من سمهود إلى أبنود.. 5 معارك خاضها “القناوية” ضد الحملة الفرنسية
على عكس ما قد يُظن أن يوم 3 مارس عام 1799، الذي خاض فيه أهالي قنا معركة البارود ضد الحملة الفرنسية، هي المعركة الوحيدة في نطاق محافظة قنا، أو مديرية طيبة وقتها، لكن الحقيقة أن أهالي قنا خاضوا 5 معارك لطرد الحملة كانت “معركة البارود” أهمهم لأنها كسرت شوكة الفرنسيين، وكانت بداية انكسار للحملة كلها، لذلك اتخذت المحافظة ذكرى يوم المعركة عيدًا قوميًا لها، دون باقي المعارك.
كما يعتقد آخرون أن الحملة هُزمت بالمقاومة الشعبية لأهالي قنا فقط، بينما شارك في التصدي للحملة جنود المماليك، وجنود من عرب بلاد الحجاز، لمساندة إخوانهم في العروبة والإسلام، بعد أن دخلوا مصر عبر ميناء القصير بالبحر الأحمر، ليصلوا قنا عبر طريق الحج الذي كان مشهورًا وقتها.
معركة سمهود
بعد أن وصل خبر الحملة إلى الأهالي في قنا وبعد احتلال جرجا بالعنف والتخريب والتدمير، بدأ العلماء وخطباء المساجد حث الناس على الجهاد ضد المستعمر، وبدورهم تجمع الأهالي وتعاهدوا على مقاومة الحملة الفرنسية حال وصولها إلى بلادهم.
قرية سمهود تقع شمالي قنا، وهي إحدى قرى مركز أبوتشت في التقسيم الإداري الحالي، وصلها الفرنسيون يوم 22 يناير عام 1799، ليلاقوا حشدًا من الأهالي والمماليك والعرب، قدره المؤرخون بنحو 13 ألف مقاتل، تحت قيادة مراد بك زعيم سلاح الفرسان المملوكي وحاكم مصر المشترك مع إبراهيم بك وقتها.
كان يقود الحملة على قنا، الجنرال الفرنسي “ديزيه”، والذي علم بأنه سيواجه حشدًا هائلًا مستعدًا لقتاله، فنظم مشاة حملته إلى مربعين تحميهم المدافع من الزوايا ويقود كل منهما الجنرالين “فريان” و”بليار”.
صباح المعركة دارت مواجهة بين حشود الأهالي وجنود المماليك وجنود عرب الحجاز المتحمسين بسيوفهم ورمحاهم وبنادقهم القديمة، أمام جيش الفرنسيين المنظم، الذي يمتلك مدفعية حديثة وبنادق سريعة، لينتصر الفرنسيون ويواصلون الزحف مباشرةً لأسوان من الجانب الغربي للنيل، إذ لا توجد مدن كبيرة تقاوم.
معركة قنا
بعد معركة سمهود وهروب المماليك، تمكنت الحملة من الوصول للجنوب بالسير بمحاذاة الجانب للغربي والنيل وإقامة حاميات في إسنا، بدء عرب الحجاز والأهالي في تنظيم أنفسهم بقنا وقطع الإمدادات التي تصل من الشمال للجيش الفرنسي بالجنوب، ليرسل جيش الجنوب فرقة مكونة من 500 مقاتل بقيادة الضابط “كونرو”، بهدف التحكم في طريق الحج، ومنع القوافل بين مصر والحجاز.
بدأت المعركة يوم 13 فبراير 1799 بمجرد وصول الفرقة الفرنسية إلى قنا، بهجمات متتالية للأهالي لمدة يومين، تمكن فيها الفرنسيون من احتلال المدينة وإقامة مخافر بها وتأمين الشوارع المؤدية للنيل لمنع الأهالي من الوصول إليه واعتراض سفن المؤن.
معركة أبو مناع
حاول أهالِ المدن والقرى المجاورة دخول مدينة قنا لتحريرها من قبضة الفرنسيين بسبب التحصينات التي أقامها الجنرال “فريان” حولها، تجمع الأهالي ومعهم عرب الحجاز بقيادة الشريف حسن بقرية أبو مناع شمال قنا والتابعة لمركز دشنا.
عندما علم الجنرال الفرنسي بالحشود المرابطة بالقرية استعدادًا للقتال، بادرهم هو بالهجوم يوم 17 فبراير 1799، ليقتل منهم عددًا كبيرًا وينهب منازل القرية والقرى المجاورة ويحرقها.
اجتماعات قبل المعركة الفاصلة
بعد هذه المعارك اجتمع الجنرال “ديزيه” بقواته في مدينة قوص، للوقوف على حالة الجنود وطلب الدعم من مركز الحملة بالقاهرة، وأرسل إليهم خطابًا ورد فيه “إن دعاة الثورة مثابرون على نشر دعايتهم، وإن علينا أن نحارب 3 قوات مجتمعة وهم العرب القادمون من القصير، والمماليك، والأهالي، فليس من السهل إخضاع هذه البلاد، ومن الضروري لنجاح الحملة على الوجه القبلي أن ترسلوا لنا أولًا ذخيرة كبيرة من الرصاص، وكثيرًا من الأحذية”.
