مهرجان “الكروشيه”.. سحر الألوان المصرية يتجلّى في الفسطاط
مفارش مزركشة بألوان قوس قزح المبهجة، وأغطية وسائد ذات ورود ملونة موضوعة بجانب فساتين أطفال وشيلان بأشكال متنوعة أمام طاولة تجلس عليها امرأة ستينية تمسك بيديها مغزل الكروشيه، بينما تسأل فتاة عن آخر مقعد شاغر في دورة تعلم الكروشيه.
كانت هذه احدى زوايا مهرجان الكروشيه الذي أقامه سوق الفسطاط بمصر القديمة للعام الثاني على التوالي.
المهرجان الذي استمر لمدة يومين، كان يشهد جميع معروضات الكروشيه يدوية الصنع بمختلف الأشكال والأحجام.
تنوعت المعروضات ما بين سجاجيد، وشيلان، وطواقي، وحقائب يد، سلات، وأغطية وسائد وشراشف، بأسعار اقتصادية تبدأ من عشرة جنيهات.
على هامش المهرجان أقيم 12 ورشة تدريبية للكروشيه بمختلف درجات تطور العاملات به بداية من الأوليات وصولا إلى أكثر درجات الدقة والحرفية في الغرز والتصاميم بمختلف المدارس.
نظم المهرجان داليا نبيه، وهي في الأصل أحد المستأجرين لمحل في سوق الفسطاط تبيع فيه منتجات الكروشيه، التي تصنعها ومجموعة من صديقاتها.
مع كثرة الأقبال والطلب على المنتجات، جاءت فكرة المهرجان، ليكون خاصًا بالحرف اليدوية المصرية القديمة، إذ استضاف مُنتِجات يصنعن أشكال متعددة من منتجات الكروشيه.
عن سبب تنظيمها للمهرجان تقول داليا نبيه إن فن الكروشيه من أكثر الفنون اليدوية المتداولة في مصر، متابعة “الكروشيه زي الادمان بس إدمان لذيذ، حاجة زي السحر اللي بياخدك عالم تاني”.
“اللي بيمسك الأبرة بيلاقي إنه صعب يسيبها أو يبطل يخيَط بيها، لما الواحدة بتمسك إبرة الكروشيه بتحس إنها نزلت المية وسابت كل همومها ومشاكلها فوق الشط…بيوفر كم راحة نفسية وصفاء ذهن صعب يتوصف”، هكذا تقول.
قدم للمشاركة في المهرجان أكثر من 30 عارضة، اختير منهن 15 فقط، ممن تميزت أعمالهن بالاحترافية والدقة والاتقان.
إحدى العارضات المشاركات في المهرجان كانت من المتدربات المبتدئات، اللواتي قدمن العام الماضي، وخلال عام استطاعت تطوير مشغولاتها اليدوية لتشارك في الدورة الثانية.
المهرجان بالنسبة لفريدة عبد الحميد، طبيبة أسنان على المعاش، إحدى المشاركات، وسيلة للتواصل مع فنانين منتجين لفن مشابه، كما أن مثل هذه المناسبات وسيلة مناسبة للاطلاع على أحدث الموضات في ابتكار المنتجات المصنعة بالكروشيه، “الناس هنا هادية وكلنا لينا نفس الاهتمامات فدا بيخليكي تشوفي نفس الأشغال ونفس المنتجات لكن بروح مختلفة وبتنفيذ مختلف من شخص للتاني”.
شهدت طاولة فريدة حداثة المنتجات من جرابات الموبايلات، إلى أكياس العملات النقدية أو حتى أطباق صغيرة توضع أسفل الأكواب الساخنة، وكانت جميعها تباع بأسعار رمزية تبدأ من 20 جنيهًا.
أما بالنسبة لمكان إقامة المهرجان، كان من أكثر الأماكن تناسبا لعرض مهنة مصرية قديمة كالكروشيه. فسوق الفسطاط يقع في قلب القاهرة القديمة ما بين مسجد عمرو بن العاص وكنيسة مار جرجس، يحتوي على 34 محلًا، يختصون بحرفة معينة يدوية يشترط أن يكون أصلها مصري، وتصنع يدويًا، ولها تاريخ.
يقدم كل محل ملف فني لهيئة التنمية السياحية يثبت فيه مصرية الحرفة، من أجل تأجير المحلات الخاصة بالفسطاط، وهذا ما جعل داليا تؤكد على أهمية إقامة المهرجان فيه، ليسمح للناس بالاطلاع على المحلات الأخرى التي تعرض جميعها منتجات يدوية الصنع بجانب التعرف على المنتجات المحلية الصنع التي عادة لا تعرض في “المولات” والأماكن الأكثر زحامًا.
مصدر وأصل الكروشيه غير معروف بشكل أساسي، فاختلفت الأقاويل بأنه عرف النور للمرة الأولى في الصين وأرجعه آخرون إلى تركيا.
الباحثة الدنماركية ليزا باليودان Lis Paludan، والتي بحثت عن تاريخ وأصل فن الكروشيه في كتابها “كروشيه”، تقول إن هناك ثلاث نظريات أساسية يستند إليها بدء فن الكروشيه عليها.
توضح ليزا أولا: الكروشيه تم حياكته في المنطقة العربية ومن ثم انتقل إلى التبت، والتي بدورها أوصلته إلى فرنسا، أما النظرية الثانية، فتقول إن أصل الكروشيه يرجع إلى قبائل في أمريكا الجنوبية، واستدلت في ذلك على أقاويل تتداولها ثقافتهم بأن الكروشيه كان يستخدم في الزينة الخاصة بالأفراد في حفلات البلوغ كالأعقاد وأغطية الرأس.
أما بالنسبة للنظرية الثالثة فترى أن بداية الكروشيه كانت في الصين، إذ كان يستخدم في صناعة دمى الأطفال، وكان ذلك في القرن السادس عشر.
أما الباحثة الأمريكية Annie Potter تقول إن أصل فن الكروشيه يعود لإلى الهند واستدلت في ورقة بحثيه لها أن عالم الانثروبولوجي والتر اندموند رأى عندما سافر إلى الهند عام 1916 بعض القبائل الهندية تصنع بعض أعمال الكروشيه اليدوية كما نعرفها اليوم.
ولكن ما أجمعت عليه كل النظريات أن بوابة انتشار الكروشيه كانت فرنسا وذلك في القرن التاسع عشر، والذي انطلق منها إلى أوروبا وصولا إلى العالم العربي.
كما أجمعت الدراسات أن كلمة كروشيه فرنسية الأصل، كما كان يحمل أسامي أخرى منها “فن الراهبات” وذلك لأن الراهبات كن أكثر من يمارسنه.
دخل هذا الفن مصر في بداية عشرينيات القرن الماضي، بعد نحو قرن من ظهوره في أوروبا، وكان في البداية محصورًا على الملوك وعليَة القوم.
أطلق على هذا الكروشيه لقب الكروشيه الكلاسيكي وكانت ألوانه محصورة على اللون “البيج” فقط لا غير. ولكن مع تقدم الوقت اكتسب المصريون الحرفة وراجت بين الناس، وأضيف إليه الطابع المصري، فتعددت الألوان المبهجة.
وكان أول من عمل بهذا الفن هم أهل النوبة، من خلال الطواقي التي يرتديها الرجال، كما أسسوا مدرسة جديدة للكروشيه تسمى “مدرسة التابستري”، إذ كانت ولاتزال الألوان جزء من ثقافتهم.