«نون وفنون» .. يحتفي بإبداع الفنانات في يوم المرأة

تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة يفتتح في الثامنة مساء اليوم وحتى نهاية مارس بجاليري بيكاسو، المعرض التشكيلي «نون وفنون». يعكس المعرض الذي تشارك فيه 25 فنانة تشكيلية مصرية، التجارب الذاتية والمجتمعية للفنانات المشاركات، وإطلالة على استخدمهن الفن كأداة للمقاومة والبوح والتوثيق. بدأت النسخة الأولى من معرض «نون وفنون» في عام 1997، وهو معرض يتم تخصيصه كل عام من أجل إبراز دور التشكيليات المصريات في المشهد الإبداعي، ويضم كل عام أعمال لمجموعة من الفنانات على اختلاف تجاربهم الفنية.
فتاة من صعيد مصر
وحول المعرض تقول الفنانة التشكيلية د. مرفت شاذلي هلالي، مدير متحف الأمير وحيد الدين سليم بالمطرية: “المعرض يقام منذ عدة سنوات، بمناسبة يوم المرأة العالمي، واحتفالات المرأة وعيد الأم في شهر مارس، وأرى أن تلك الفاعليات الخاصة بالمرأة، تقوم بالتأكيد على دور الفنانات وخصوصية تجاربهم التشكيلية، التي يقومون بعرضها”. وتضيف: تمتاز طبيعة العرض في قاعة بيكاسو بالقدرة على الانتشار والوصول لأكبر عدد من المشاهدين، والفنانين، وذلك لموقعه المميز وتاريخه الطويل، وطريقة وخصوصية التنظيم للعروض.
وتتابع هلالي، أشارك في المعرض بعملين، العمل الأول باسم «فتاة من صعيد مصر» حيث اهتم كثيرًا بالموضوعات الخاصة بالمرأة، والعوالم التي بداخل نفسية الأنثى وخاصة القادمة من الصعيد، ودائما ما استخدم العناصر والرموز الخاصة بطبيعة الحياة في الصعيد، ومن أشهر ما استخدمه ” الحمام والديك” وهذا موجود باللوحة، فهي رموز بطريقة أو بأخرى لتفاصيل عالم المرأة في الجنوب، ويمثل الديك بالنسبة لي العادات والتقاليد التي تحتاج لمناقشة، وتمثل ظاهرة تضغط على المجتمع، وأرى اننا نحتاج لإعادة النظر في أشياء كثيرة من حولنا.

