145 فنانا مصريا يشاركون في معرض «البدايات» بالأوبرا
تتواصل بقصر الفنون ساحة دار الأوبرا فعاليات المعرض الفني «البدايات.. عودة لسنوات الإبداع الأولى» في نسخته الأولى، والتي يشارك فيها 145 فنانا مصريا في مجالات الرسم والنحت والتصوير، ويستمر المعرض حتى 23 نوفمبر الجاري.. «باب مصر» التقى مجموعة من الفنانين للتعرف على مشاركاتهم وبداياتهم وأيضا تجاربهم.
بيت العيلة
تقول الفنانة أسماء الدسوقي، رئيسة قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان: “ارتبطت بدايتي الفنية بشغفي بالمكان، بداية من حبي لقريتي كفر شكر القليوبية منذ الصغر وتحديدًا “بيت العيلة“. والذي كان بمثابة المحرك الأساسي لتجربتي، حيث كان المكان يمثل لدي الأصالة والتراث”.
وتابعت: انتقل معي هذا الإحساس وحبي وشغفي بالأماكن من بيت العيلة بقريتي الصغيرة، إلى حبي وعشقي لمباني وروعة القاهرة القديمة برونقها وتراثها. بدأت أهتم بالأماكن التراثية القديمة بمنطقة القاهرة الفاطمية وأحيائها العتيقة، التي تحكي قصصها، جذبتني تفاصيل البناء المعماري، وقمت بوصف مكنون من بداخل المكان، وأرى أن الزمان والمكان كان لهم تأثيرا كبيرا على تكوين التجربة الفنية لدي، والتي شكلها إحساس ما وراء الطبيعة “الميتافيزيقا”.
من وحى تراثنا
أما الفنان التشكيلي بدوي مبروك، فيقول لـ«باب مصر»: “ولدت ونشأت داخل بيئة مصرية أصيلة “الريف”، الذي يحمل العديد من العادات والتقاليد والمبادئ والقيم الأخلاقية والحكايات والروايات، فكنت دائم الجلوس مع كبار السن والحكماء من الأهالي والجيران. استمع إلى حكاياتهم وحواديتهم أثناء مواسم زراعة وحصاد المحاصيل، عاصرت وعشت معهم طقوس هذه المواسم وغيرها من الطقوس اليومية، والروايات الشيقة عن الشاطر حسن والسبع بنات وأبوزيد الهلالى وبطولاتهم المتكررة في التصدي لأعمال الجن والسحر والشعوذة”.
وتابع: خالطت الكثير من طيور وحيوانات البيئة الريفية الأليفة، والتي تعبر عن طبيعة الحياة في هذه البيئة. شاهدت العديد من أزياء وألعاب أطفال وفتيات وسيدات الريف، سواء في شوارع القرية أو في الحقول أثناء مواسم زراعتها أو حصادها. كما تأثرت كثيرا بالموالد والأسواق الشعبية والأضرحة المنتشرة داخل البيئات المختلفة في المنطقة.
يضيف، بعد دراستي للفنون الجميلة واستكمال الماجستير والدكتوراه في نفس المجال استحضرت بداخلي كل هذه المفردات والأساطير والحكايات، واستطعت دمجهم داخل أعمالي الفنية المتنوعة على أسطح القوالب الخشبية المحفورة. بواسطة أزاميل الحفر وعرضها في نسخ طباعية، سواء بالأبيض والأسود أو بالألوان، محملة بداخلها الكثير من شحنات وانفعالات متوارثة ومعبرة عن تراث البيئة الخصبة. والتي لا تنضب أبدا من الاستلهام منها كطبيعة أي بيئة مصرية أصيلة.
الفن المصري القديم
وعن بدايتها تحكي الفنانة التشكيلية لينا أسامة: “يعتز كل فنان ببداياته الفنية ولحظات البحث عن هويته الفنية. حيث يسعى وراء اكتساب المهارات التقنية التي لا حصر لها وكذلك الخبرات النظرية من الأجيال السابقة. هذه المراحل الأولى عادة ما تخبئ بداخلها جميع أسرار ومفاتيح النهج الذي يسلكه الفنان، وأسلوبه الخاص الذي يتبلور عبر السنين” .
