سلسلة وجوه الفيوم| “إيفيلين” سيدة الخزف.. سويسرية حوّلت طين مصر إلى قطع فنية
كتبت منال محمود
“لا أفهم بعض فناني الخزف الذين يصنعون أعمالًا فنية، تكون غير قابلة للاستخدام اليومي، ويلجأون لاستخدام مادة البلاستيك في حياتهم اليومية” إفيلين
إيفلين فنانة سويسرية عشقت الفيوم، واستقرت بقرية تونس، التابعة لمركز يوسف الصديق، منذ أكثرمن 40 عاما، اندمجت مع الأهالي حتى صارت تتكلم العامية كلكنة “أولاد البلد”، وتعيش في بيت ريفي على طراز معمار حسن فتحي.
إيفلين صاحبة مشروع مدرسة صناعة الفخار وتزيينه، وتعمل تحت مظلة جمعية مجتمع أهلي “بتاح” للتدريب على أعمال الخزف، ويعرف أهالي قرية “تونس” مدرسة إيفلين بـ”مصنع الفخار”، ويتدرب بها عدد من أطفال القرية.
في عام 1991 أنشئت المدرسة تحت عباءة جمعية “قارون”، وهو ما مكن الفنانة من الحصول على قطعة أرض من مديرية التضامن الاجتماعي، التي مولت المدرسة وتحملت تكاليف إنشائها بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي بالفيوم.
بعد افتتاح المدرسة بثلاثة أعوام، تلك المدرسة التي كانت إيفلين صاحبة فكرتها والمدربة الوحيدة بها، عاشت الفنانة تجربة قاسية، عندما فوجئت بعد خلاف مع أعضاء الجمعية ليتوقف العمل، بعد توقعات كثيرة بالنجاح الباهر.
تقول إيفلين رغم الصدمة وتوقف العمل بالمدرسة لمدة ثلاث سنوات، وهي الفترة التي فشل فيها أعضاء جمعية” قارون” في إدارة المدرسة، إذ لم يكن أحدهم يمتلك الخبرة أو المعرفة في صناعة الخزف ومراحل صناعته وشراء خامات التشغيل، حصلت على منحة من فرنسا بمبلغ عشرة آلاف جنيه مساعدة للمدرسة، فأودعت المبلغ أحد البنوك، وبعدها استقبلت وفدًا من مديرية التضامن يطالبون بعودة فتح المدرسة أو إنشاء أخرى جديدة، فأنشأتُ جمعية “بتاح” للتدريب على أعمال الخزف، كان ذلك في العام 1998.
تجربة ويصا واصف
بعد أن عايشت تجربة الفنان ويصا واصف في الحرانية، حيث كان يدرب الأطفال على أعمال وشغل السجاد اليدوي، لفت انتباهي قدرة الصغار على التعبير عن أنفسهم، وعن الطبيعة ببساطة وجمال، ففكرت في نقل الفكرة على صناعة الفخار خاصة أن أطفال القرية يلعبون في أوقات فراغهم بالطي، نويشكلون منه مجسمات بسيطة ومختلفة.
وعن التقنيات التي تستخدمها إيفلين في إنتاج الخزف وتزيينه، تقول نعمل بتقنيات كانت تستعمل في إنتاج الخزف الفاطمي الإسلامي، وهي تقنيات صعبة، لكن الأطفال تعلموها بسهولة وأتقنوا العمل بها، وأهم ما يميز هذه التقنية هو أن الخزف يُحرق مرة واحدة وليس اثنتين كما يعرف الآن، وقد لاقت أعمال الخزف التي ينتجها الأطفال إعجاب محبي فن الخزف في مصر والخارج.
يبدأ الطفل بالتعلم في المدرسة مع بلوغه الثامنة، ويتدرب على طرق تجهيز طينة الخزف وتشكليها ورسمها، وتترك مهمة حرق التجارب الأولى للشباب الأكثر خبرة.
يحتاج الطفل ليتعلم فن الخزف وتزيينه ما بين ثلاث سنوات إلى خمس، ويبلغ عدد الأطفال المتدربين في الدورة الواحدة ما بين 6 إلى 8 أطفال، وتعرض منتجات الأطفال في أماكن العرض المختلفة بالقاهرة والإسكندرية، ويحصلون على العائد المادي من بيع المنتجات، بالإضافة إلى عرض تلك المنتجات من قبل في معهد العالم العربي في باريس، وكذا في سويسرا.
الفنانة تشكو من الصعوبات التي تواجه العمل اليدوي، وأهمها عدم الاهتمام الحكومي، رغم أن أكثر الأعمال اليدوية تنتج فنا راقيا، إضافة إلى مشكلة غلاء أسعار الخامات فلا يوجد نظام محكم لعملية تسعير الخامات وأنواعها.
أما المشكلة الأكبر التي تواجه المدرسة بشكل مستمر فهي أن المتدربات من الفتيات يتركن المدرسة بعد زواجهن، بعد أن يمتلكن المهارة والدقة والموهبة.
تضيف إيفلين الغريب أن هناك ارتفاع في أسعار كل الأشياء ما جعل الحياة صعبة ومرهقة لذوي الدخول المحدودة، كما أن الحياة لم تعد سهلة كما في السابق، إضافة إلى عدم توفر فرص عمل قريبة من السكن وبأجر مجز، فلماذا تترك الفتيات المدرسة رغم حاجتها وحاجة أسرتها الجديدة لدخل إضافي؟
بعد كل هذه السنوات من العمل تقول الفنانة إيفلين، تعبت من العمل والمجهود الزائد، ولم يعد لدي صبر لتعليم الأطفال بنفسي، كما لم يعد لدي قدرة الإشراف على كل مراحل العمل، لذلك أستعين بآخرين لإنجاز هذه المهام، ومهمتي الآن تنحصر في البحث داخل كل طفل متدرب عن شخصيته المميزة، وإبرازها والاهتمام بها وتنميتها.
تركتُ الفنانة إيفلين وسؤالها ما زال يثير دهشتى كما أدهشها، فهي تفضل الفخار الذي يستخدم في المنزل، قائلة “لا أفهم بعض فناني الخزف الذين يصنعون أعمالًا فنية غير قابلة للاستخدام اليومي، ويلجأون لاستخدام مادة البلاستيك في حياتهم اليومية”.
تعليق واحد