يحيى الطاهر عبدالله: خلخلة قواعد الفن
في ظني أن واحدة من أبرز سمات الأديب الراحل يحيى الطاهر عبدالله هي التمرد، فمن يتأمل ميراثه الإبداعي من القصص وكذلك روايته الوحيدة الطوق والإسورة يلمس قدر نزوعه إلى التمرد سواء على الفن ومحاولة خلخلة قواعده الجامدة أو المتكلسة أحيانا، وكذلك تمرده على بعض التقاليد والعادات الاجتماعية والأنساق الحاكمة للمجتمع المصري في عصره. لديه تمرد على شكل القصة وشكل الرواية وكان ينزع إلى نوع من القصة الطويلة نسبيا، وفي المقابل يميل إلى الرواية الأكثر تكثيفا وهي الرواية القصيرة أو النوفيلا، كان متمردا على لغة السرد ويميل إلى شكل شعري خاص به يجمع بين التراث والعصري ويخرج عن لغة السرد العادي، كما كان يميل في بعض الأحيان إلى الفنتازيا أو الواقعية السحرية والكافكاوية، كما نجد مثلا في قصته الطويلة (حكايات للأمير حتى ينام) وكذلك (حكايات على لسان كلب) التي تأتي كلها على لسان كلب ومن وجهة نظره، وفي رواية الطوق والإسورة التي تم تحويلها إلى فيلم أول ما يتبدى منها هو التمرد على القيم الصعيدية الحاكمة للمجتمع، وقدر الغضب ومشاعر الكبت والنزوع إلى تحطيم السائد لدى البطل سواء لدى مصطفى حين عاد تحديدا من السودان، أو لدى فهيمة، وكيف كانت الرواية في جانب مهم منها ثورة على العادات والتقاليد والسلوكيات البدائية لمجتمع الصعيد.
مظاهر التمرد
في القصة القصيرة تحديدا كان لدى يحيى الطاهر عبدالله مشروعه الخاص الذي يبدو متمردا بشكل كامل، في الوصف والبناء وأنماط الشخصيات وطرائق إنتاج الدلالة عبر إشارات غير مباشرة، كان يميل من وقت مبكر إلى مشهدية من نوع جديد، تتمثل وجهات نظر مهمشين وشخصيات غير معهودة مثل وعي الأطفال كما في جبل الشاي الأخضر، أو وجهة نظر المرأة بشكل كامل، وكان يوظف التفاصيل الحياتية على نحو مختلف عما قبله، ويعتمد طرائق في الوصف هي الأخرى تمثل شكلا جديدا في السرد ولذلك كان لقصصه مذاق خاص من بداية نشرها في الصحف والمجلات حين ذهب إلى القاهرة في منتصف الستينيات، فشعر كثير من القراء والمتابعين أنه صوت سردي خاص أو له مذاق مختلف، وإن لم يكن وقتها التعبير النقدي الكاشف بوضوح وعلمية لمشكلات خاصة بالنقد في ذلك الوقت منها الغرق في الإيديولوجيا وتقييم الأفكار السياسية والقضايا الكبرى وأشياء من هذا القبيل واعتماده على نقد المضمون أكثر من نقد البنية والتقنيات السردية التي لم تكن دراستها قد نضجت نقديا في ذلك الوقت، ولكن ربما شعر بعض القراء أن ملامح عوالم السرد عند يحيى الطاهر عبدالله جديدة ومختلفة عن غيره من الكتاب وهذا أمر سهل الحكم عليه، فهو كان يتمثل في غالبية الأوقات مجتمع الصعيد والطبقات الكادحة والمهمشة وبعض الأفكار الغرائبية أو الفانتازيا، لكن الحقيقة أن مظاهر التمرد لديه كانت شاملة وتستوعب مشروعه كله، وفي تقديرنا أن هذا نابع من طبيعة شخصيته نفسها فهو كان مسكونا بقدر كبير من التذمر والتمرد والجموح على المستوى الشخصي وبالطبع يكون أثر ذلك واضحا في فنه هو الآخر، لقد كان مزيجا فريدا من جموح المخيلة وتمثيل الواقع في الوقت نفسه، وهو أمر يبدو غريبا أو متناقضا أو من الأمر الصعب التوفيق بينها، فيريد أن يصور كل شيء في واقع تشربه واستوعبه جيدا، وفي الوقت نفسه لديه جموح تخييلي يدفعه في كثير من الأحيان إلى تجاوز حدود هذا الواقع والخروج عليه، وفي رأيي أنه مازال بحاجة إلى دراسات عديدة.
اقرأ أيضا
ملف| كيف نحتفل بمرور أربعين عاما على رحيل يحيى الطاهر عبدالله؟
14 تعليقات