ورث المهنة من جدوده.. «أبودوح» آخر صانع للأختام في مدينة إسنا
بأدوات خشبية بسيطة وقديمة جدا، يعمل أبودوح عبده، آخر صناع الأختام، في شارع القيسارية بمدينة إسنا. فعائلته اشتهرت منذ عشرات السنين باحترافها صناعة الأختام، وهو مازال يكمل المسيرة في هذه الحرفة المهددة بالاندثار في الوقت الحالي.
مهنة الجدود
يقول محمد عبدالحميد، وشهرته “أبودوح عبده” 70عاما: “ورثت المهنة عن جدودي، فنحن العائلة الوحيدة في مدينة إسنا المتخصصة في صناعة الأختام. كان جدودي يعملون في هذه الصناعة منذ 200 عام بأدوات قديمة جدا”.
وتابع: تعلمت المهنة من والدي، الذي تعملها من والده أيضا. وكانت هذه الصناعة هي مصدر الدخل الأساسي والوحيد للعائلة طوال السنوات الماضية وحتى الآن.
ويضيف: “عندما تعلمت الصنعة من والدي كان عمري حينها 15 عاما. كنت أجلس معه دائما حتى أتقنت المهنة، وبعد وفاة والدي أصبحت أعمل فيها. وهي مصدر رزقي الوحيد وفخور بعملي بها، لأنها مهنة العائلة التي اشتهرت بها منذ زمن”.
يجلس أبودوح في نفس المكان بشارع القيسارية منذ سنوات طويلة. إذ يأتي كل صباح ومعه أدواته القديمة وعدد من الأوراق التي يجرب عليها الأختام. حتى يطمئن المشترى من جودة الختم قبل مغادرته.
مراحل صناعة الختم
يحكي أبودوح عن مراحل صناعة الختم، ويقول: “أشتري المادة الخام لعمل الختم من القاهرة. وأقوم بتنعيمها ومسحها والكتابة عليها بالحفر – سواء الصلب أو الحاد، التاريخ الهجري، والاسم ثلاثي، لأن مساحة الختم صغيرة جدا”.
ويتابع: الكتابة على الختم تكون مقلوبة حتى يتمكن أي شخص من قراءتها على الورق بعد ذلك. ثم أقوم بتنعيم الختم مرة أخرى ليزداد لمعانه، وإبراز الكتابة على الورق. لأن الختم الخشن يسهم في عدم وضوح الاسم والكتابة التي تكون عليه مشوشة ومليئة بالشوائب.
الأدوات المستخدمة
يستخدم أبودوح الأدوات القديمة البسيطة من وحي البيئة، كالقلم الخشب الذي به سن معدني حاد ليكتب به الأسماء على معدن الختم. وكذلك المبرد المصنوع من الحديد لتنعيم الختم وتنقيته من الشوائب. والأداة الخشبية العريضة التي يوضع فيها الختم أثناء الطرق عليه حتى لا يتعرض للثني أو غير ذلك، ويستخدم الختامة، والورق الأبيض.
يذكر أبودوح أنه استغرق نحو ثلاثة أعوام من أجل تعلم المهنة من والده. فهي مهنة صعبة وتحتاج قوة عضلية وتركيز شديدين، خاصة أن الكتابة تكون بخط صغير جدا على قطعة صغيرة أيضا من المعدن، وأداة حادة. من أجل التمكن من الحفر على المعدن، لافتا لإهدار العديد من الأختام في البداية من أجل إتقان صناعة الختم. فالإتقان لم يكن أمرا هينا، واختلف الأمر كثيرا بعد التعليم والاحتراف. وينوه أنه عمومًا في الكتابة تواجهنا صعوبات الأسماء المركبة الكبيرة لأنها تحتاج لمساحة معدنية كبيرة. ومن الممكن التعرض للإصابات في أي وقت.
ارتبط أبودوح بتلك المهنة ارتباطًا عميقًا، فهو لا يستطيع تركها سوى عند مفارقة الحياة. لأنها تمثل تاريخ الأسرة في إسنا، فاستمرار المهنة له علاقة بتاريخ الأسرة بتلك الصناعة بين عائلات إسنا.
ويقول إنه حاول تعليم أولاده تلك المهنة، فعلم مصطفى ابنه الأكبر في العشرينات من عمره. ولكنه لديه مهنة أخرى حتى يستطيع أن يدر منها دخلا لنفسه، خاصة أن صناعة الأختام دخلها قليل في الوقت الحالي.
الدقة والأمانة
ويذكر أبودوح أن المهنة تحتاج إلى الدقة والأمانة والتركيز، لأن من يحمل الختم لا يعرف القراءة والكتابة فهو لا يعرف الاسم المكتوب فيها، لذا وجب الأمانة في تلك الصناعة، حتى يخرج الختم مني بشكل دقيق جدًا.
يقول صانع الأختام: “بدأت العام الماضي تعليم ابني الصغير “عبده” الذي يبلغ 15 عامًا من العمر، ولكن لم يتقنها حتى الآن لأنه سيعمل في مهنة أخري عندما يكبر”.
وتابع عبده: أحب الجلوس مع والدي منذ أن كان عمري خمس سنوات، وشغفني تعلم صناعة الأختام الآن لأساعد والدي، ولكن سأعمل في مهنة أخري عندما أكبر لأنها من المحتمل أن تندثر ودخلها ضعيف.
اقرأ أيضا
«الشامي» نقاش الأختام: أتمنى عودة التراخيص كي نعمل بدون مضايقات