أما العمل الثاني فهو عبارة عن منظر طبيعي لمنطقة غرب سهيل بالنوبة أسوان، اهتم كثيرًا بتصوير المناظر الطبيعية، واحببت المشاركة بلوحة تعبر عن جمال الطبيعة وخصوصيتها في جنوب مصر، ما أشارك به في المعرض هي أعمال تعبر عني وعن أصولي كفنانة من جنوب مصر. وتواصل الفنانة: “هناك تجارب كثيرة لفنانات مصريات، ملفتة للنظر ومميزة، وهذا يعود لأن الفنانات المصريات، سواء من الجيل الجديد أو الأجيل السابقة، لديهن المزيد من المثابرة والاستمرار في التجارب، كما أن لكل فنانة من المشاركات لديها تجربة إبداعية مختلفة، وخصوصية شديدة الثراء، في مختلف المجالات الفنية فضلا عن أن كل فنانة مشاركة بالمعرض تتبع منهج مختلف في مجال الفن التشكيلي. وتختتم هلالي حديثها وتقول: ” أنا سعيدة جدا لوجودي وسط الفنانات المصريات المشاركات في المعرض، وبالرغم من أننا من أجيال مختلفة، إلا أن ما يجمعنا هو حب الفن”.
يعكس دور المرأة الفنانة
ومن جانيها تقول الفنانة التشكيلية أمل نصر، أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية: شاركت كثيرًا في معارض جماعية، لكن هذه أول مرة أشارك في قاعة بيكاسو، وأرى أن «نون وفنون» معرض هام للغاية، فهو يضم أعمال مجموعة كبيرة من الفنانات المتميزات، وكانت الاختيارات دقيقة، كما أن فكرة معرض يضم أعمال 25 فنانة تعكس دور المرأة الفنانة في الحركة الفنية المصرية، كما أن المعرض يضم شرائح مختلفة من الفنانات، وهو ما يعطي الفرصة لمشاهدة تجارب فنية مختلفة، والتعرف على تجارب متنوعة لفنانات، وهو ما يعكس حركة الفن التشكيلي المصري.
وتضيف: «العمل الفني يتم تقيمه كونه عمل فني، بغض النظر عمن قام به فنان أو فنانة، ويرجع التقييم لقيمة العمل، والفن النسوي يطلق على أي عمل يهتم بقضايا المرأة، وهناك رجال من الفنانين اهتموا كثيرًا بقضايا المرأة، وقاموا بتصوير دراما حياتها. وتواصل: أشارك بعمل يعد جزء من تجربتي الخاصة التي اهتم فيها بالتراث الإنساني والحضارات القديمة، وهذا العمل على وجه الخصوص مستلهم من النسيج القبطي، فهو يضم مجموعة بورتريهات ذات العيون المحدقة، وبه جزء يصور الحصان الشبه مجنح. اخترت الفارس على الحصان الشبه مجنح، لدلالات في الفن القبطي، كما استهوتني كثيرًا البورتريهات ذات العيون المحدقة أو المتسعة، حيث يقال أن تلك العيون لا تنظر للعالم الخارجي، ولكنها تنظر إلى الداخل وإلى النور الداخلي، لذا حاولت أخذ تلك المفردات ذات المرجعية التاريخية، وقمت بصياغتها بشكل معاصر في اللوحة التي أشارك بها». وتختم: “أرى ان أي حراك فني هو حراك هام للغاية، وأن وجود عدد كبير من الفنانات على اختلاف تجاربهم الفنية في مكان واحد، يساعد على رؤية إبداعات مختلفة ومتنوعة وثراء التجارب الفنية ومسارتها الإبداعية”.

كل يوم هو عيد للمرأة
وتقول الفنانة التشكيلية، هالة شافعي عن مشاركتها بالمعرض: ” تأتي أهمية المعرض كونه يتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، واحتفاء بحصولها على الكثير من حقوقها، التي طالبت بها مثل حقها في العمل وحقها في ممارسة العديد من الأنشطة السياسية والاجتماعية، وفي نفس الوقت احتفاء برائدات العمل النسوي، اللائي سعين لنيل تلك الحقوق، والتذكير بهم وبما قمن به من دور عظيم، لأن ما وصلنا له اليوم من حقوق، كان نتيجة مشوار طويل قامت به الكثير من السيدات حول العالم لنيل تلك الحقوق.
وتضيف شافعي: أعتقد أن كل يوم هو عيد للمرأة، فهي ليست نصف المجتمع فقط، بل هي أساس الحياة، فهي البيت والأسرة والكيان، هي الحاضنة والمربية والحارسة، كما أنها تقف كتف بكتف جوار الرجل، وليس من الأنصاف الاحتفال والاحتفاء بدورها في هذا اليوم، لكن بالرغم من ذلك فإن يوم 8 مارس، هو يوم هام للتذكير بحقوق المرأة وما وصلت له.
حدائق الجنة
وحول العمل الذي تشارك به شافعي تقول: أشارك بعمل ضمن مجموعة من اللوحات اسميتها «حدائق الجنة» وهناك مجموعة أخرى من اللوحات موازية لها اسميتها «أنهار الجنة»، وهو مشروع بدأت العمل عليه منذ عام 2020 ومستمرة في تكملته من آن لآخر، وهو عبارة عن مجموعة لوحات صوفية وتأملية تنتمي إلى المدرسة التجريدية، والفكرة عبارة عن استخدام الخيال في تصور شكل الجنة وحدائقها وأنهارها، فهي تعبر عن رؤيتي الخاصة في تخيل شكل الجنة، وكيفية بلورة الفكرة واستخدام الألوان الباستيل والاكريلك، في التعبير عنها، وتناولت الموضوع بشكل معاصر ، بعيدا عن التصورات الدينية في هذا الشأن.

