من الأدب الفرعوني| «أوزوريس».. قتل وقطع فحكم «العالم الآخر»
الصورة المرفقة بالمقالة تحمل رخصة المشاع الإبداعي
وجدت قصة “الإله أوزير مع أخيه ست” في أجزاء متفرقة من أوراق البردي، لأن القصة الأشمل دونها المؤرخ اليوناني الشهير “بلوتارخ” عام 100م، والذي عنونها بـ”إيزيس و أوزوريس”، حسب ما جاء في كتاب “الأساطير المصرية القديمة”، لـ”دون ناردو”.
وقال ناردو في كتابه، إنه كان من عادة اليونان والرومان إعادة صياغة قصص المصري القديم، فقد اتخذت القصة الطابع الأسطوري الديني في رمزية للمعتقد الأهم في الديانة المصرية وهو البعث بعد الموت، فطبقا للقصة يقتل أوزوريس ويمزق إلى قطع ولكنه يبعث من جديد ويحيا حياة جديدة.
العصر الذهبي بـ أوزوريس
طبقا لعرض ناردو تبدأ القصة بالحديث عن العصر الذهبي لمصر، حين قرر مجلس التاسوع أن ينصب أوزوريس وإيزيس ملكا وملكة، أوزوريس هو من علم المصريين الزراعة والحصاد، وإيزيس هي الملكة الحكيمة الصلبة، ملمحًا إلى أن النقوش أظهرت أوزوريس باللون الأخضر، حيث اعتبر في تلك الفترة إله الخضرة والخصوبة والنماء.
تروي القصة أن الإله أوزوريس استطاع في فترة وجيزة أن يحقق الرخاء والاستقرار لشعبه، فغادر البلاد في رحلة لنقل التجربة المصرية إلى خارج مصر، لتخلفه إيزيس في حكم البلاد، وكان خروج الإله أوزوريس في رحلة طويلة من الأمور التي أثارت حفيظة وحقد أخيه ست عليه، فهو قاب قوسين أن يصبح حاكما للعالم وليس مصر وحدها، وبدأ ست يفكر في انتهاز الفرصة والانقلاب عليه، ولكن يقظة وحكمة إيزيس ردعته حتى عاد أوزوريس من رحلته الخارجية.
الخدعة
وبعد فترة، خرجت إيزيس في رحلة قصيرة، فانتهز ست الفرصة وتودد إلى أوزوريس. ثم أعلن إقامة كرنفال كبير على شرف أخيه الملك. أوزوريس الطيب استجاب ولبى الدعوة وحضر الحفل الذي احتشد فيه الناس.. لأن ست أعلن عن مفاجآت ومكافآت خلال الحفل.. وأثناء الرقص والغناء، وبينما أفرط معظم الحضور في شرب الجعة.. دخل عمال ست وهم يحملون تابوتا جميلا مصنوع من خشب الأبنوس المذهب ومرصع بالأحجار الكريمة.. وأعلن ست على الحاضرين أن يجربوا التابوت فإن ناسب أحدهم فيأخذه كجائزة.. وبينما تتوالى محاولات ضيوف الحفل الفاشلة لتجربة التابوت– إذ أن ست صمم تابوتا لا يناسب إلا أوزوريس- كان حراس ست يحجبون الرؤية عن العامة. وحين جاء دور أوزوريس لتجربة التابوت، ناسبه تماما.. وهنا أسرع ست بمعاونة رجاله في إحكام إغلاق التابوت.. ثم قام بصب الرصاص المنصهر عليه، حتى لا يفتح أبدا.. وحمله رجاله وألقوه في النيل، ليتنفس ست الصعداء قائلا:
“أخيرا تخلصت من ذلك المحسن عديم الفائدة.. وأستطيع أن أستمتع بما كان يجب أن يهبه رع لي منذ البداية”.. ثم أعلن ست نفسه ملكا للبلاد.
إيزيس
عادت إيزيس من رحلتها القصيرة لتكتشف ما حدث، “لقد غدر بزوجي الطيب”.. هكذا حدثت إيزيس نفسها.