وتابعت: بالنسبة لي كنت محظوظة بأن أبدأ مشواري الفني في سن صغيرة. حيث شاركت في صالون الشباب عام 2002 عن عمر 15 عاما لأكون أصغر عارضة وقتها. سمح لي هذا العرض المبكر بالاستفادة من الأجيال السابقة لفنانين كبار بدعم من قاعات الدولة وأنشطتها الكثيرة.
وتضيف، اللوحات التي أشارك بها تعكس الخصائص التي تميز أعمالي الحالية وأسلوبي الفني. حيث إنها ثنائية تواصل، تمثل حالة إنسانية خالصة من الفن التشخيصي متأثرة بفنون مصر القديمة التي طالما أبهرتني، وهي بمثابة كنز لا يفنى من الفكر والإلهام. ويظهر هذا التأثر في وضع الجلوس الأمامي الصدر وجانبي الوجه والأرجل وبالطبع في ملامح الوجه بشخوص لوحاتي.
وتستطرد حديثها: تحمل لوحاتي أيضا أجواء مصرية اجتماعية معاصرة، ورموز شعبية مستترة مغلفة بألوان قوية ولكنها طبيعية وترابية، تذكرنا بمدارس الفن الحديث مثل التعبيرية في النمسا وألمانيا بما أنني درست التصوير في أكاديميات سالزبورج وتراونكيرشن بدولة النمسا، بالتزامن مع دراستي في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان.
بدايات متعددة
يقول الفنان التشكيلي عمر الفيومي: “كان لدي مجموعة من البدايات أو المحطات الهامة، أولها في السبعينات، وأنا طالب بكلية الفنون الجميلة. تأثرت جدا بأستاذي الفنان “حامد ندا” فقد كان قريبًا من الطلاب جدًا. ثم انتقلت في الثمانينات إلى الأقصر وكانت تلك بداية أخرى فقد حدث لدي تغير تام في رؤيتي وتفكيري وشغلي. جذبتني الأقصر بكل ما فيها، شوارعها الواسعة عكس القاهرة، الإضاءة والنور والشمس كانت مختلفة بشكل كبير، تأثرت بها كثيرًا”.
وتابع: هناك بداية أخرى هامة وهي المقهى، هذا العالم الساحر الذي شدني إليه، وتناولت المقاهي بشكل كبير في لوحاتي بما فيها من ناس وتفاصيل ومشاعر وقصص وحواديت. وعندما سافرت إلى روسيا ودرست وعملت بالفن هناك، كانت أيضًا بداية لأشياء أخرى مختلفة. جميع ما سبق كانت بدايات تأثرت بها، وفي النهاية وجدت أن شخصيتي كفنان، هي تناولي للشارع المصري بناسه البسطاء والحياة التقليدية والعادية والتعبير عنها.
الجنوب وخصوصية الذات
أما الفنانة مرفت شاذلي هلالي، مدير متحف الأمير محمد وحيد الدين سليم بالمطرية، فترى أن البداية بالنسبة لها كانت في الإصرار على الاستمرار في الرسم.
تقول هلالي: “جميع الظروف بعد تخرج أي طالب من كليات الفنون الجميلة، لا تساعده في ممارسة الفن من الناحية العملية. لذلك فقد انسحق كثير من الفنانين على صخرة الواقع. لأن اللوحة الفنية ليس بالضرورة أن يكون نصيبها البيع أو الاقتناء. وبالتالي يستطيع الفنان شراء الخامات وعمل لوحات أخرى وهكذا، وتوفير احتياجاته المادية كي يتفرغ للفن ويعمل فقط كفنان. تلك الإشكالية هي التي جعلتني لفترة أشعر بالحيرة وعملت في أكثر من مهنة. لكن كان لدي الإصرار الكامل على ألا أتوقف عن الرسم والفن. ومن ثم أكملت دراساتي العليا فحصلت على الماجستير والدكتوراه من كلية الفنون الجميلة”.