وعلى الجانب الآخر عقد أهالي قوص والقرى المجاورة اجتماعًا لمواجهة الفرنسيين، وقرروا التحري عن موعد رحيل القوات لمواجهتها متفرقة، ولما علموا أن الجنرال “ديزيه” سيرتحل إلى أسيوط يوم 2 مارس عام 1799، قرروا مواجهة الحملة شمال المدينة.
في يوم 3 مارس 1799، وصل الأسطول الفرنسي بعد انفصاله عن ديزيه، إلى قرية البارود التابعة لمركز قفط، ليطلق الأهالي الرصاص على السفن وترد المدافع لتصيب عددًا كبيرًا منهم.
ولما رأى الأهالي صعوبة المواجهة وثبوا إلى النيل ووصلوا عومًا إلى السفن ليقاوموا جنود الفرنسيين بالأسلحة البيضاء ويقتلوا عددًا منهم ويلقوا بالمدافع في النيل.
يدرك قائد الفرنسيين في المعركة، وهو الجنرال “موراندي”، أنه فقد السيطرة على السفن فيقفز هو وبقية جنوده منها، بعد إشعال النار في مخزن البارود، لتنفجر السفينة وتدمر، بينما يقفز قبلها المقاومون خلفه لإدراكه وقتله هو وجنوده.
بعد قتل الجنرال “موراندي” وتدمير سفن الفرنسيين وعلى رأسها سفينة “إيطاليا”، والاستيلاء على عدد كبير من أسلحة الفرنسيين الحديثة التي كانت تفتقر إليها المقاومة، تتحول الدفة ويصبح موقف المقاومة أقوى.
معركة قفط
بعد الهزيمة التي لحقت بالفرنسيين في “البارود”، سارع الجنرال “بليار” قائد المنطقة الجنوبية للحملة الفرنسية من تمركزه في إسنا على رأس كل جنوده إلا حامية صغيرة تركها خلفه، للثأر من المقاومة في قنا وقمعها.
تجمع العرب القادمون للمشاركة في المقاومة في سهل قفط، وعدد من المماليك، بعدما فاتهم اللحاق بمعركة البارود، ولحق المقاومون بهم للتخطيط لمقاومة رد فعل الفرنسيين على هزيمتهم، ولما علم “بليار” بتجمعهم، توجه لقتالهم في سهل قفط، ليلتقي الجمعان يوم 8 مارس، في معركة قصيرة انسحبت فيها جموع المقاومة للتمركز في أبنود مع باقي المقاومين، الذين رابطوا هناك في قصر يقع على النيل يملكه أحد المماليك بالأسلحة التي غنموها من معركة البارود.
معركة أبنود
لحق الجنرال “بليار” بالمقاومة المنسحبة، بعد معركة سهل قفط مباشرةً، عازمًا هزيمتهم وقمع المقاومة، لكنه لم يكن أنه سيواجه هذه المرة مقاومة مسلحة بسلاح ومدفعية حديثة، وبعد عدة ضربات من المدفعية الحديثة، استطاع الجيش الفرنسي الاستيلاء عليها، لكن مسار المعركة كان تحول للشوارع بالأسلحة البيضاء والشوم، لتكون الغلبة لأصحاب الأرض.
ولما شعر الفرنسيون بالهزيمة، أشعلوا النيران في منازل القرية، وتجمعت المقاومة في مسجد القرية، والقصر المملوكي، وحاصرتهم القوات الفرنسية، لتهدأ المعارك في مساء يوم 8 مارس، ويبدأ القتال في اليوم التالي، بإشعال النار في ساحات القصر لإرغام المقاومة المتحصنة على الخروج.
استطاع الفرنسيون قمع المقاومة واستعادة الأسلحة التي غنمتها المقاومة، لكن بخسائر كبيرة في الأرواح، ليخرج الجنرال من أبنود عقب انتهاء المعارك مباشرةً، ويذهب بجنوده للتمركز في مدينة قنا، والتحصن في أحد قصورها، والوقوف على وضع الجنود وإعادة ترتيب الصفوف والتواصل مع مركز الحملة.
يخرج المقاتلون العرب للتمركز في طريق الحجاز، ويذهب معهم بعض الأهالي، لينتقل سير المعارك بعدها بشهر إلى بئر عنبر ومدينة القصير للاستيلاء على طريق الحج، دون توقف لحركات المقاومة الشعبية للفرنسيين في قرى ومدن قنا في ضربات محدودة.
الموضوع رجع إلى كتاب النضال الشعبي لمحافظة قنا- أحمد موسى عبدالعظيم
3 تعليقات