هل ينجو قصر «أنيسة ويصا» من الإهمال؟
- يعاني قصر أنيسة ويصا في مدينة الفيوم من إهمال شديد يهدد هويته المعمارية الفريدة. ورغم كونه أحد أبرز الأمثلة على الفن الرومانسكي في أواخر القرن الثامن عشر، تعرض القصر لتشويه كبير بعد تحويله إلى مقر لمجلس الدولة، حيث تم استقطاع جزء كبير من حديقته وتحطيم تمثالين من مدخله، فضلا عن التشويه الداخلي الذي لحق بالزخارف الفنية.
تاريخ القصر
يقول الدكتور وليد عبدالسميع، المدرس المساعد بكلية الآثار جامعة الفيوم في تصريحات لـ«باب مصر»: “قمت بعمل دراسة بحثية تاريخية عن قصر “الست أنيسة حنا بقطر ويصا”، وما يتميز به من طراز معماري. وقد طالبت أن يتم تسجيل القصر كأثر، حيث أنشئ عام 1899، حسب التاريخ المكتوب بالأرقام الإنجليزية على الفرنتون الخشبي الذي يتوج منتصف الواجهة الغربية والرئيسية للمبنى. وهو ما يؤكد صحة تاريخ الإنشاء، ويعود القصر حسب تاريخ إنشائه إلى العصر العثماني”.
وتشير الوثائق والخرائط المساحية إلى أن القصر وملحقاته من “العربخانة، والحديقة، وديوان التفتيش”، كان ملكًا لتفتيش الفيوم التابع للدائرة السنية التي كانت تضم أملاك الخديوي إسماعيل وأسرته. وقد وافق مجلس النظار على بيع القصر بتاريخ 22\12\1902.
وتابع: “طلب حنا صالح نسيم، أحد وجهاء بندر أسيوط شراء القصر وملحقاته بمبلغ 6000 جنيه، بحيث يدفع 600 جنيه عام 1902م ويتم دفع باقي المبلغ على أقساط لمدة 15 سنة بفائدة 5%. وقد أرسلت نظارة المالية لمجلس النظار موافقتها على الطلب، على أن يكون موعد التسليم نهاية عام 1906، وذلك وفق شروط حددتها الدائرة السنية”.
انتقاله إلى أنيسة ويصا
يكمل عبدالسميع: “وبحسب جرد عوائد أملاك حنا صالح نسيم، فقد صار القصر ملكا لورثته في عام 1925. وهم ابنته السيدة فلة حنا صالح، التي أوصت بأن يذهب ميراثها وهو الثلث لابنتها هيلين، وابنها عزيز حنا صالح الذي ورث حصة الثلثين. ثم حدث نزاع قضائي بين الورثة. حيث رفعت السيدة هيلين قضية ضد السيدة أنيسة ويصا بعد أن توفي زوجها عزيز بك حنا صالح، خال المدعية، طالبت فيها بفرض الحراسة على ميراث عزيز بك حنا، كونها تملك نصيب الثلاثة أرباع، بينما تملك زوجته أنيسة الربع فقط”.
لكن القصر آل إلى السيدة أنيسة، حيث توفي المورث الأصلي للقصر”حنا صالح نسيم” وهو مدين بمبلغ 176.000 جنيه. وقد آلت الأقساط السنوية للمنزل على عاتق زوجها عزيز بك، وقد أمدته بالأموال التي مكنته من سداد هذا الدين. وبذلك أصبحت دائنة لزوجها بمبالغ بلغت فوائدها المستحقة قرابة 50 ألف جنيهًا، وهو ما يفوق قيمة التركة. بالإضافة إلى أن زوجها أوصى أن تكون جميع أملاكه لزوجته بعد وفاته.
وبحكم قضائي صدر في 7\1\1942، أصبحت السيدة أنيسة هانم حنا بقطر ويصا، إحدى السيدات المرموقات بمدينة الفيوم. وسليلة عائلة ويصا الشهيرة، مالكة القصر. وكانت جملة الأطيان في وقفها، المؤرخ بتاريخ 27\4\1933، تبلغ 417 فدانا و4 قيراط و7 أسهم، في مديريات أسيوط وبني سويف والفيوم. وتم نُسبة القصر إليها في كافة الدراسات الحديثة.
استخدام سيء للمكان
ظل القصر مسكنًا خاصًا للسيدة أنيسة ويصا حتى وفاتها، ثم آلت الملكية إلى الدولة نظير ديون في عام 1972. وفي عام 1997 صار القصر مقرًا للحزب الوطني الديمقراطي المنحل حتى عام 2011، ثم أصبح مقرًا لمجلس الدولة بالمحافظة. ولم يتم إدراجه في عداد الآثار حتى الآن. رغم صدور عدة قرارات اعتبرته بناء ذات طراز معماري مميز لا يمكن هدمه. ومنها قرارات محافظة الفيوم أرقام 424، 441، 457، لسنة 1998، وقرار رقم 100 لسنة 2002، وقرار 312 لسنة 2003، وقرار مجلس الوزراء رقم 2606 بتاريخ 22\9\2010.