وعلى الفور قصت شعرها ولبست السواد حداد على موت زوجها.. وشرعت في البحث عن جثمانه ليواري الثرى.. وتقام له جنازة لائقة، جابت إيزيس البلاد بجناحيها وأخيرا أخبرتها الآلهة بأن التابوت على ساحل فلسطين، فطارت إلى هناك لإحضاره.
الشجرة الطيبة
عرف إيزيس أن التابوت استقر قرب ميناء مدينة “بابليوس”.. وقد نمت فوقه شجرة أرز عملاقة أثارت دهشة الأهالي من عظم حجمها.. ما دعى الملك أن يأمر بقطعها لتوضع دعامة في قصره.. خصوصا أن تلك الشجرة كانت تصدر روائح عطرية جميلة.. أدركت إيزيس أم جسد زوجها في داخل الشجرة وأن الرائحة الطيبة هي “رائحة أوزوريس”.. فلما قطعت الشجرة ووضعت في قصر الملك، لم تيأس إيزيس وقررت أن تنقذ جسد زوجها.
المربية
تنكرت إيزيس في هيئة مربية واستطاعت بحلو كلامها وحسن تصرفها أن تقنع الملك والملكة بأن ترعى أولادهما، وتتفانى إيزيس في رعاية أطفال الملك وتستخدم قواها السحرية في درء الأخطار عنهم وشفائهم من المرض، وفي كل ليلة بعد أن ينام الجميع تتسلل خلسة إلى العمود الذي يحتوي جثمان زوجها وتبكي، ومع مرور الوقت وزيادة احترام الملك وزوجته لإيزيس أفصحت إيزيس عن سرها، فأمر الملك على الفور بشق الشجرة، ليظهر التابوت الذي يقبع في جسد أوزوريس، فحملته إيزيس عائدة إلى مصر.
14 قطعة
اختارت إيزيس أحراش الدلتا لتختفي عن عيون أعوان ست، ونجحت بمساعدة أختها نفتيس والإله تحوت في تحنيط جسد أوزوريس تمهيدا لإعداد مقبرة لائقة ودفنه بها، وأخفت الصندوق وبداخله المومياء في مكان بالمستنقعات، ولكن في إحدى المرات بينما كان ست يصطاد في أحراش الدلتا وقد خرجت إيزيس في شأن ما، يكتشف ست الصندوق ويتعرف عليه فيفتحه فيجد جثمان أخيه محنطا، أي أنه سيحيى من جديد، فيغضب ويقطع جسد أخيه إلى 14 قطعة وينثرها عبر مقاطعات مصر، لتدمير المومياء وحرمان أوزوريس من الحياة الأخرى.
الجانب الآخر
إيزيس مرة أخرى تجمع زوجها ولكن هذه المرة تجمعه وقد صار أشلاء، وعلى مدار شهور ترمم الجسد قطعة قطعة، وأخيرا تستخدم سحرها لتعيده إلى الحياة، وتحول إيزيس نفسها إلى طائر صغير لتدخل جسد زوجها وتستقبل بذوره وتحمل من وقتها بابنه وابنها، حورس المنتقم أما أوزوريس وكأنه قد عاد إلى حياة فقط، ليهبها لابنه المنتظر، يقرر أن يرحل إلى الجانب الآخر من الكون، في مدينة الموتى، ليتغير لونه الرمزي من الأخضر إلى الأسود بوصفه إلها للموتى.
أوزوريس الذي عوقب على طيبته وكرمه بالخيانة والقتل والتقطيع، قرر أن يحيا حياته الجديدة مع الموتى، حيث لا مكان للخيانة أو الغدر، وأصبح هو صاحب الكلمة الأخيرة في مصير المتوفي، فقبل عبوره عليه أن يقف أمام أوزوريس ليزن قلبه فإن كان له قلب خفيف دخل إلى نعيم حقول الايارو “الجنة”، وإن كان له قلب ثقيل فمصيره الجحيم.
هوامش
الأساطير المصرية القديمة “بي دي أف” – تأليف دون ناردو – ترجمة: أحمد السرساوي – مشروع الترجمة القومي 2011- من ص 41 إلى 48.
2 تعليقات