من السادات لـ«جميلة الإسكندرية».. فاروق إبراهيم: مؤرخ بالصورة
في معرض «الأسطورة.. فاروق إبراهيم» تفاجئت رغدة بوجود صورة لميدان الرمل بالإسكندرية، تظهر بها فتاتان بجانب رجل المرور، احتفظت بها على هاتفها لتسأل والدتها: “أنا بشبه على الصورة هي دي إنتي وخالتو!”، لتكتشف جميلة “الأم” بأن مصور الرؤساء قد وثق لحظة من حياتها.
بطلة صورة لفاروق إبراهيم
تروي جميلة محمد زيدان، صاحبة الـ70 عاما كواليس هذه الصورة، وقالت ضاحكة: “لا أتذكرها، ولا أتذكر أننا التقينا أو طلب مني تصويري، لأنه لو حدث لأعطاني نسخة من الصورة، ربما كان ظهورنا صدفة”.
تظهر بملامحه يافعة، رجحت جميلة أن هذه الصورة ترجع إلى عام 1969، وعمرها حينها ستة عشر عاما، وكانت برفقة شقيقتها التي تكبرها بخمس سنوات لشراء مستلزمات الزفاف.
في مكالمة لم تتعدٍ خمس دقائق، وصورة شاهدتها بالصدفة بعدسة فاروق إبراهيم، استرجعت جميلة لـ “باب مصر” ذكرياتها.
ولدت جميلة وعاشت بالإسكندرية “أجمل أيام العمر”، بين السينما كل خميس، والعشاء في الخارج، التنزه بالتروماي، قضت سنوات الشباب، وكانت ملهمة للمصورين في الستينات إذ ظهرت صورتها على غلاف مجلة أيضا.
الأسطورة لأول مرة
عبر 146 صورة اختارهم كريم فاروق إبراهيم. يجد كل زائر ما يبحث عنه، صورة نادرة لمشهور، مكان، موقف، أو حتى لأنفسهم بالصدفة.
نسقت الصور نادية منير، بجاليري أكسس، بوسط البلد، ضمن معارض أسبوع القاهرة للصورة، والذي يستمرحتى 28 فبراير الجاري يطل من خلال الصور أيديولوجية فاروق إبراهيم في التقاطها عبر عرض العديد من اللقطات النادرة.
أرشيفه الثري – يعتبره أبنائه إرثهم الوحيد – وحفاظا عليه ظل حبيس غرفة بالمنزل، جمعوا فيها مجهوده عبر 60 عاما قضاها في التصوير الصحفي، رافضين عرضه للبيع رغم استقبالهم الكثير من العروض من دول عربية وأجنبية لاقتنائه.
رغم ابتعاده عن السياسة، أو حال اقترابه منه كان يظهر الجانب الإنساني منها. شهدت الثورة على بدايته ونهايته في التصوير، وتزامنت بأن بداية عمله كمصور عام 1952 الذي شهد ثورة يوليو 1952، ونهاية التصوير في عام 2011 مع أحداث ثورة يناير ورحيله بعدها بشهرين.
كواليس المعرض
تواجد فاروق إبراهيم في العديد من المواقف والأحداث، لكن نظرته المختلفة وطريقة توثيقها فضلا عن علاقاته الشخصية مع عدد من المشاهير جعلته مصورا أسطوريا.
“فكرة إقامة المعرض لازمتنا لسنوات طويلة، لكن التوقيت كان العائق في كل مرة”. كان هذا رد هشام فاروق إبراهيم، النجل الأكبر “للأسطورة” كما يُلقب.
يتابع لـ”باب مصر”: “صاحب الفكرة هو كريم الأخ الأصغر، وهو الذي تحمس وبحث في الأرشيف لاختيار صور المعرض عبر أربعة أشهر”. ووصفها “دي ظرف واحد من أرشيف فاروق إبراهيم”.
