هل تلتفت وزارة الآثار إلى «منطقة البرديسي» في الإسكندرية؟

باستثناء وجود لافتة تشير إلى أننا في منطقة أثرية، لم يكن من السهل إدراك أن «منطقة البرديسى» في الإسكندرية تتبع وزارة الآثار. لا شيء آخر يدل على أننا في منطقة استثنائية. فالمكان- الذي يقع بداية من شارع النبي دانيال من جهة محطة مصر- عبارة عن أسوار حديدية مغلقة بالأقفال بإحكام، وممتلئة بالقمامة. وأمامها يفترش الباعة الجائلون بضاعتهم على الرصيف. بينما قاع المنطقة تحت مستوى سطح الأرض بعدة أمتار، ويتوسطها عمود مغطى بشكل لا يليق بمنطقة أثرية.

منطقة البرديسي الأثرية

الموقع هو جزء من بائكة أحد الشوارع الرئيسة لمدينة الإسكندرية القديمة؛ حيث كانت الشوارع الرئيسة تكتنفها بوانك معمدة على الجانبين لحماية المارة، ولإضفاء الطابع العمراني الفاخر على لمدينة. وجاء تسميتها باسم آثار “البرديسي” نسبة إلى أحد الشوارع القديمة بالمنطقة.

ويعد هذا الشارع من أقدم شوارع مدينة الإسكندرية، ويحمل طابعا أثريا وثقافيا مميزا جدا. لذلك كان من أولويات المناطق التي شملها التطوير في مدينة الإسكندرية. وتضمن البيان الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء أن الخطة تهدف إلى تطوير شارع النبي دانيال بطول نحو 750 متراً بتكلفة تصل إلى 143 مليون جنيه. ويتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل، وقد تم الانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى بالكامل.

أساطير وخرافات

عبر الدكتور إسلام عاصم، نقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، عن استيائه الشديد من وجود منطقة أثرية مهملة بهذا الشكل، خاصة بعد التطوير والتحول الذي حدث لشارع النبي دانيال. فليس مقبولاً أبدأ أن تظل منطقة البرديسي الأثرية هكذا، بل لابد من الاهتمام بها ورفع كفاءة النظافة فيها. وقبل تطوير الشارع، كان يتم استغلال هذه الأماكن الأثرية لتخزين بضاعة الباعة الجائلين الذين كانوا منتشرين في الشارع. فكانوا يتخطون السور الحديدي ويخبئون بضاعتهم في الداخل، بالرغم من تبعيتها للآثار!

وأوضح “عاصم” أن هذا المكان هو جزء من المدينة الرومانية القديمة، وتدور حوله الكثير من الأساطير والخرافات. وقامت البعثة الفرنسية بالتنقيب فيه في وقت سابق، واستخرجت عددا من القطع الأثرية المهمة التي تعود للعصر الروماني. والمكان يضم جزءا من الشوارع القديمة لمدينة الإسكندرية. مشيراً إلى أنه لا يمكن حاليا فتح المكان للزيارة، فهو ليس مهيأ لاستقبال الجمهور بسبب وجود سراديب مفتوحة حتى الآن تمر تحت مسجد ومقام سيدي عبد الرزاق الوفائي المجاور لها. بالإضافة إلى ارتباط المكان بالخرافات والأساطير، مما يستدعي تأمينه جيدًا قبل فتحه.

وأضاف أن هذا المكان نُسب إليه العديد من الخرافات والأساطير، من أشهرها خرافة اختفاء رجل وخطيبته فور سقوطهما في هذه المنطقة. وأيضًا خرافة أخرى شهيرة تقول إن هذا المكان يحتوي على سراديب، وعند عبورها تجد نفسك أمام أهرامات الجيزة!! وبالطبع كل هذه خرافات ليس لها أساس من الصحة.

صهاريج المياه

وأشار عاصم إلى أن تحت مدينة الإسكندرية يوجد عدد كبير جدا من صهاريج المياه. فقديما كانت مياه نهر النيل تصل إلى المدينة من خلال ترعتي المحمودية أو شديا. خلال فيضان النيل في مرحلة ما، ثم تنقطع المياه. لذلك نجد أن المدينة منذ العصور القديمة، تحتوي على عدد كبير من صهاريج المياه تحت شوارعها، والتي يصل عمقها إلى 10-15 مترا.

وتُعد أكبر الصهاريج الموجودة بالإسكندرية هي صهاريج النبيه الأثرية، وهي موجودة منذ العصر الإسلامي عند مقابر اليهود في منطقة الشلالات على عمق طابقين أو ثلاثة تحت الأرض. كما يضم شارع فؤاد أكبر من صهريج معروف. لذلك قد ترتبط خرافات الاختفاء في الواقع بهذه الممرات. بالإضافة إلى الصهاريج، توجد أيضا سراديب وخنادق (مخابئ) تم إنشاؤها خلال الحروب العالمية الأولى والثانية. ولكن معظم الموجود حالياً منذ الحرب العالمية الثانية.

وأضاف “عاصم” أن كل المساجد في إسكندرية التي تعود للقرن الـ19 توجد تحتها صهاريج، مثل مسجد العطارين ومسجد تربانة. فكان قديمًا لابد من وجود صهاريج تحت هذه المساجد. أما بالنسبة لمسجد النبي دانيال، فكان مكانه قديما منطقة مقابر كبيرة. والأضرحة الموجودة تحته ليست مدفونا بها أحد، بل هي مجرد مقامات تسمى شواهد رؤية للحكيم لقمان والنبي دانيال. وهذا يعني أنه تم مشاهدتهما في رؤية فقط، مثلما الحال في مسجد العطارين. أيضا مقام أبو الدرداء ليس مدفوناً بالإسكندرية، وإنما هو شاهد رؤية. وكذلك العز بن عبد السلام ليس مدفوناً بالقباري، بل هو شاهد رؤية. وهذه الشواهد كانت منتشرة في الإسكندرية في فترة ما.

مقترحات لاستغلال منطقة البرديسي

وعن إمكانية استغلال منطقة البرديسي الأثرية، قال إسلام عاصم إن هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تستخدمها الدولة لاستغلال هذه المنطقة، خاصة مع إعادة تطوير الشارع والمنطقة بأكملها. فيمكن إقامة فعاليات ثقافية أو معارض فنية، بالطبع بعد تأمين المكان لدخول الزوار. ولكن من الضروري أن تتوافق الفعاليات مع روح شارع النبي دانيال، حيث إن هذا الشارع يحمل عبق التاريخ. واستغلال منطقة البرديسي يجب أن يحمل الطابع الثقافي الذي يتماشى مع المنطقة.

وذكر مثالاً لإحدى الشركات الخاصة التي اتخذت أحد الصهاريج القديمة بشارع فؤاد وحولته إلى جاليري كبير. وأكد على وجود العديد من الأفكار والكفاءات التي يمكنها أن تطور المكان، ويمكن أن تنفذها الوزارة لهذه المنطقة، فيجب أن يكون هناك رغبة حقيقية في التنفيذ والتطوير.

اقرأ أيضا:

«حمور زيادة» في جزويت الإسكندرية: السوشيال ميديا أكبر تهديد للرواية

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.