من ديدان القز.. صناعة السجاد اليدوي من الحرير الطبيعي في نقادة
تشتهر مدينة نقادة في قنا بزراعة أشجار التوت منذ القدم، بسبب وقوعها غرب النيل. هناك تعمل السيدات في مزرعة إنتاج خيوط الحرير الطبيعي القائم على دودة القز التي يتم تربيها على أوراق التوت. تعمل مؤسسة النداء، القائمة على مشروع إنتاج السجاد اليدوي من الحرير، على تدريب وتوصيل السيدات للمزرعة.
خيوط الحرير
تغزل الفتيات بأناملهن الصغيرة الخيوط بدقة، ليصنعن منها في النهاية سجاد يدوي مصنوع من الحرير الطبيعي الملون، ويصدرونه للخارج.
وتشير زينب عبدالله حسين، إحدى العاملات في صناعة السجاد، أنها تأتي من قرية الحاجر كل يوم الساعة الثامنة صباحًا إلى المصنع. حيث الظهير الصحراوي بمدينة نقادة، المسافة بعيدة جدًا، لا نتمكن من السير على الأقدام. لذلك توفر لنا المؤسسة سيارة خاصة تقل جميع الفتيات والسيدات اللواتي يعملن في المصنع في جميع العنابر.
تقول: “بدأت العمل منذ عام ونصف، اعتمدت على ذاتي بعد أن تعلمت وأتقنت تلك الصناعة واجتيازي عدة تدريبات. لم أعمل على خيوط الحرير مباشرة، لأن سعرها مرتفع والعمل عليها صعب، فتدربت على خيوط الصوف. وبعد أن أتقنت المهنة بدأت صناعة السجاد”.
وتابعت: شجرة الحياة من أصعب الرسومات التي نعمل عليها، وإنتاج قطعها صعب ويأخذ وقت أطول في الصناعة. منوهة بأنها تطور نفسها دائمًا بمساعدة المدربين. فتعلمت كيف تنهي القطعة بجودة عالية الدقة.
السابعة صباحا
في السابعة والنصف صباحا، تجهز نادية محمد، سيدة تعمل في صناعة السجاد اليدوي، الإفطار لأولادها. ثم تخرج لتأتي إلى المصنع، فهي تستغرق نصف ساعة للوصول للعمل.
تصف نادية سعادتها بإتقان حرفة يدوية نادرة في نقادة، وأنها تصنع شيئا لم تكن تحلم بصناعته من قبل. فهي تبدأ عملها مع زميلة أخرى ويصنعان معًا سجادة واحدة كبيرة من خيوط الحرير الطبيعي.
وتكمل أنها من الساعة الثامنة تعمل على السجادة حتى الساعة الثانية ظهرًا. وأحيانًا تعمل حتى الساعة الرابعة مساءً حتى تكمل أكبر جزء منها. وهكذا تستمر في الصناعة طوال فترة العمل حتى يتم الانتهاء من القطعة الواحدة والبدء في الأخرى.
وتابعت: بعض الرسومات صعبة ولكننا نضعها أمامنا ونبدأ في الصناعة وإدخال وغزل وتشابك الخيوط مع بعضها بشكل جميل. وفي نهاية المطاف نعمل على صناعة سجادة يدوية جميلة مكتملة المنظر ذات جودة عالية.
وتشير نادية إلى أنها واجهت تحديات كثيرة على مستوى العمل، في تعلمها تعشيق الخيوط. وواجهت أيضا تنمر جيرانها عليها أثناء خروجها من المنزل كل صباح، ولكن في النهاية تغلبت على كل ذلك واستمرت في العمل. وحاليا ألحقت بناتها للعمل في المصنع أيضا.
صناعة جديدة
تستغرق بسمة محمود، أكثر من ساعة للوصول إلى مكان السيارة التي تنقلهن إلى المصنع، فهي تأتي من قرية حاجر دنفيق بنقادة يوميًا. وبدأت في العمل منذ عام مضي، فهي أول مرة تتعلم حرفة ترفع من مستواها المادي والفكري.
تقول: “كنت لا أخرج من المنزل أبدا ولكن خرجت بسبب العمل. ما جعلني أطور ذاتي في صناعة السجاد اليدوي، خاصة أنها حرفة جديدة في المحافظة”.
وتابعت: أعمل على حياكة العقد والخيوط والألوان، حتى أكمل الرسم على السجادة بشكل جيد ومتقن. مشيرة إلى أن بداية العمل كان الطريق صعب جدا، ولكن المؤسسة وفرت لهم سيارة خاصة تنقلهم حتى المصنع. لسرعة إنجاز العمل منذ الصباح الباكر.
تربية دودة القز
يقول إبراهيم عيد، مسؤول عن تربية ديدان القز بمؤسسة النداء: ” يوجد قسمان لتربية الأعمار الكبيرة من ديدان القز وآخر للأعمار الصغيرة، بالإضافة إلى غرفة خاصة بالبيض. مشيرا إلى أن الشرنقة الواحدة تصنع خيط يبلغ طوله ألف متر”.
وتابع: عندما تجف الشرانق نجمعها ونجففها حتى يمكن حل خيوط الحرير فيما بعد. فعمر دورة الدودة الواحدة يبلغ 30 يوما، بداية من إنتاج البيض وحتى الشرنقة، التي تتغذى على نحو 600 كيلو ورق توت خلال الدورة الواحدة.
تقول هند سمير محمود، مشرفة عنبر بالمؤسسة: “أعمل على تربية ديدان القز، فأتي صباح كل يوم لقياس درجة الحرارة والرطوبة بالعنبر. وأقوم ومعي 3 فتيات بتنظيف المراقد، وهي المكان الذي توضع عليه دودة القز وأفرع التوت. ونوزع الديدان على المراقد الأخرى حتى تتم عملية الشرنقة التي نصنع منها الخيوط”.
التوت الهندي
يحكى مصطفى محمود، مدير المزرعة، عن بداية العمل، ويقول: “بدأنا بعدد 20 فدانا منهم 5 أفدنة من أشجار التوت الهندي، من أجل تربية ديدان القز لإنتاج الحرير الطبيعي، ونستورد البيض من الصين وتتم تربيته على أوراق التوت”.
وبعد الانتهاء من مرحلة تربية دودة القز، نبدأ في مرحلة الشرانق، نجففها داخل المجفف، ثم نحلها من شرنقة صغيرة إلى شلة كبيرة. ثم نقوم بعمل “زوى وبرى” لها. ثم نبدأ في مرحلة إنتاج الحرير، ونصنع منه الفركة والسجاد، فجزء من تلك المنتجات يُصدر للخارج وجزء منها نشارك به في معارض ديارنا وتراثنا وداخل المحافظة والأماكن السياحية .
ويشير محمود أنه لدينا داخل المزرعة عدة عنابر منها عنابر دودة القز ذات الأعمار الصغيرة والكبيرة، وآخر لحل الشرنقة وإنتاج خيوط الحرير، وآخر لصناعة الفركة والسجاد اليدوي.
صناعة السجاد اليدوي
يقول على ماهر، مدير مشروعات بمؤسسة النداء بمحافظة قنا: “لأول مرة تتم صناعة السجاد اليدوي في محافظة قنا، رغم أن هذه الحرفة معروفة منذ العصر الأموي والعباسي، إلا أنه لأول مرة يتم تصنيعه داخل المحافظة من الحرير الطبيعي”.
وتابع: في البداية تم تدريب الفتيات على الصوف واستخدام خيوط الحرير الطبيعي، بدأنا برسومات بسيطة على الحرير، ولكن الآن يرسمن رسومات صعبة ومعقدة.
واستطرد: يوجد بالمصنع نول تبلغ مساحته نحو 40 مترا، ونظرا لأن هذه الصناعة تحتاج مهارة فائقة، يعملن الفتيات والسيدات على الفركة والسجاد، منهن من تعمل بالمبنى المجمع بالمزرعة، ومنهن من تعمل في المنزل، بعد توفير أنوال لهن للمساهمة في تحسين دخل السيدات لمواجهة ظروف الحياة الصعبة.
وينوه بأن المؤسسة اختارت التصميمات المرتبطة بالسوق، فنسوق منتجات الفتيات للبازارات والمعارض الدولية والمحلية، وتعمل المؤسسة دائمًا على تطوير التصميمات والألوان المختلفة، فتنتج الفتيات والسيدات اللواتي يعملن في المصنع أنواع مختلفة من الفركة والسجاد اليدوي.
صناعة عريقة
ويقول ماهر إنه يوجد بالمصنع 10 أنوال بمقاسات مختلفة، و10 أخرى موزعة على السيدات في منازلهن، وسيتم توفير 10 آخرين خلال الفترة المقبلة بعد تدريب الفتيات عليها، بالإضافة إلى الأنوال المخصصة لصناعة الفركة.
يختتم حديثه ويقول: صناعة الفركة سُجلت في التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، لذلك نحرص على إعادة إحياء صناعة الحرير الطبيعي والفركة في نقادة، وكذلك إعادة إحياء صناعة السجاد اليدوي، وهي صناعة فرعونية وإسلامية، وهدفنا أن تكون نقادة قلعة من قلاع صناعة السجاد اليدوي في نقادة.
اقرأ أيضا
«الملوك المنسيون والعرقوقة والكبت».. مشروعات تخرج تعبر عن البيئة بفنون الأقصر