نهاية قرية الفخارين بالفسطاط.. تاريخ يُمحَى بدون قرار رسمي
في تطور مفاجئ، بدأت أمس أعمال الهدم في قرية الفخارين بالفسطاط، إذ فوجئ مُلاك المباني بالقرية بوجود معدات هدم في المكان، ليبدأ محو تاريخ يقدر عمره بقرن من الزمان، بدون سابق إنذار أو تقديم أي قرار رسمي يُبرر سبب الهدم ويُلزم المُلاك بإزالة المباني.
لا أسباب للهدم
تتكون قرية الفخارين من ثلاثة مبان اثنين منهم هما مدرسة الشيخ عابدين وشيخ الفخارين الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى عام 1920، والمبنى الثالث هو درب 1718 للفنون المعاصرة.
تلقى الشيخ عابدين ومعتز نصر الدين الفنان التشكيلي والناشط الثقافي، إنذارا شفهيا بالهدم في نهاية يوليو 2023، ليتقدم نصر الدين على الفور إلى مجلس الدولة برفع دعوى قضائية بسبب هذا الإنذار غير المسبوق بإصدار قرار الهدم.
تثار العديد من التساؤلات حول أسباب الهدم، حيث يعتقد عائلة أشرف عابدين ومعتز نصر الدين أن هذا القرار يمكن أن يكون نتيجة لخطأ تنظيمي. خاصة بعد تقدمهم في وقت سابق ببدائل إلى الحي، من بينها قطعة أرض بديلة بالأمتار الثلاثة التي طلبها مسؤول من الحي.
حاول “باب مصر” التواصل تليفونيا أكثر من مرة مع أحمد عابدين، حفيد الشيخ عابدين، لكنه أغلق هاتفه منذ بداية اليوم. ويروي معتز نصر الدين كواليس الهدم قائلا: “تفاجئنا أمس الخميس بوجود آلات الهدم والبدء في الهدم في المبنيين المقابلين لدرب 1718 وهما تابعان لمدرسة الشيخ عابدين”.
ويضيف: “أصر المقاول والعمال على الهدم رغم عدم وجود قرار رسمي معهم، وبدأوا في الهدم دون سابق إنذار”.
فرصة للسرقة
أتاح الهدم فرصة للصوص للتواجد في محيط قرية الفخارين وسرقة كل ما يمكن بيعه، بحسب شاهد العيان نصر الدين: “تفاجئنا بوجود لصوص أثناء الهدم تسللوا إلى المكان وجمعوا كل البوابات المعدنية و متعلقات أخرى يمكن بيعها”.
ويتابع: “مثلت عملية الهدم خطورة بكل الجوانب، سواء ثقافيا عبر محو تاريخ المدرسة التي يزيد عمرها عن 100 عاما بالمنطقة، وعلى أرواحنا بوجود اللصوص دون توفير تأمين للموجودين بالمكان، ونفسيا لسوء الضرر الواقع علينا بطردنا من المكان”.
وأوضح المقاول أن أمام درب 1718 فرصة عدة ساعات لإخلاء المكان قبل العودة لاستكمال الهدم. ويقول: “كيف أخلي مكاني دون معرفة التعويض المقابل أو سبب الإخلاء أو وجود ضرورة تستدعي بإخلاء المركز الثقافي”.
لافتا إلى أن عملية الهدم انطلقت في ظل غياب المعرفة الكافية بأهمية قرية الفخارين ودورها الثقافي والتجاري الهام في مصر.
عن خططه المتوقعة حال هدم درب 1718، رفض نصر الدين التعليق، موضحا أنه لا يتخيل حتى الآن أن الصرح الثقافي الذي أفنى عمره في تطويره منذ كان أرضا صحراوية، سيُمحى، وبدلا من ذلك تحدث عن أمله في مراجعة المسؤولين قرارهم حفاظًا على مركز ثقافي مهم وفاعل في مصر.
أصدر درب 1718 بيانا رسميا للتعليق على عملية الهدم، جاء فيه: “لقد بدأ الهدم في المباني بجانب درب 1718، حتى الآن لم نتلق إشعارًا رسميًا. لم تصلنا أي أوراق أو مستندات رسمية بخصوص الإخلاء أو القرار الرسمي بالهدم. لقد قدمنا للمسؤولين بدائل من شأنها إنقاذ درب 1718”.
متاجرة الطين القديمة
تعتبر قرية الفخاريين في مدينة الفسطاط بمصر القديمة واحدة من أقدم المناطق المخصصة لصناعة الفخار في مصر. يمتد تاريخها إلى أيام دخول عمرو بن العاص مصر والفتح الإسلامي. حيث تم تأسيسها كمركز لصناعة الفخار وتواصلت عبر الأجيال لتصبح تراثًا حضاريًا حيًا يعكس مهارة الحرفيين المصريين.
وقد استقطبت القرية العديد من الزوار والباحثين والفنانين الذين كانوا يأتون لاستكشاف تراثها الفريد والتعرف على فن الفخار. يتم نقل فن صناعة الفخار القديم في قرية الفخاريين من جيل إلى جيل. يقوم الفنانون بتحويل الطين إلى قطع فنية رائعة تعكس تراث وثقافة مصر العريقة. وتحتضن القرية حوالي 30 وحدة لصناعة الفخار بأشكاله وأنواعه المختلفة.
***
تاريخ صناعة الفخار في قرية الفخاريين يمتد لمئات السنين، ومع ذلك كانت تُمارس بشكل عشوائي حتى تم تطوير المنطقة بفضل منحة من الاتحاد الأوروبي في فترة حكم محافظ القاهرة السابق عبدالرحيم شحاتة. تم تحسين بنيتة التحتية وتوفير التدريب والدعم للحرفيين، مما ساهم في تعزيز الصناعة وزيادة جودة منتجاتها.
تستخدم صناعة الفخار في قرية الفخاريين أنواعًا مختلفة من الطين. بما في ذلك الطين الأسواني والأسبوكلي والبورسلين وطمي النيل. ومن بين هذه الأنواع، يُعتبر الطين الأسواني هو الأفضل جودة. يتم استخدام هذه المواد الطبيعية لصنع الأواني والأدوات المنزلية والتماثيل الفنية والديكورات التي تشتهر بها قرية الفخاريين.
بخلاف الدور الثقافي والتجاري، تعد مقصدا سياحيًا شهيرًا. حيث يقصدها الزوار من جميع أنحاء العالم لاكتشاف تاريخ الفخار المصري وشراء الحرف اليدوية الفريدة. بمرور الوقت، استطاعت قرية الفخاريين الحفاظ على تراثها الفني وتطويره، مما جعلها واحدة من المعالم الثقافية الهامة في مصر.
قرية الفخارين
يطالب نصر الدين بالحفاظ عما تبقى من القرية. يقول: “ينبغي أن يكون الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي أمرًا مهمًا لجميع الأطراف المعنية. حيث يشكل هذا التراث جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية ويعكس ثقافة وتاريخ مصر”.
في وقت سابق، عبر أحمد عابدين حفيد الحاج أشرف عابدين عن مطالبه بضرورة الحفاظ على المكان. وقال لـ”باب مصر”: نطالب بعدم إزالة درب 1718 ومدرسة عابدين للفخار وشيخ الفخارين، المطليين علي الشارع الواصل بين متحف الحضاره والكورنيش”.
اقرأ أيضا:
«درب 1718».. قرار «شفاهي» بهدم ملتقى الفنانين والحرفيين