«نظرة» للإنشاد الديني: رحلة ثلاثة منشدين من الصعيد إلى جمهور القاهرة

من قلب الصعيد، اجتمع ثلاثة منشدين من أسوان والأقصر على حب الإنشاد، ليؤسسوا معا فرقة «نظرة» للإنشاد الديني. لم يكن اللقاء الذي جمعهم في قاهرة المعز مصادفة، بل كان بداية لرحلة فنية تسعى إلى مزج الأصالة الصعيدية بروح العصر الحديث. في هذا الحوار، يكشف لنا محمود الإدريسي، أحد مؤسسي الفرقة، عن التحديات التي واجهتها الفرقة، ونتعرف على رؤيتهم لمستقبل الإنشاد الديني.

  • كيف كانت البداية وتأسيس فرقة «نظرة» للإنشاد الديني؟

أنا منشد من الأقصر، وجمعتني القاهرة وحب الإنشاد مع اثنين آخرين من الجنوب، وتحديدا من أسوان، وهما المنشدان “أحمد ربيع” و”محمد سعد”، حيث فكرنا في تأسيس مكان تعمه قيم المحبة والتسامح وحب النجاح للغير. وكان لدينا نحن الثلاثة اعتراض على ما تقوم به فرق الإنشاد، إذ نرى أنه من المفترض في المنشد أن يكون أقرب لله، وأن يملك حب الآخرين وحب الحالة الروحية التي تقربنا من الله.

لقد نشأنا وتربينا في الجنوب على التصوف، والمحبة، والمديح لآل البيت ومديح سيدنا النبي. وعندما نزلنا إلى القاهرة واختلطنا بالناس، ومن خلال العمل مع فرق الإنشاد، كان ما شاهدناه مختلفًا تماما عما حلمنا به وتربينا عليه. فقد رأينا أن الموضوع لا يتعدى كونه تجارة أو بيزنس وصراعات، وهو ما رفضناه نحن الثلاثة. لذا قررنا تكوين فريق مختلف يشبع ما لدينا من حب ورغبة في الإنشاد، مؤسس على المحبة، لا يعرف الصراعات، ويهدف إلى جمع محبي مديح سيدنا النبي وآل البيت.

  • كيف اخترتم باقي أعضاء الفرقة؟

بدأنا تجميع أعضاء الفرقة من خلال فرق الإنشاد أو أصدقاء الجامعة، وهناك من التقينا بهم في احتفالات أو مسابقات. كنا نختار أعضاء الفرقة ليس لحلاوة الصوت أو أفضليته، بل لأفضلية الذات ولصفاتهم الحميدة، وهل هو يصلح أن يكون مداحًا لسيدنا النبي ويليق به أم لا.

قد يكون من بين أعضاء الفريق من لا يملك صوتًا قويًا بالمعنى المعروف، لكننا جميعا نكمل بعضًا البعض، والأهم هو الحالة الروحية التي نكون فيها، والتي نقدمها ويشعر بها المتفرج. وهو ما يعجب به جميع الحضور، ونشاهده في ردود فعل الجمهور من سعادة وإعجاب بعد انتهاء العرض. وصل عدد أعضاء الفرقة الآن إلى 14 فردا، 9 منشدين وخمسة موسيقيين وإيقاعيين.

  • لماذا اخترتم اسم «نظرة» وهل له دلالة خاصة؟

جاء الاسم بمحض الصدفة دون تخطيط مسبق منا. فقد اجتمعنا نحن الثلاثة بعد أن اتفقنا على تأسيس الفرقة، لقراءة الفاتحة في مسجد مولانا الحسين، لتكون بداية مباركة. لم نكن قد اخترنا اسم الفرقة، وكانت أمامنا العديد من المقترحات، لكن لم نتفق على شيء بخصوص الاسم. ثم سمعنا أحد مريدي الإمام الحسين يقول بصوت عال: “نظرة يا سيدنا الحسين”، وهنا نظرنا لبعضنا وفي صوت واحد رددنا كلمة ” نظرة”، ومن هنا أطلقنا على الفرقة هذا الاسم.

  • هل تأثرتم بفرق ومشايخ ومنشدين قدامى؟

بالتأكيد تأثرنا بمن سبقنا من المشايخ والمنشدين، فهم القدوة لكل المداحين، وخاصة منشدي الصعيد. وإذا نظرنا، سنجد أن ما يقرب من 90% من منشدي مصر المعروفين والمشهورين من الصعيد. وبالطبع تأثرنا ببعضهم، لكننا نتابع كافة المنشدين على الساحة.

