«سوق المزارعين» في الإسكندرية يُثير الجدل
فوجئ أهالي الإسكندرية بإقامة سوق للمزارعين في منطقة محطة الرمل التاريخية، ما آثار اعتراضات عديدة خوفا من تدهور المنطقة وتغيير ملامحها. وطغت تخوفات البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى نقل السوق إلى جراج سينما أمير، وهو موقع آخر يحمل أيضا طابعا تاريخيا ومن المعالم البارزة للمدينة.
وسط المعالم التاريخية
في البداية تم إقامة السوق وسط عدد من المعالم التاريخية والمزارات السياحية في منطقة محطة الرمل. حيث يقع فندق سيسل الذي يقترب عمره من مائة عام، وأمامه مطعم ديليس اليوناني الشهير، وكذلك فندق تريانون. بالإضافة إلى مبنى الغرفة التجارية بالإسكندرية الذي احتفل ببلوغه المائة عام. كما يتخلل المنطقة خط ترام الرمل الذي يُميز مدينة الإسكندرية، ويوجد فيها العديد من المباني السكنية القديمة والأثرية بالمنطقة.
واستجابة لهذه الاعتراضات، تم نقل السوق إلى جراج سينما أمير، وهو من العلامات المميزة أيضا لمدينة الإسكندرية ويقع خلفه المسرح الروماني الذي يُعد من أهم آثار الإسكندرية العريقة. وفي الوسط يوجد تمثال إسماعيل باشا، وبالفعل، تم إنشاء السوق في هذا المكان.
سينما أمير ومحطة الرمل
انقسمت أراء الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي بين من يرى أن هذا الموقع أفضل من موقع محطة الرمل، ومن يرى أن هذا الموقع أيضا تاريخي ومميز ولا يجب إقامة سوق للمنتجات الغذائية فيه. وأضاف آخرون أن المدينة بها العديد من الأسواق ولا يوجد ما يميز هذا السوق سواء في المنتجات أو الأسعار. فيما طالب البعض بتخفيض أسعار سوق المزارعين عن أي مكان آخر بالمدينة، ليشعروا بأنه سوق مميز، ودافع آخرون عن فكرة سوق المزارعين. مشيرين إلى أنها موجودة في العديد من دول العالم ويجب دعمها.
ويقول خبير التراث تامر ذكي في تصريح خاص لـ«باب مصر»: “محطة الرمل تعد واجهة معمارية حضارية لمدينة الإسكندرية، فهي الوجهة التاريخية التي تُعبر عن هوية وثقافة المدينة. لذا، يجب أن تكون الأنشطة والفعاليات المختلفة في قلب المدينة مناسبة لكافة الأبعاد الحضارية المستدامة التي تهدف إلى إظهار هذه العناصر بشكل مميز يعزز السياحة ويجذب الفعاليات السياحية والاستثمارية المتميزة”. وأضاف أن فكرة السوق رائعة حقا، وقرار نقله استجابة لهوية المدينة وثقافتها.
وتابع: نقل السوق إلى جراج سينما أمير أفضل من أن يكون في ميدان محطة الرمل، لكنه ليس الأفضل بالطبع. دعونا نعتبر الفكرة تحت التجربة والتقييم، ونثق أن القرارات المناسبة ستدعم تراث المدينة وثقافتها، وسيجد هذا السوق مكانه المناسب مستقبلاً.
من جانبه، صرح الدكتور محمد الدسوقي لـ«باب مصر»، أن إقامة سوق المزارعين خلف سينما أمير أفضل نسبيا، ولكن المكان غير مناسب تماما. وأشار إلى أن تمثال إسماعيل باشا وضع في مكان لا علاقة له به تاريخيا. فقد كان التمثال في الأصل في موقع الجندي المجهول بمنطقة المنشية. وكان يتجه نظره نحو البحر الأبيض المتوسط في إشارة إلى أن إسماعيل باشا كان يريد أن تصبح الإسكندرية جزءا من أوروبا. وكان التمثال هدية من الجالية الإيطالية، ووجوده في هذا الموقع الحالي يعد غريبا.
تاريخ الميدان
تعتبر منطقة محطة الرمل (ميدان سعد زغلول حالياً) واحدة من أهم الميادين التاريخية في الإسكندرية. تقع هذه المنطقة وسط المدينة، وتحيط بها مباني ومطاعم وفنادق قديمة وتراثية، تحمل كل منها قصة تاريخية. كانت محطة الرمل تعرف قديما بميدان المسلة، حيث كان يوجد بها مسلتان من أعمال الملك تحتمس الثالث. نقلت الملكة كليوباترا المسلتين من أمام معبد “القيصريون” تكريما لزوجها مارك أنطونيوس. وبعد وفاتها، أكمل أوكتافيوس نقل المسلة الثانية، في حين سقطت إحدى المسلتين جراء زلزال عام 1301.
وفي عام 1820، حصل القنصل البريطاني في الإسكندرية على موافقة الوالي محمد علي باشا لنقل المسلة المنبطحة إلى بريطانيا، لكن لم يتم ذلك. وفي عام 1875، وافق الخديوي إسماعيل على إهداء المسلة إلى بريطانيا لنصبها على ضفاف نهر التايمز. ووصلت هناك في أوائل 1878. أما المسلة الثانية، التي كانت مهداة لأمريكا، فقد نقلت في عام 1880 إلى نيويورك. حيث نصبت في ميدان سنترال بارك يوم 22 فبراير 1881.
شهدت محطة الرمل تحولا كبيرا حين قام المعماري الإيطالي أنطونيو لاشياك بتصميم المحطة عام 1887. مما غير ملامحها تماما وأصبحت منطقة حيوية تضم أنماطا معمارية مميزة وأنشطة تجارية متنوعة.
ظل اسم المنطقة ميدان المسلة حتى عام 1930، عندما طلبت حكومة النحاس باشا من الفنان محمود مختار نحت تمثالين لسعد زغلول. واحدا يتم وضعه في الإسكندرية وآخر في القاهرة. في عام 1935، أزيح الستار عن تمثال سعد زغلول في ميدان محطة الرمل، ليطلق عليه منذ ذلك الحين “ميدان سعد زغلول”.
اقرأ أيضا:
بمشاركة 23 فنانا ومصورا.. انطلاق فعاليات معرض «إسكندرونا: تراث المكس»