“قلة” و”زير” ثلاجات يدوية من يد “شيخ الفخارين”
يداه ملطخة بالطين، فيما يحمل وجهه انعكاس صفحة الشمس، بينما تلفح حرارة نيران الفرن العالية جميع جسده؛ وهو يتجول داخل ورشته ويقف على دولاب الفخار، الذي يحركه بقدميه حركة دائرية من أجل تشكيل الطين ليخرجه في هيئة أدوات وأوان منزلية بنقشات جمالية لا يستغنى عنها المنزل.
إنه محمد أبو صلاح، شيخ الفخارين بمدينة دكرنس، من مواليد الدقهلية في 1960، ورث المهنة “أبا عن جد”، وعشقها منذ صغره وكبر معها، حتى أنه لم يكمل دراسته وخرج من التعليم، وهو في الصف الثالث الابتدائي، ليساعد والده في المهنة ويتحمل معه إعالة الأسرة.
يحكى “أبو صلاح” لـ”ولاد البلد” مهنة أجداده قائلا: المهنة دي خلاص قاربت على الانقراض والانتهاء، بسبب ابتعاد الشباب عنها ورفضه فكرة توريثها، لأنها مهنة شاقة جدًا وأموالها غير مرضيه بالمرة.
خطوات الصناعة
وحول تفاصيل هذه الصناعة القديمة يقول “أبو صلاح” إن هناك ثلاث أنواع للطين الذي يستخدم في صناعة الفخار، وهم الطين الأسواني، والطين طمي النيل، والطين البروسلين، وأفضلهم الطين الأسواني، ولكن نحن نستخدم هنا طين طمي النيل، الذي نأتي به من على شاطيء ترعة ميت الحلوج بدكرنس.
ويضيف أنه بعد الحصول على الطين نبدأ بعد ذلك في مراحل تصنيع الفخار، وننقه من الطين في حوض مياه كبير حتى يصفى من أي شوائب، ثم نقوم بعد ذلك بتخميره، ونبدأ في تشكيله بحسب المنتجات التي نريد تصنيعها، ثم نقوم بالرسم الجمالي على هذه المنتجات ونتركها يوميًا حتى تتجمد تماما وندخلها الفرن لمدة ثلاثة أيام على نار هادئة، وبعدها نحرقها على نار عالية جدًا لمدة ساعة ونصف الساعة.
“أنا باصنع القلة والزير اللي هما ثلاجة الناس الغلابة، وكمان أنا عندي ناس أغنية بتيجى مخصوص تشتري القلة لحد دلوقتي، لأن مياه القلة لها طعم ورائحة تانية تمامًا، وكمان باصنع ساقيات الحمام وقصاري الزرع ومجات الشاي مدون عليها الأسامي الشخصية، وطواجن المأكولات والزبادي” هكذا يقول صاحب الصناعة الأقدم في دكرنس.
مهنة إبداع
ويتابع قائلا “لا يوجد شكل معين لصناعة قطعة الفخار، فالعامل يصنع الشكل الذي يخطر بباله، فهي مهنة من الطراز الأول تشبه الرسوم الفنية والجمالية، فالطين مثل ألوان وفرش الرسام، الذي يرسم لوحته ويبدع فيها، هكذا أنا أبدع في إعداد نقوشات وأشكال زخرفية بالطين لتصبح على هيئه فازات وأنتيكات”.
وعلى بعد عشرات الأمتار من ورشة “أبوصلاح” يوجد فرش كبير على الطريق الرئيسي بشارع 6 أكتوبر بحي الفواخير بدكرنس، يعرض عليه أبوصلاح المنتجات التي يصنعها من الطين، وتساعده زوجته خلال فترة عمله بالورشة بالوقوف على هذا الفرش، من أجل بيع هذه المنتجات لتوفير لقمة العيش للأسرة.
وتعد صناعة الفخار، صناعة فرعونية قديمة، إذ أنتج القدماء منها أوانٍ وأدوات وتماثيل ذات أشكال بديعة، تحمل فوق سطحها نقوشًا تمثل بيئته ورموزه، فلا تكاد أن نجد مقبرة فرعونية إلا وتوجد بها آثار آنية مصنوعة من الفخار، وتطورت هذه الصناعة وأخذت تنتقل من جيل لآخر حتى ظهرت مع مضي الوقت بين عائلات تمتهن هذه الحرفة دون غيرها، وأصبح لهم منطقة كاملة تحمل اسمهم في مصر القديمة وهي منطقة “الفواخير”.
4 تعليقات