تدرجت هلالي في أكثر من مهنة بجانب دراستها للفن. فقد عملت كمعيدة بكلية التربية النوعية جامعة بنها، لكنها ترى أن نقطة الانطلاق والبداية الحقيقية لها عندما أنهت الماجستير.
تقول عن تلك الفترة: “أطلق على هذه الفترة فترة الثبات، فكانت الرؤية لدي واضحة. وكانت رسالتي حول “أثر البيئة النوبية على الفنانين المصورين المعاصرين”. وهو ما جعلني استقر على منهج واضح، والذي يعد أصعب مشكلة تواجه أي فنان وهي كيف يختار خط ومنهج لنفسه حتى تأخذ لوحاته ختم التميز وبصمته الخاصة التي تميزه عن غيره من الفنانين. وكانت بدايتي من لحظة مشروع التخرج، فقد كنت أرغب في عدم التخلي عن جذوري النوبية. وأن أجعلها ممتدة معي، وكان مشروع التخرج من الكلية تحت عنوان “بورتريهات من أسوان”.
وتختتم حديثها: “أعمالي هي أنا، هي اتساق لفنانة الجنوب موطنها، وعينها على المعاصرة. ومن هنا كان التواصل والربط، الذي لازلت أبحث فيه حتى تلك اللحظة”.
فكرة هامة
أشاد الفنان التشكيلي والناقد الفني مُهاب عبدالغفار، بفكرة المعرض، ويقول: “أرى أن فكرة معرض البدايات هي فكرة هامة للغاية، أحيي عليها قطاع الفنون التشكيلية. خاصة أنها البادرة الأولى التي تعرض بدايات الفنانين المعاصرين. بعد أن كان دائما ينظر للمؤسسين من جيل الرواد في الحركة التشكيلية فقط. وهذا أول معرض جماعي يضم الرواد والمؤسسين والمعاصرين. وهو ما أراه تحرك ذهني مختلف يتناول تاريخ الحركة الفنية في مصر. كما أن فكرة عرض بدايات الفنانين تجعل المتلقي يتعرف على رؤية الفنان بشكل أكبر وأعمق، وأكثر قربًا. وكيف انطلق في موضوعه البصري. حيث إن تاريخ الفنان وبدايته قد لا يعرفها الكثير”.
وتابع: أما عن بداياتي فقد بدأت رحلتي مفكرا ومنشغلا بالفنون البصرية في فترات مبكرة من حياتي منذ سن السادسة عشرة. كانت مجموعة الرسوم التي أقوم بها بالأبيض والأسود والألوان المائية. وكانت في تلك الفترة تؤكد على العلاقة بين الرجل والمرأة. أخذت رسوماتي في تلك الفترة مذاقا رومانسيا حالما متماسا مع أحلامي ورغباتي، التي تأثرت بالسريالية في ذلك الوقت.
واستطرد: عنيت في بحثي البصري باستلهام روح الحضارة والقيم.حيث كنت معنيا باكتشاف العلاقات الجمالية في الوحدات وتركيب الصورة وبنائها اللوني. وبالطبع فإن هذا البحث في شكله التوسعي كما أقوم به الآن سيتطلب الكثير من الصفحات المكتوبة لشرح تفاصيل القيم الملهمة بصريا. تلك التي اتخذت منها نقطة انطلاق عملي البصري.
ويوجه عبدالغفار رسالة إلى النقاد ويقول: “لا أرى حركة نقدية مواكبة لما يحدث في الواقع التشكيلي في مصر. فهي قليلة سواء من الكتاب أو النقاد بشكل خاص. وأرجو أن يتحرك السياق النقدي، ويتناول حركة الفنانين والفن التشكيلي في مصر. وهناك فرق بالطبع بين الكاتب الذي يكتب عن الفن، وبين الناقد الذي لابد أن يكون مثقفا فنيا بشكل كبير وعلى دراية تامة بما يحدث في الحركة الفنية والتشكيلية في العالم ككل”.
اقرأ أيضا:
حوار| النحاتة «منى غريب»: الفنان المصري لديه طاقة إبداعية جبارة