لكن لا ننسى بالطبع تأثرنا الكبير بالمنشدين الكبار، وعلى رأسهم (الشيخ النقشبندي، وطه الفشني، والشيخ البريني، وأحمد التوني) وغيرهم من المنشدين المعروفين.

  • هل هناك طقوس معينة تقومون بها قبل الصعود على المسرح؟ وما هو شعورك أثناء الإنشاد؟ وكيف يؤثر ذلك على الجمهور؟

بالطبع نحرص على أن نكون في أحسن صورة قبل الصعود على المسرح، مع الدخول في حالة من الصفاء الذهني والتركيز. لكننا أيضًا نقوم بشيء آخر لم يفعله غيرنا، فنحن لا نصعد للإنشاد ونحن نرتدي الأحذية، بل نلبس الجوارب. نرى أنه من العيب أن نقوم بالمديح ونحن نرتدي الأحذية، وذلك احترامًا وتقديرًا لذات من نمدحه “رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

كما اعتدنا بمجرد البدء في الإنشاد، أن ننفصل عن العالم من حولنا، وأن نكون في عالم آخر، وندخل في حالة روحانية خاصة، نستشعر فيها عظمة الممدوح صلى الله عليه وسلم. وهي ما يراها الجمهور وتصل إليه بشكل سهل وبسيط وسريع. لا نركز مع أحد بالرغم من أن التركيز كله يكون منصبا علينا، وهذا ما يميز فرقة “نظرة”.

  • هل هناك اختلاف بين الإنشاد الديني التقليدي القديم والإنشاد الآن؟

بالطبع يختلف الإنشاد تبعًا لتغير الزمن، مثله مثل الموسيقى. كل زمن له لونه الخاص وشكله. ليس هذا فقط، بل يختلف الإنشاد باختلاف المكان، حيث يختلف الإنشاد في الصعيد عن منطقة بحري، ويختلف في القاهرة عن قرى الفلاحين في الدلتا، كما يختلف أيضًا في المناطق الحدودية مثل الواحات وسيناء ومطروح.

وأرى أن هذا التطور في مجال الإنشاد عبر الزمن هو ما يحميه من الاندثار، وأرى أن الإنشاد في الفترة الأخيرة يمر بمرحلة عظيمة من الرواج، ويعود ذلك لوجود أسماء لامعة لمنشدين كبار على الساحة، بجانب البعض ممن يجتهدون لتقديم شكل جديد من الإنشاد غير التقليدي. وهو ما نعمل عليه في فرقة  “نظرة”، فنحن لا نقدم الأنماط التقليدية أو القوالب القديمة. ولو تناولنا بعض القصائد القديمة، نقوم بإعادة تلحينها وتوزيعها موسيقيًا من جديد. نحن نمتاز بأنه في كل حفل نقوم بإحيائه يكون لدينا برنامج جديد بشكل كامل، وهو ما لامسه الجمهور الذي أصبح يتابعنا كي يسمع ما هو جديد.

  • كيف يختلف الإنشاد في محافظات الصعيد عن محافظات وجه بحري؟

منذ ما يقرب من عقدين كان الإنشاد تقليديا بدون أي تطوير، فقد كانت القصائد مكررة، وكان استقبال الجمهور لها يفتقر إلى الحماس والشغف، فهم يتوقعون ما سوف يسمعون.

لكن منذ ما يقرب من خمس سنوات، بدأ دخول أفكار مختلفة للإنشاد وبالأخص في وجه قبلي والصعيد، دون المناطق والمحافظات الأخرى، حيث لا يزال الإنشاد فيها تقليديًا مثل محافظات وجه بحري. بينما الإنشاد في الصعيد له روح خاصة، حيث تغلب عليه البهجة والفرح.

على سبيل المثال، نجد في وجه بحري هناك قصائد يؤديها المنشدون مثل “قمر سيدنا النبي، المسك فاح، الله الله على نور رسول الله”، هذه القصائد لا ينشدها أي من منشدي الصعيد مطلقًا، فالإنشاد في الصعيد له مناهجه الخاصة وقصائده ودواوينه التي كتبها مشايخ الصعيد بأنفسهم، وهو ما يجعله مميزًا بشكل خاص.

  • وما هي أهم التحديات التي تواجه فرق الإنشاد الديني اليوم؟

أرى أن أهم التحديات هي الاستمرارية والانتشار في هذا الزمن الصعب، فالمنافسة ليست سهلة. فهناك العديد من الفرق على الساحة، سواء فرق الإنشاد أو الفرق الموسيقية بشكل عام. لكن الكثير من المتواجدين على الساحة، يسعون للكسب المادي فقط ويأخذون الإنشاد وسيلة لذلك.

نحن لدينا فكرنا الخاص النابع من حب الإنشاد، وليس غرضنا الشهرة أو المال فقط. بل نفكر في أن نليق بمديح حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، ونتشرف أن نكون من خدامه. فالثبات على ما بدأنا به وعلى أفكارنا هو التحدي الأكبر لنا.

  • هل يطلب جمهوركم أداء قصائد معينة؟ وهل يختلف الإنشاد في رمضان عن بقية العام؟

من أشهر القصائد التي يطلبها الجمهور على سبيل المثال: (رأيت الهوى، صف هو لي يا من رأيت الحب ليلًا، سر الوصول إلى باب الجناب العالي، على باب الكريم أتينا.. وغيرها من القصائد المشهورة).

في رمضان، يكون هناك إقبال على فرق الإنشاد. وقد يكون هناك العديد من الأشخاص وسط الجمهور لا يعلمون شيئا عن الإنشاد، لذا لا نلجأ إلى إنشاد القصائد الخاصة بنا أو الصعبة. بل ننشد القصائد المتداولة والتركات المعروفة، حتى يشعر الجمهور بسهولة في التجاوب معنا. فنحن لا نخاطب جمهور الإنشاد ومحبيه، بل جمهور متنوع من ثقافات واتجاهات. الفارق أن جمهور الإنشاد طوال العام ثابت، ويأتي إلى الحفلات لسماع الإنشاد. أما جمهور رمضان فهو متنوع وقد لا يسعى إلى الاستماع بشكل دائم إلى الإنشاد.

لذلك نتعامل مع جمهور الحفلات الرمضانية بإنشاد قصائد المديح المكتوبة العامية المصرية. كما ننشد القصائد السهلة التي قد لا تكون على برنامجنا خلال العام، مثل (قمر سدنا النبي، لجل النبي، المسك فاح، يا أم البشاير والمدد، في ساحة الحسين نزلنا، الله الله على نور رسول الله) وغيرها من القصائد المتداولة والمشهورة والمعروفة.

يختلف شكل الفرقة في شهر رمضان عن خطنا الثابت في الإنشاد، وذلك رغبة منا في إسعاد الجمهور، الذي نرى أنه صاحب الفضل الأكبر على فرقة نظرة، فهو أكبر داعم لنا. فنحن نتعامل مع جمهورنا ومحبينا على أنهم عائلتنا “عائلة نظرة”.

  • هل يختلف أداء المنشد في حفلة فنية عن الأداء في مناسبة أو ساحة دينية أو حضرة؟

بالطبع يختلف الأداء إذا ما كانت الحفلة على أحد المسارح مثل دار الأوبرا أو ساقية الصاوي، مقارنة بالإنشاد وسط ساحة أو حضرة دينية. فلكل مكان تفاصيله التي نهتم بها، كما يتوقف ذلك أيضًا على الجمهور والمستمعين للإنشاد، فهو أيضًا يختلف في تلك الأماكن.

جمهور الحضرة أو الساحة الدينية يكون في حالة روحية خاصة، يختلف كثيرًا عن جمهور الحفلات. فهو جمهور مُحب من المريدين، يأتي جميعهم إلى الحضرة وهم مهيؤون لها. ولا نحتاج لبذل مجهود كبير في إدخاله معنا في حالة روحية، ولا نهتم كثيرًا بالجانب الفني.

أما جمهور الحفلات فيختلف كثيرًا، فهو جمهور متنوع في الفكر والثقافة. ونهتم في الحفلات التي يحضرها بالجانبين الروحي والفني. وفي بعض الأحيان يطغى الجانب الفني على الجانب الروحي للإنشاد.

اقرأ أيضًا:

إذاعات الصعيد في رمضان: حكايات المكان وصوت الناس

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.