وتتابع، أرفض مصطلح الفن النسوي، فهو يضع أعمال الفنانات ضمن قالب أيديولوجي قديم، فنحن لا نختلف عن الفنانين الرجال، وعندما ننتج فناً فأننا نعبر عن قضايا المجتمع، لذلك لا يصح تقسيم الفن إلى نسوي وآخر ذكوري. وأرى أن الفن اليوم يزخر بإنتاج مذهل للفنانات، في مصر والعالم، وأصبحت اسهامات التشكيليات في جميع مجالات الفن مميزة، كما دخلت الفنانات مجالات كان يصعب الدخول فيها مثل النحت واستخدام خامة الجرانيت وغيرها من الخامات الصعبة، وبالرغم من ذلك لا تزال هناك عقبات أمام الفنانات، وعلى سبيل المثال لو نظرنا لأعداد البنات الملتحقات بالكليات الفنية سوف نجد عددهن يساوي أو يزيد عن أعداد الذكور، لكن القليلات منهن يكملن طريق الفن ويتفرغون له، ويصبحن فنانات معروفات.
وتضيف: جميعنا نعلم أن السبب هي الأدوار الكثيرة التي تقوم بها المرأة في الحياة وهو ما يجعلها مكبلة بالضغوط الكثيرة التي يفرضها المجتمع، واستطيع القول أن المشكلة الأكبر أمام أي فنانة، هي إيجاد الوقت للتفرغ لمشروعها الفني، وهي مشكلة صعبة، وهناك من استطعن التغلب عليها من الفنانات، لكن أيضًا هناك من فشلن واختفين للأسف، فهو تحدي كبير.
النساء يقرأن
أما الفنانة التشكيلية أسماء النواوي، فترى أن معرض “نون وفنون” هو بمثابة طقس سنوي للاحتفاء بالأعمال الفنية التي تم إنتاجها على أيدي نساء مصريات، وهذا هو أساس الفكرة بعيدا عن الحركة الفنية النسوية الغربية، حيث ترى أنه بالمقاييس العالمية لا يوجد في مصر حركة فنية نسوية، حيث أن المجتمع المصري مجتمع محافظ.

وحول مشاركتها في المعرض تقول: أشارك في المعرض بعمل من المجموعة الفنية التي اسميتها ” النساء اللواتي يقرأن، يعشن في خطر”، وفكرتها تتلخص في أن المجتمع المصري إلى الآن لا يزال مجتمع ذكوري بجدارة، يؤمن بمحدودية دور الأنثى و لا محدودية دور الرجل، بالرغم من كون الحياة مبنية على التساوي والمشاركة بين الأثنين.وتضيف: تضم اللوحة التي أشارك في «نون وفنون» بنتين يقرأن في كتاب، ومن خلال الكتاب تتطاير عرائس من الورق الأبيض في فراغ اللوحة، كأنهما في حلم، وترمز تلك العرائس إلى الأفكار التي تأتي نتيجة القراءة، فأنا أرى أن المرأة التي تقرأ تتمتع بعقل راجح، وصحبة جميلة لا يدخل إليها الملل وهي متطورة بشكل دائم، وأن عدم القراءة يجعلها محدودة الفكر والثقافة، لا تستطيع أن تكون مفيدة حتى لنفسها ومجتمعها.
تتابع، أشارك في الحركة التشكيلية منذ عام ٢٠٠٠، عندما كنت طالبة، وتعد مشاركتي الثالثة، فهو من المعارض الهامة التي تحتفي بإبداعات المرأة المصرية، كما أني أشعر بالسعادة لمشاركة مبدعات عديدات في مجال الفن، حيث نتشارك الأفكار والموضوعات الملهمة، وأرى أن جاليري بيكاسو له مكانة كبيرة وسط المجتمع الفني، فيكفي هذا العُرس والاحتفال السنوي بالمرأة، والفنانات على وجه الخصوص وتختتم النواوي حديثها وتقول: أريد أن أقول لكل امرأة أنها روح المجتمع، وأنها لا بد أن تعي جيدًا أنه بالرغم من مسؤولياتها الكثيرة، فإن أهم مسئولياتها هي احترامها لذاتها.