من الغزوات للحضارات.. «طوابع وليد» تحكي تاريخ الدول
منذ 30 عامًا، اعتاد وليد حسني، الطالب في الصف الرابع الابتدائي بدولة الكويت، جمع طوابع البريد، بعدما أوضحت له مدرسة النشاط المدرسي، أهمية الطوابع في إرسال الرسائل، وتوثيق ثقافة الشعوب وتاريخها.
اليوم يمتلك وليد حسني، الرجل الأربعيني، الموظف بوزارة السياحة، والمقيم بدشنا، أكثر من 3 آلاف طابع، لأكثر من دولة، يحكي كل منهم حكاية.
“كانت باكورة مجموعتي من طوابع الكويت”.. يقول وليد متابعًا: “عندما كان يعمل والدي بوزارة الخارجية الكويتية، جمعت مجموعة تحتوي على طوابع تؤرخ لفترة حكم الشيخ صباح السالم الصباح، ثاني أمراء الكويت بعد الاستقلال، تولى الحكم عام 1964 وتوفي عام 1977، وتولى الحكم بعده الشيخ جابر الأحمد الصباح، وهو الأمير الذي عاصر الغزو العراقي للكويت في عام 1990، إضافة إلى طوابع تظهر فيها بعض المعالم السياحية والتاريخية للكويت مثل قصر الجهراء، والمسمى بالقصر الأحمر، ويعود تاريخه إلى عام 1869، وشيده الشيخ مبارك الصباح”.
طوابع نادرة
“دولة مصر” الاسم الرسمي لمصر، كما يشير إحدى الطوابع، التي وصفها وليد بـ”النادرة”، مضيفًا: “تحوي مجموعتي أيضًا طابع عليه صورة الملك فاروق الأول؛ في بداية توليه الحكم عام 1936، يظهر بملامحه الشابة، وطابع لهيئة البريد “بوستة مصر”، مدون عليه سعر 6 مليمات”، منوهًا بأنه كان باهظ الثمن، لأنه كان يجرى التداول عليه حينها كطابع تذكاري، تلقى وليد عروضًا عديدة بمبالغ تصل إلى آلاف الجنيهات، لشراء هذا الطابع، ولكنه فضل الاحتفاظ به لأهميته.
ومن الطوابع النادرة أيضا، طابع يعود إلى فترة حكم الملك فاروق عام 1951، وترجع أهميته التاريخية إلى أن اسم دولة فلسطين قد كتب باللون الأحمر أسفل اسم مصر، في إشارة إلى وضوح موقف مصر من قضية فلسطين منذ عهد الملك فاروق، مدونًا عليه سعر 10 مليمات، أي قرش صاغ، ما يعادل حاليًا 100 جنيه، ما يدل على ارتفاع ثمنه، هذا ما دفع حسني للتخلي عن أكثر من طابع نظير الحصول على هذا الطابع من زميل فصله الفلسطيني، أثناء إقامته في الكويت.
لكل طابع حكاية
يشير وليد إلى أنه بعد عودته من دولة الكويت استمر في ممارسة هوايته في جمع الطوابع، وبدأ يهتم أكثر بجمع الطوابع التذكارية، التي تؤرخ لحوادث معينة أو ترتبط بحكايات أو شخصيات أثرت في تاريخ الإنسانية، مثل الطابع الذي يؤرخ لمرور 100 عام على قيام الثورة العرابية، وقد وضعت صورة الزعيم أحمد عرابي، بينما كتب على جوانب الطابع جملته الشهيرة التي قالها أمام الخديوي: “لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو لا نُورَّث ولا نُستعبَد بعد اليوم”، وطابع آخر يؤرخ لذكرى ثورة القاهرة الأولى عام 1798، وقد طبعت صورة القائد عمر مكرم، يرجع تاريخ الطابع لعام 1973، وبلغ ثمنه 20 مليما، وطابع آخر يسجل تحول اسم البرلمان المصري إلى “مجلس الأمة” في عام 1957، وطابع يوثق لأول تعداد سكاني في مصر عام 1966، ومجموعة منتقاة لطوابع مصرية توثق لفترة الجمهورية العربية المتحدة، والتي تميزت بأنها لم تقتصر على معالم مصرية فقط بل ومعالم معظم الدول العربية مثل سوريا واليمن والصومال، تكريسا لفكرة الوحدة العربية.
لم يقتصر جمعه للطوابع على الطوابع التذكارية وذات التاريخ فقط، إنما جمع وليد مجموعة مميزة من طوابع الشخصيات، منها طابع الزعيم الشهيد أنور السادات، والذي أصدر كطابع تذكاري بعد اغتيال السادات في عام 1981، وقد احتلت صورة السادات بالزي العسكري وبجواره الاهرامات المصرية منتصف الطابع، بينما كتب أسفل الطابع “عاش من أجل السلام، واستشهد من أجل المبادئ”.
شوف الطوابع واتعلم
يستمر حسني في عرض ما لديه من طوابع من كل بلدان العالم، مثل الأرجنتين ورومانيا والاتحاد السوفيتي – قبل انهياره -، وطوابع من المملكة الأردنية الهاشمية في فترة حكم الملك حسين، ومن تشيكو – سلوفاكيا قبل أن تنقسم إلى دولتي التشيك وسلوفاكيا، وطوابع من نيكاراجوا، والهند، واليمن وباكستان، مؤكدا أن كل طابع يحتوي على وثيقة تاريخية وثقافية واجتماعية.
ويقول إن “اختراع الطوابع البريدية في حد ذاته اختراع عبقري، لأنه اختصر مصاريف خدمة نقل البريد عبر الدول والقارات، في مطبوع لا تزيد مساحته عن 5 سنتيمترات، إضافة إلى احتوائه على معلومات موثقة حول كل بلد، ما جعل هواية جمع الطوابع تمثل أحد مصادر التعلم والثقافة”.
الهواية في خطر
يبدي حسني قلقه من أن هواية جمع الطوابع في طريقها للاندثار، بسبب ضعف الاقبال على تبادل الرسائل بين الأشخاص واقتصار ذلك حاليا على المكاتبات الحكومية فقط، بسبب انتشار وسائل البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الالكتروني والهواتف الذكية، والتي أصبحت البديل العصري للتواصل بين الناس، متوقعًا أنه مع مرور الوقت ستتوقف الطوابع تماما حتى من المكاتبات الحكومية، ويستعاض عنها بـ”برينتات” إلكترونية، فتتحول هواية جمع الطوابع إلى منقرضة.
تعليق واحد