وتقول الدكتورة غدير دردير عفيفي، الأستاذة بكلية الآثار جامعة الفيوم، والتي تناولت قصر أنيسة ويصا في رسالة الدكتوراه خاصتها التي حملت عنوان “القصور في محافظة الفيوم خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين” في حديثها لـ«باب مصر»: “هذا القصر هام للغاية. وقد قمت بدراسته بشكل مفصل في عام 2010. وللصدفة، ومنذ فترة قصيرة كان علي إنهاء بعض الأوراق بأحد المقار الحكومية. لأكتشف أنني بداخل القصر، الذي للوهلة الأولى لم أتعرف عليه من هول ما لحق به من إهمال جراء عمليات التغيير غير المدروسة”.
وتكمل: “يمتاز هذا القصر بتصميمه الأوروبي وطرازه الرومانسكي، والمحزن أنه تم دهان حوائطه بألوان أخفت دهانات الحوائط الأصلية. حتى “الفرنتون” المدون عليه تاريخ بناء القصر بالأحرف الإنجليزية عام 1899. والذي يعد أثرا رسميا وليس تراثا فقط، تم دهانه باللونين الأصفر والأخضر بقصد طمس التاريخ وعدم إظهاره.
وتابعت حديثها: “تم تركيب صنابير مياه في حديقة القصر، وهو ما قد يساهم في زيادة تسرب المياه لباطن الأرض. ويسبب تلفا مباشرا لأرضيات القصر من الباركيه، والأسقف الخشبية والقرميد”.
منشأة أثرية
وتضيف عفيفي: “مع احترامي الكامل للموجودين في القصر، يجب التعامل مع المكان على أنه منشأة أثرية يجب المحافظة على شكلها الأصلي وعدم تشويهه. وعلى مكوناته المعمارية والفنية. لا أعارض استخدام الأماكن الأثرية واستغلالها من قبل الدولة. لكن يجب الاستفادة منها بالشكل الذي يحافظ على شكل وطابع المكان التراثي والفني الأثري. لا يصح ضم حجرة على حجرة أخرى، أو عمل فتحات جديدة في الجدران. عدم دهان المكان بالألوان التي تطمس معالمه الفنية الخاصة، ولا أرى سببا لذلك سوى التشويه”.
وتكمل: “صدمت من رؤية القصر، والذي يقع في قلب مدينة الفيوم، وفي موقع حيوي للغاية، وكنت أتمنى الحفاظ عليه. لذلك أطالب بالنظر إلى القصر ليعود مرة أخرى لشكله الأصلي، وأتمنى توثيق المكان كأثر”.
مطالب بضم القصر للآثار
في عام 2011 تقدم مفتش آثار بمحافظة الفيوم يدعى “رامي المراكبي” بمذكرة إلى الدكتور محمد إبراهيم، وزيرالآثار، طالبا فيها ضم قصر”أنيسة ويصا” للآثار. واستغلاله كمتحف إقليمي داخل محافظة الفيوم. ونقل مقر منطقة آثار الفيوم الإسلامية والقبطية إليه. نظم هو وزملاؤه وقفات احتجاجية طالبت بضم القصر، لكن دون جدوى.
تعرض القصر لعملية تخريب ممنهجة في التسعينات عندما كان في قبضة الحزب الوطني الديمقراطي. حيث خاطب الحزب القائمين على أمره بأن القصر آيل للسقوط وبه شروخ وتشققات حتى يمكنه هدمه. وقد حاول الحزب بيع القصر واستغلال موقعه المتميز، لكن وزارة الآثار تصدت لكل هذه المحاولات بشكل حازم.
وقال مصدر بالآثار الإسلامية والقبطية- رفض ذكر اسمه- إن تشويه القصر لم يقتصر على استقطاع جزء كبير من حديقته. بل تم تحطيم تمثالين من الحجر كانا في مدخل القصر. بالإضافة إلى التشويه الداخلي التي لحق بالزخارف الفنية.
وفقًا للمادة (12) من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983: يحظر استخدام المواقع والمباني الأثرية لأغراض تتنافي مع طبيعتها الأثرية أو تعرضها للخطر. ويعد القصر ذا قيمة تاريخية ومعمارية فريدة، يواجه الآن واقعا مختلفا ومغايرا، ويتعرض للإهمال، بسبب كثرة تردد المواطنين عليه لقضاء شؤونهم.