استغرق المعرض وقتا طويلا للإعداد. إذ اختار كريم كل صورة وفقا لكادرات محددة، وبعضها احتاج إلى استخراجها من أرشيف “أخبار اليوم”: “أرشيفه كبير، صحافة وسياسة وفن وأحداث وأراد التعبير عن كل هذه الأعمال”.
وحاول من خلال هذه الصور إيصال أعمال فاروق إبراهيم للأجيال الجديدة. وإلى أي مدى له سلطة على الكاميرا ليوثق بها ما يريده، في مواقف مختلفة.
كل زائري المعرض أقروا أن المعرض دفعهم للشعور بحالة، “الجميع شاهد سعاد حسني وصلاح ذوالفقار وفؤاد المهندس لكن عدسة فاروق إبراهيم أظهرتهم بشكل مختلف”.
بين الأجيال الجديدة
تفاجأ أبناء المصور الراحل من إقبال الشباب على المعرض. يقول نجله: “اندهشت من رد فعل الأجيال الجديدة الذين لم يعاصروه، وهذا الأمر بالنسبة لي كان جائزة المعرض، أن أرى كل هذا الحماس من الشباب”.
شعر هشام بتعطش الشباب للفن الجميل الراقي. إذ زار بعضهم المعرض أكثر من مرة، “الفن الراقي موجود داخل الأجيال الجديدة لكنهم بحاجة إلى اختيار الموضوعات والقدوة”.
هشام صاحب الـ58 عاما يعد خزينة أسرار فاروق إبراهيم، باعتباره الأكثر معاصرة له وعملا معه كمساعد وصحفي منافس له. إذ جمعه عمل سابق في رئاسة الجمهورية: “كان خارج كردون المصورين لأنه مصور خاص لكن عاطفة الأب تغلبت وكان يساعدني”.
صورة وضحك ولعب!
روح فاروق إبراهيم المرحة، كانت واضحة في كل صورة التقطها. أجاد إظهار الجانب الإنساني لكل شخصية، وتوثيق لقطة لم يراها أحد من قبل لهذا الشخص – حال أنه من المشاهير.
“مشاهدة فاروق إبراهيم كانت تجعل الجميع يضحك كنوع من المودة والسرور والحب”. كان هذا وصف هشام عن نظرة والده للحياة والتي جسدها في صوره.
بالإضافة إلى سر موافقة كل شخصية على التصوير بأي وضع يطلبه فاروق. ويقول: “كان يمتلك من الجراءة ما يجعله يُشكل الشخص أمامه، وحاليا أصبح الوضع مختلف لأن الصور أصبحت وفقا لرأي الشخص وبالتالي فقد المصور روحه التي سيعبر عنها”.
وعن طقوسه في التصوير، كان يترك فاروق إبراهيم الكاميرا جانبا ويجلس مع الشخص ليتحدثان. ويتابع هشام: “كان يشترط في التصوير أن يكون الشخص بمفرده حتى يستطيع التعامل معه بحرية ويثق فيه وفي الكاميرا”.
الوجه الآخر للسادات
لكن عمله ووصوله إلى المشاهير جاء بعد رحلة طويلة من العمل والعناء، استطاع من خلالها إيصال الشخصيات بشكل مختلف.
أمام عدسة فاروق إبراهيم، لا يرى ملامح أو رتبة، بل شخص يود توثيق مختلف للحظات من حياته. ومن هذا المبدأ أصبح مصور شخصي في غرفة نوم الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
يروي كريم قصة موافقة السادات. ويقول: “هذه القصة ترجع إلى خروجه من العمل في أخبار اليوم لتصوير لقاء في القصر الرئاسي والصحفيين كانوا ملتزمون بحد للوقوف لكن فوجئ بوجود شخص أجنبي خارج الكوردون يصور كما يريد وله مطلق الحرية، فتعجب وسأل عنه وعلم أنه مصور أمريكي اختاره السادات لتصويره لكتاب”.
