نجع حمادي.. قصة بلد عمرها 118 عامًا
تقع مدينة نجع حمادي بين درجتي “13– 16” شمالًا، ودرجتي “15– 32” شرقًا، وذكرها علي مبارك في مؤلفه “الخطط التوفيقية” بنجع أبي حمادي، وأنها نجع صغير فوق الشط الغربي للنيل على نحو ربع ساعة تجاه ناحية القصر والصياد، وقد وصف علي مبارك نجع حمادي “أبي حماد” بأنها ذات بساتين وفواكة ونخيل وأبراج حمام، وبها سوق دائم بحوانيت قليلة “القيسارية” ومقاه، وأن أبنيتها جيدة ومساجدها عامرة أحدها له منارة وأرضه مبلطة وله مطهرة حسنة وسقوفه من جريد النخل وخشبه “المسجد العتيق” وهو من أعمال الدائرة السنية.
كانت محافظة قنا في صدر الدولة الإسلامية كوره من ثلاثين كوره يتكون منها صعيد مصر، والكورة تعني المدينة أو الصقع، وهي إصطلاح يوناني قديم يؤدي معنى “الوحدة الإدارية”، وفي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري رأي الخليفة الفاطمي المنتصر بالله تغيير نظام الكور، فوسع حجمها فبلغ عدد الكور في مصر اثنين وعشرين كورة، إحداها كوره القوصية – مركز قوص حاليًاـ، حيث كانت مدينة قوص قاعدة الأعمال القوصية منذ قيام الدولة الفاطمية وحتى نهاية حكم المماليك، وفيه سميت الكورة عملًا أو إقليمًا وقسم كل إقليم إلى أقسام صغيرة تسمى بالكورة كما قسمت الكورة إلى قرى منها كورة “هو” وعدد قراها عشرون كانت تتبعها نجع حمادي.
ثم انتقلت الولاية إلى مدينة جرجا بعد أن اضمحل شأن مدينة قوص في أواخر العصر المملوكي، ولقد ادمج العثمانيون الأعمال القوصية كلها في ولاية جرجا، والتي كانت تمتد من أسيوط شمالًا وحتى وادي حلفا جنوبًا، وظهرت كور جديدة مثل كورة بهجورة كانت مدينة نجع حمادي تتبعها.
وظلت مدينة نجع حمادي تتأرجح في تبعيتها بين مقاطعة هو ومقاطعة بهجورة، وأحيانًا تكون المقاطعة باسم مقاطعة هو وبهجورة وتوابعهما حتى فصلت عنهما سنة 1281هـ، وفي سنة 1829م أنشئ قسم فرشوط، وجعل مقره بلدة فرشوط وكانت نجع حمادي تابعة له، وفي سنة 1886م نقل مقر هذا القسم إلى بلدة نجع حمادي مع بقاء اسم فرشوط عليه، وفي عشرين من فبراير سنة 1896م سمي بمركز نجع حمادي.
ولما كان بنجع حمادي أملاك الدائرة السنية فقد أنشأ فيها الأمير يوسف كمال، ديوان تفتيش لزراعة الدائرة، وعمارة كبيرة فيها مساكن المستخدمين وفوريقة لعصر القصب، وعمل السكر للدائرة السنية، مثل فوريقتا المنيا والروضة وكذا المخازن اللازمة لها وبدأ إنتاج تلك الفوريقة عام 1896م لتمويل افتتاح قناة السويس في ذلك العام “شركة السكر حاليًا” .
وكانت أطيان هذا التفتيش اثنان وثلاثون ألف فدان منها في أبي حمادي عشرون ألفًا، وفي القصر والصياد ثمانية آلاف، وفي بخانس أربعة آلاف، يزرع منها قصبًا نحو أحد عشر فدان والباقي يزرع حبوبًا، ويسقى قصبها بواسطة الوابورات المركبة على النيل في البرين الغربي والشرقي، وما زال أحد تلك الوابورات قائمًا ومحتفظًا بأدواته حتى الآن على الشاطئ الشرقي للنيل قرب قرية النجاحية والري المعتاد لتلك الأراضي يكون بفيضان النيل .
ولأطيان البر الغربي ترعتان إحداهما ترعة المصافنة وكانت تلك الترعة تخرج من النيل جنوب قرية هو وتتجه غربًا حتى تقترب من الجبل الغربي، ثم تتجه شمالًا، وتسير بمجازاته حتى جسر الطراد “طريق رفاعة”، لتروي بذلك أراضي قرية هو والقمانة وأبوعموري ونجوع غانم والعركي والدهسة، وردمت تلك الترعة حاليًا ولكن تخلف عنها ثلاثة قناطر أحدها عند الفم “الذي ما زال مفتوحًا” والثانية تقع بجسر الشيخ حسين، والثالثة بجسر الدهسة، وهما جاثمتين فوق الأرض، والثانية ترعة أبي حمار فمها عند قرية الكلح، وينقل القصب من زرع أبي حماد بواسطة الإبل ومن زراعة القصر والصياد وبخانس بواسطة صنادل تجرها وابورات بخارية بحرية مخصصة لذلك التفتيش.
ولقد أنشأ الأمير يوسف كمال، بنجع حمادي مدرسة ابتدائية سنة 1911، وبدأت بها الدراسة في نفس العام بفصل واحد للسنة الأولى، ثم نمت تدريجيًا حتى بلغت الفرقة الرابعة في عام 1915، وقد تبرع بالأرض وتكاليف البناء الأمير يوسف كمال، ثم أوقف على المدرسة بعد ذلك بعض عماراته السكنية بالإسكندرية، وفي سنة 1916م استبدل بهذه العمارات قطعة أرض كبيرة مساحتها ( 1050 فدان ) ترويها آلة بخارية كبيرة وكان يشارك المدرسة في هذا الوقف مدرسة الفنون الجميلة، وقد اشترط الأمير يوسف كمال أن يكون هو ناظر الوقف ويسلم الريع لوزارة المعارف للإنفاق منه على المدرستين، وبعد موته يتولى نظارة الوقف وزير المعارف .
كما بني الأمير يوسف كمال مجموعة معمارية بنجع حمادي، ضمت عدة مباني وملحقاتها ضمت بين جنباتها العديد من التحف الفنية الثابتة والمنقولة تعتبر درة للفن الإسلامي في صعيد مصر قام بدراستها أحد أبناء قرية الشاورية، وهو الباحث محمد عبد اللاه محمد في كتابة “بدائع العمارة والفنون في روائع قصور أسرة محمد على قصر الأمير يوسف كمال بنجع حمادي وما يحويه من تحف”.
المادة التاريخية أعدها الباحث محمود عبد الوهاب مدني، مدير الشؤون الأثرية بمنطقة أثار نجع حمادي.