يوليو.. الآخر: المثقفون والثورة

كانت علاقة مثقف يوليو بالمناخ السياسي والاجتماعي آنذاك أشبه بحالة المد والجزر، علاقة تغشاها الأنواء والأعاصير في ذات الوقت الذي صار فيه المبدع والمثقف بوقًا يبث آمال الثورة وفعالياتها أو مايسترو ينظم حركة المرور الثقافي والقارئ في مصر.

فرغم أن المثقف استطاع أن يخلق حالة من الشجن الوطني والعاطفة القومية لدى المتلقي في جميع المجالات: الرواية والشعر والمسرح، إلا أن الفعل الوجداني صار أشبه بموجة وحيدة كاسحة تنفى الموجات الأخرى.

ولم تتح الفرصة لانبعاث موجات ثقافية وفنية أخرى منفردة ومخالفة.. فكتالوج الثورة لم يسمح ببروز وظهور تيارات أخرى مغايرة للباترون الرئيسي في الشأن الفكري والثقافي. لذا ساد لدى مثقف يوليو تصدر الكل في واحد.. وأن بروميثيوس المثقف الذي يسرق النار من الآلهة ليمنحها للفقراء والمعدمين، وشاع آنذاك مفهوم الواقعية الاشتراكية الذي عبر عن طبيعة المرحلة ورسم آفاقها، وقد أصبح مفهوما مقدسا، صار من يخرقه مارقا ومجدفا. فضلا عن ذلك سادت في الساحة الثقافية اختبارات صعبة تمثلت في تساؤلات جوفاء لا معنى ولا هوية لتلك التساؤلات مثالنا في ذلك الفن للفن أم الفن للمجتمع – أسئلة أثارت معارك حامية الوطيس وأبرزت فرقاء.. مناصرين ومناهضين.

***

بددت جهود المبدعين من الاستغراق في الإبداع والتقييد بجميع مستوياته.. غرق المبدع في مجادلات ومساجلات نظرية عقيمة وصار الفنان آنذاك ثقافة الأسمنت المسلح وظهر إبداع الفنان في قوالب جامدة مباشرة طمست الحس الفني الحقيقي. غير أن روح الفنان الحقيقي لابد وأن تنبعث في أشكال تعبير مغايرة. فلقد برز هامشا منفردا خارج الأطر الأساسية والمرسومة.

وهذا الذي فجر صداما بين الثورة ومثقف يوليو.. ربما أنقذت الفنان آنذاك اتجاهات وتيارات الكتابة الجديدة والتي ظهرت في أوروبا آلان روب جرييه وناتالي ساروتي، فضلا عن تيارات مسرح الصيف.

أنقذت الفنان والمبدع في مصر..

فبرز تدفقه الفني.. وعافيته الثقافية في صور أخرى.. ربما اعتمدت الرمز الفني.. لكن إبداعات الفنان كانت ذات صدى ثقافي ونقدي..

***

وبرز على الساحة عديد من النقاد الذين يتبادلون تلك الأعمال الفنية والإبداعية بالنقد والتحليل. فخرج الفنان الحقيقي من القمقم، من محبسه حيث لم يتجلى إبداعه الحقيقي والمؤثر رغم الجدل الدائم والخلافات والصدامات. التي شهدتها الساحة الثقافية آنذاك وبعض المصادرات. التي أثارت غبارا في الأجواء الثقافية بتلك القلعة تحت المظلة والمخططين إلى آخره.

لقد ظلت تلك الأعمال الإبداعية علامة من العلامات الفنية والثقافية التي تجسد التألق الرئيسي من فنان البوق وبين حرية الفنان والطلاقة. وأن الكتابة هي كتابة إنسانية عابرة، كتابة بلا وطن وحتى لا يكون الإبداع طبعة فريدة ومنقحة.. أو إبداع الفن للفن أو الفن للمجتمع ولكن إبداع الفن للحياة.

اقرأ أيضا:

«26 يناير 1952»: القاهرة تحترق.. من أحرقها؟

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر