هدم أم ترميم: مطالبات بالكشف عن مصير مئذنة مسجد «الغوري» بعرب اليسار
تشهد منطقة “عرب اليسار” التاريخية، أعمال إنشائية مستمرة على مدار الأسابيع الماضية، ضمن مخطط تطوير المنطقة والذي طال مئذنة مسجد الغوري المسجلة أثر برقم 159. وسط مطالبات بالكشف عن خطة التطوير ومصير المئذنة بعد الانتهاء منه.
مئذنة مسجد الغوري
أصبحت “مئذنة مسجد الغوري”، حديث الساعة بعد إزالتها دون إيضاح تفاصيل المشروع رسميا من قبل وزارة الأوقاف أو وزارة الآثار المعنية بترميم الأثر.
وندد المحامي ناصر أمين، بفك المئذنة، وكتب على فيسبوك: “كارثة ثقافية وتراثية، اكتشفت اليوم أن مئذنة جامع الغوري بمنطقة عرب اليسار بميدان السيدة عائشة قد تم إزالتها!!”.
وتابع أن هذا الجامع مصنف ضمن التراث الإنساني العالمي. حيث أنه أُنشأ منذ أكثر من 500 عام في عصر السلطان المملوكي قنصوه الغوري عام 1509 ميلادية.
وتساءل: “هل وزارة الآثار على علم بما تعرض له الجامع؟ يجب أن يتم فتح تحقيق علني وشفاف من قبل السلطات المصرية لمعرفة من المتسبب، كما يجب أن تخطر هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بتلك الإجراءات”.
ترميم المساجد
بحسب الموقع الرسمي لشركة المقاولون العرب، يتم ترميم مسجد الغوري ومسجد المسبح المقابل له. وتطويرهما بموافقة من وزارة الأوقاف المصرية،منذ عام 2018.
ويوضح الموقع الرسمي: “في إطار خطة الدولة للحفاظ على المواقع الأثرية والقضاء على العشوائيات وتوفير حياة كريمة للمواطنين. تقوم شركة المقاولون العرب تحت إشراف وزارة الآثار بترميم وتطوير مساجد (السيدة عائشة – مسجد المسبح باشا – مسجد الغوري عرب يسار). وهي 3 مساجد أثرية وتراثية تجسد حضارة 700 عام”.
مخطط التطوير الجديد
تواصل “باب مصر” مع محمد خليل، مدير شؤون مناطق آثار القلعة بوزارة السياحة والآثار، لمعرفة مخطط تطوير محور صلاح سالم الجديد والذي يمر بمنطقة “عرب اليسار”. وهي الضاحية الجنوبية المرافقة للقلعة منذ إنشائها، ومسجد الغوري والمسبح وميدان مسجد السيدة عائشة.
وقال خليل: “هل كل شخص يكتب أي شيء على مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن نرد عليها. وعند العمل على مشروع ترميم هل يتطلب مني نشر تفاصيله للجمهور؟”. ورفض الحديث عن سبب فك المئذنة أو خطوات الترميم المُتبعة لها.
مسجدا الغوري والمسبح
فيما كشف مصدر سابق بوزارة الآثار – طلب عدم ذكر اسمه – تفاصيل فك المئذنة، موضحا أن المنطقة تخضع لأكثر من مخطط بشأن توسعة طريق صلاح سالم.
ويقول: “حتى الخميس الماضي – لا يوجد تصريح رسمي من وزارة الآثار بشأن عملية الترميم على الرغم من أنها تابعة لها وبإشرافها”.
ويضيف لـ”باب مصر”: “مئذنة مسجد المسبح باشا تقع على الصف الثاني من مسجد الغوري. وبعض المرممين أوضحوا أن المئذنة الخاصة به عقبة. بالإضافة إلى أنها كانت في حال سيئة، ويتم تنفيذ أكثر من مخطط لتوسعة شارع صلاح سالم”.
وذكر أنه تقع أيضا “يعقوب شاه المهمندار” عقبة في المشروع. ويقول: “تم تعديل المخطط لتفاديها والابتعاد عنها”. مشيرا إلى أنه ضمن ترميم المسجد المُسجل أثر بوزارة الآثار، والآثار المُسجلة لا يتم هدمها أو نقلها. وعن مراحل ترميم المئذنة أوضح أنه تم فك المئذنة بعد مرحلة ترقيم الحجارة. وهي تتم عن طريق ترقيم حجر حجر من المئذنة وفكها وإعادة تركيبها بنفس الأرقام”.
وعلى حد وصفه هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ترميم مساجد. إذ يتم ترميم مساجد ميدان صلاح الدين – ميدان القلعة – و3 مساجد على وشك الانتهاء. وهي: مسجد “قاني باي الرماح”، مسجد “جوهر اللالا”، واللالا لفظ تركي يعني مربي أولاد الملك، ومسجد “المحمودية” نسبة إلى محمد الباشا.