عاد فاروق إلى مكتبه وكتب خطاب للرئيس السادات، حدثه كابن. وقال له يا سيادة الريس أبنائك وأبناء مصر، بهم مصورون موهوبون ويستطيعون التصوير مثل أي أجنبي أو أفضل منه لأننا على علم بالأصول والعادات وكان من الأحرى اختيار مصور مصري من أبنائك”.
وأرسل الخطاب للسكرتارية الخاصة وفوجئ بالرد بعدها بـ 48 ساعة، وطلب لقاءه. فقال له السادات: “أعجبتني جراءتك وأنا مؤمن بأبنائي وأبناء مصر ووقفت عمل المصور الأمريكي وأوكلت لك هذه المهمة للتصوير لمدة 3 أشهر”.
لكن بعدما أعجب بتصويره، أصبح فاروق ملازما للسادات لمدة عام وثلاثة أشهر، حتى يوم وفاته بأمر من الرئيس السادات. كما قال هشام لـ”باب مصر”، ويتابع: “لم يكن المصور الخاص للسادات، بل المصور محمد رشوان الذي توفي معه على المنصة”.
أحداث المنصة
ومن الصدفة أنه يوم أحداث المنصة، كان من المقرر تواجد فاروق إبراهيم للتصوير. لكن لم يستيقظ في الموعد المحدد وبدأ العرض فقرر التصوير لكن من خلال شاشة التليفزيون. وفجأة حدث الاغتيال وتوفى محمد رشوان ولولا استيقاظ فاروق متأخرا للقي المصير نفسه.
كان لفاروق الحرية الكاملة لتصوير الرئيس السادات وأحيانا فتح غرفة النوم لتصويره. لكن لماذا خصص الرئيس السادات هذه المكانة الكبيرة للصورة على غير عادة الرؤساء والملوك؟
أجاب نجل فاروق إبراهيم، بأن السادات إعلامي من الدرجة الأولى آمن بأهمية الصورة ، بل وأنها أكثر أهمية من الكلمة.
حرق صور من الأرشيف
نفى هشام المعلومات المتداولة عن كريم بأن فاروق إبراهيم أحرق صورا من أرشيفه لأنه لم يرد أن يطلع عليها أحد بعد وفاته.
واستكمل لـ”باب مصر”: “لم يمتلك فاروق إبراهيم في أرشيفه صورة واحدة يخجل منها أو يرغب في عدم عرضها. لكن كريم كان صغير السن حين ذكر هذا الموقف. والحقيقة أننا بالفعل كنا نحرق صور يوميا، ولكنها كانت على ورق – دشت – للتجربة واختيار الصورة المقرر طباعتها. وكنت أحمل أوراق التجربة لحرقها حتى لا يستخدمها شخص آخر لأن للصورة حقوق ملكية ومن الممكن استغلالها رغم سوء الطباعة على الورق”.
فاروق إبراهيم والمشاهير
وعن علاقته بالمشاهير قال: “ما الذي جعل فاروق بهذه المكانة، أولا الثقة لأنه كان يصور الفنان أو الفنانة ويحصل على كل الصور بعد التصوير ويختار الفنان الصور التي يتعامل بها مع الصحافة ودائما جزء خاص وآخر للتعامل الصحفي”.
ووثق فيه الكثير من المشاهير، وحتى بعد رحيلهم لم يستغل فاروق أي صورة لفنان. وذكر هشام أنه في إحدى المرات التقط صورة للسادات وكان يقرأ ورقة اتضح بعد التصوير أنه خطاب لم يكن من المفترض تصويره”.
وعرض فاروق حذف الصورة وإعادة تصويرها. لكن من ثقة السادات فيه، قال له: “أبقى غمق الجواب في الصورة بس”، كما قال هشام.
اقرأ أيضا
أوراق من مذكرات مالكه.. حكاية فندق «شبرد» ملاذ الملوك ومُلهم الأدباء