وسط مخاوف من التطوير.. حدائق «الشلالات» تعاني من الإهمال
تتعرض «حدائق الشلالات» بالإسكندرية لإهمال مستمر في الآونة الأخيرة، رغم تاريخها العريق الذي يمتد لأكثر من 120 عاما وما تحتويه من أشجار ونباتات نادرة، إضافة إلى معالمها الفريدة مثل شجرة «أم الشعور» أو «الطرزان»، التي تتدلى أغصانها على الأرض بشكل يشبه شعر الفتاة، مما جعلها رمزا مميزا لهذه الحديقة.
ورغم موقع الحديقة المتميز في قلب المدينة بالحي اللاتيني (سابقا) – أرقى أحياء الإسكندرية- ودخولها المجاني، فقد أدى تراكم القمامة وعدم الاهتمام بنظافتها إلى تراجع عدد الزوار. فضلا عن جفاف البحيرات الصناعية والشلالات المائية التي كانت تحويها الحديقة.
إهمال حديقة الشلالات
كانت الحديقة في السابق وجهة مفضلة للأفراح والتقاط الصور التذكارية للعروسين بين المناظر الطبيعية الخضراء، دون أي تكلفة أو أعباء مادية، خاصًة بعد ارتفاع تكاليف جلسات التصوير في حديقتي المنتزه وأنطونيادس بعد تطويرهما، والتي تخطت الألف جنيه. كما كانت الحديقة تشهد العديد من حفلات الزفاف في قاعاتها المجهزة، ولكن تم إغلاقها حاليا وإهمال صيانتها. بالإضافة إلى ذلك تم تقطيع بعض الأشجار النادرة وإلقاء أجزاء منها أرضا في ظل غياب الاهتمام الكافي من المتخصصين.
بقايا أسوار الإسكندرية القديمة في «الشلالات»
يقول الدكتور إسلام عاصم، أستاذ الإرشاد السياحي، في تصريح خاص لـ«باب مصر»: “تنقسم حدائق الشلالات بالإسكندرية إلى أجزاء؛ أولها حديقة الخندق الشرقي والغربي كما كان يُطلق عليها قديمًا، وحديقة البطالسة أو كاتمة الأسرار. جاء بداية تكوين هذه الحدائق في بدايات القرن العشرين، عندما بدأ فتح طريق أطلقوا عليه اسم “حسين كامل”. كانت هناك بقايا أسوار مدينة الإسكندرية القديمة التي تعد من الثكنات العسكرية التي كانت تحت حكم وزارة الحربية أو الجهادية آنذاك. ثم تحول جزء منها إلى حدائق مع الحفاظ على الأجزاء الأثرية الموجودة بها. وتعد هذه الأسوار جزءا من أسوار المدينة التي مازالت موجودة حتى الآن، والتي تم بناءها في العصرين اليوناني والروماني، ومن ثم العصر الإسلامي وبعده العصر الحديث. بالإضافة إلى وجود “طابية النحاسين” في ذات المنطقة”.
جزء من «الشلالات» للتنقيب عن الآثار
وأضاف «عاصم»: “بسبب الأهمية التاريخية لهذا المكان، تقوم البعثة اليونانية في جزء من الحديقة بالتنقيب عن الآثار. وهناك أخبار جيدة جدا عن أجزاء مهمة تم العثور عليها في هذه المنطقة. لذلك، تعد حديقة الشلالات ذات شقين؛ أولهما الطابع الأثري، والأسوار القديمة التي ما زالت موجودة، رغم نقل جزء منها أثناء إنشاء طريق قناة السويس. ثانيا، هناك الطابع الثقافي والموروث الشعبي لدى أهل الإسكندرية”.
أما عن الحال الذي وصلت إليه الحديقة حالياً. يؤكد «عاصم» وجود العديد من الخطط التطويرية لهذا المكان. وقد تم أخذ آراء العديد من الخبراء، ويتمنى أن يتم التطوير بشكل صحيح. وبالنسبة لإزالة بعض الأشجار، يفضل أن يكون ذلك من قبل المتخصصين في وزارة الزراعة مع ضرورة الحفاظ على الأشجار التاريخية والنادرة. فهذه الحديقة تمثل جزءا من الذاكرة الشعبية السكندرية. كان يوجد بها في وقت من الأوقات جزء مخصص للقراءة، ويجب إعادة استخدامه مرة أخرى، بالإضافة إلى أماكن ألعاب الأطفال المجانية. فكل هذا يعني الكثير للمواطن السكندري. لذلك، فإن إقامة مشروع ثقافي كبير في هذه المنطقة المهمة هو الأنسب في الوقت الحالي.
تخوف من تطوير حدائق الشلالات
لم يبدي الدكتور محمد عادل الدسوقي، أستاذ العمارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بالإسكندرية، أي تفاؤل بمستقبل حديقة الشلالات. قائلا إنه أطلع بالفعل على عدة مشروعات مقترحة لتطوير الحديقة ووصفها جميعا بـ”الكارثية”. متوقعًا الإهمال المتعمد للحديقة وتحويلها إلى “خرابة” بدلاً من حديقة عامة.
يقول: “بين ليلة وضحاها سنجد الحديقة ممتلئة بالكافيهات والمطاعم وغيرها من المشروعات التي تضٓر بالبيئة وتؤثر على الأثر التاريخي للحديقة وأشجارها. وتظهر للمواطنين كما لو كانت أفضل من وضعها السيئ السابق. تماما كما حدث في ترعة المحمودية التي تحولت إلى أسوأ حالتها قبل ردمها وإقامة مشروع تم وصفه بأنه مشروع “عظيم”. بالرغم من كونه مشروعا كارثيا من المنطلق البيئي والعمراني”.
تخوفات المعماريين ومواطنى الإسكندرية تعود إلى التخوف من تكرار تجربة تطوير “حديقة الخالدين” بالإسكندرية. الحديقة التي لم تتجاوز مساحتها بضع عشرات من الأمتار. بموقعها المتميز على كورنيش البحر بمنطقة محطة الرمل أمام مسجد القائد إبراهيم، كانت متنفسا للعديد من أهالي الإسكندرية.
ولكن في عام 2016، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور مختلفة لإهمال حديقة الخالدين وعدم رعايتها. وتحول جراج الحديقة أسفلها إلى وكر للخارجين عن القانون. وبعدها بدأت أعمال التطوير، وفوجئ أهالي الإسكندرية بإزالة المسطحات الخضراء من الحديقة تماما. وإنشاء مجموعة من المطاعم والمقاهي وتقديم الأكلات السريعة، حتى أصبحت “مول الخالدين” في عام 2017.
اقرأ أيضا:
«زينة الحلبي» في نقاش مفتوح بالإسكندرية: ما معنى أن تقف على أنقاض ثورات مُجهضة؟