“من المسؤول عن ترميم المساجد؟”، يوضح المصدر أن ترميم المساجد الأثرية تكون مسؤولية وزارة الآثار وبإشرافها. ولكن بتمويل وزارة الأوقاف لأن ملكيتها تابعة له، وذلك بحسب قانون حماية الآثار.
وتنص المادة (30) على: “تختص الهيئة دون غيرها بأعمال الصيانة والترميم اللازمة لجميع الآثار والمواقع والمناطق الأثرية والمباني التاريخية المسجلة. تتحمل كل من وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية وهيئة الأوقاف القبطية نفقات ترميم وصيانة العقارات الأثرية والتاريخية التابعة لها”.
ترميم المآذن
عن منطقة عرب اليسار، يوضح د. محمد أبوالعمايم، استشاري ترميم الآثار الإسلامية. أن لمنطقة عرب اليسار مسجدين مسجلين أثر: وهما مسجد السلطان الغوري، ومسجد الشيخ عبدالله خفير الدرب.
ويضيف لـ”باب مصر”: “لا تؤثر إزالة المآذن على العمر الافتراضي للمسجد. ولكن المئذنة مهمة جدا للجامع، وقيل أنهم سيعالجون التربة ثم يُعاد بناءها بالنسبة للغوري”.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها فك مآذن مساجد. ويوضح أن المآذن التي فُكت فيما قبل عام 1952، وحتى الخمسينات، هم مساجد «البرديني» بالداوودية، و«صرغتمش». أما حديثا «حسن باشا طاهر» ببركة الفيل، و«أيدمر البدري» بأم الغلام.
وفي تاريخ مصر هناك مآذن تم فكها ولم تُعاد مثل مئذنة مسجد “سيدي مدين” بباب الشعرية، ومئذنة مسجد “الأمير حسين” بمنطقة المناصرة.
وبالنسبة لأرض الأثر التي تعد جزءا من الأثر، هل هناك اشتراطات للتعامل مع المساجد الخاضعة للترميم والأراضي المحيطة بها. أجاب استشاري ترميم الآثار الإسلامية: “من المفروض ألا تفصل المساجد عما حولها من مباني وأحياء قديمة. الإخلاء حول الجامع مخالف لما يجب أن تكون عليه طبوغرافية المدينة القديمة”.
عرب اليسار التاريخية
في كتاب الخطط التوفيقية، ذكر علي باشا مبارك مئذنة السلطان الغوري ومنطقة عرب اليسار، ويقول: “ابتداؤه من آخر شارع المسيحية، أمام جامع مسيح باشا المعروف بالمسبح بميدان السيدة عائشة، وانتهاؤه إلى البراح المحصور ما بين سور القلعة وعرب يسار، وطوله مائتان وستون مترا، وبه جهة اليمين أربعة دروب، الأول درب الداوودي ليس بنافذ، الثان درب البرقع، غير نافذ، والثالث درب الدودة يسلك منه لشارع تحت السور، والرابع: درب الساقية، يسلك منه لشارع تحت السور أيضا”.
وتابع: “أما جهة اليسار فيها، العطفة الصغيرة، ثم عطفة المالح، ثم حارة المقدم، ثم حارة باشا، ثم درب المجرى . وكلها غير نافذة، وبه أيضا زاوية تُعرف بزاوية الشيخ عبد الله بها ضريحه يعلوه قبة مرتفعة، كانت متخربة ثم جددها ديوان الأوقاف وأقام شعائرها إلى اليوم، وبداخلها أيضا ضريح للشيخ علي البركاتي، ويجاورها سبيل متخرب بداخله مكتب لتعليم الأطفال”.
وبحسب دراسة نشرها المؤرخ أبوالعلا خليل في عام 2016. فإن عرب اليسار اسم يطلق على القاطنين أسفل قلعة الجبل جهة ميدان السيدة عائشة، ويذكر السحماوي في “الثغر الباسم”: “حي عرب اليسار ينسب إلى قبيلة آل يسار العربية وكان مائتين من أفراد هذه القبيلة يعملون ركابية بالإسطبلات الشريفة”.
ويستكمل كازانوفا في “تاريخ وصف قلعة القاهرة”: “وما لبثت منازل هؤلاء الركابية تتكاثر حتى أصبحت تكون قرية كاملة تحيط بالقلعة بالركن الجنوبي الشرقي تعرف بعرب اليسار”.
وأشار إليها المقريزى في “السلوك لمعرفة دول الملوك”: “وفى يوم السبت عاشر صفر عام 818هـ ابتدأ السلطان المؤيد شيخ بعمل السد بين الجامع الجديد الناصري وبين جزيرة الروضة ونودي بخروج الناس للعمل في الحفير المذكور فخرجت الركابة من عرب آل يسار ولم يتبق من أمير ولا مملوك ولا تاجر ولا سوقي حتى خرج في الحفير”.