير منال إلى أن الأم الفرعونية كانت تجري اختبار ات توارثتها، فإذا لفظ الطفل بـ”ناي” وهي تعني نعم في اللغة المصرية القديمة، فهي بشارة خير وتعني أن الطفل سيعيش، أما إذا لفظ الطفل بـ”أمبي” ومعناها في المصرية القديمة لا، فهذا يعني أن فرصته في الحياة ضئيلة.
كانت الأم في مصر القديمة تحتل مركزًا مهمًا في الأسرة، فكانت هي التي تشرف على شؤون منزلها، كما كانت تخرج للأسواق، وتمارس البيع والشراء وتزاول الموسيقى والغناء، بحسب ماجاء برسالة الباحث مهاب درويش بعنوان “مكانة المرأة في المجتمع المصري القديم”.
وهناك حكم وأمثال كثيرة دللت على اعتراف المصري القديم بمكانة المرأة كأم حتى وصى الآباء والحكماء، بها الأبناء، وجاء في بردية الحكيم آني، قال: “لا تنس أمك وما عملته من أجلك، ضاعف لها غذاءها، احملها كما حملتك، فإذا نسيتها نسيك الإله”.
ويذكر الحكيم آني: “لقد حملتك تسعة اشهر، وحينما وُلدت حملتك ثانية، حول رقبتها وأعطتك ثديها سنوات لم تشمئز من قذارتك، ولما دخلت المدرسة وتعلمت الكتابة كانت تقف بجوار معلمك ومعها الخبز والحبة، جاءت بها من البيت”.
كما تذكر إحدى البرديات: “الأم هبة الإله للأرض، فقد أودع فيها الإله سر الوجود، فوجودها سر استمرار لوجود البشر” وذلك بحسب ما يذكره الباحث في رسالته.
وفي نصيحة ثالثة للحكيم آني، يوصي الابن بأمه وأبيه فيقول:” قدم الماء لأبيك وأمك، وإياك أن تغفل هذا الواجب، حتى يعمل ابنك مثله لك”.
تعليق واحد