منتدى «مصطفى ضبع الثقافي»: نافذة للفن والإبداع في قلب الواحات

من قلب محافظة الوادي الجديد، وتحديدًا في قرية «القصر» التابعة لواحة الداخلة، ينبض منتدى «مصطفى ضبع الثقافي» بروح الفن والإبداع، حيث يظهر الأطفال والشباب بعض ما لديهم من طاقات واعدة، ويتعلمون التمثيل، ويعيشون تجربة العروض المسرحية التي تضيء ليالي الصيف. يلعب المنتدى دورا محوريًا في تحويل القرية إلى مركز ثقافي وفني، هنا نستعرض قصة المنتدى وتأثيره في حياة الأطفال والشباب بالقرية.

العمل الثقافي المرن

يقول مصطفى ضبع، مؤسس المنتدى والصالون الثقافي: “على الرغم من وجود أنشطة وزارة الثقافة في منطقة الداخلة بالواحات، إلا أننا نحتاج إلى الكثير منها. فنحن من المحافظات النائية، وقرية القصر التي أسكنها تبعد عن مسرح قصر ثقافة الداخلة مسافة 30 كيلو مترا. وهذا سبب مباشر في عدم تمكن الكثير من أبناء القرية، خاصة الأطفال، من الذهاب بشكل مستمر لحضور أنشطة بيت الثقافة”.

وتابع: في الكثير من الأحيان نحتاج إلى العمل الثقافي المرن، المتجاوز روتين العمل الثقافي الحكومي وخططه المرسومة وميزانياته المحدودة. وبصفتي مهتما بالشأن الثقافي والأدبي، كان الكثير من أطفال القرية من الموهوبين يأتون إلى منزلي كي يطلعوني على كتاباتهم سواء القصصية أو الشعرية. ووجدت نفسي مسْؤولا عن رعاية تلك المواهب.

وكان من نتيجة تكرار اللقاءات بيني وبين الموهوبين من الأطفال والشباب الموهوبين، التي كانت تتم في بيتي أو في حديقة عامة أو بيت الثقافة أو قاعة للمناسبات، إلى أن ظهر ما يمكن أن نطلق عليه حراك ثقافي. لاسيما أن عدد الحضور في تلك اللقاءات كان يتزايد بشكل مستمر. وهو ما يشير إلى أن هناك من يحتاج بشكل ضروري إلى تقديم للخدمات والتنمية الثقافية.

بداية المنتدى وأهدافه

يكمل ضبع: “في عام 2007 فكرت أن يكون هناك مسمى أو نشاط يجمع هؤلاء الشباب، وبالتعاون مع النشطاء والفنانين المحليين تم تأسيس هذه المبادرة. ولأني لست تابعًا لأي مؤسسة ثقافية، ولا أريد الدخول في دوامة الأوراق والتصاريح الرسمية والعمل المؤسسي، قررنا أن نقدم الخدمة الثقافية من خلال ملتقى ثقافي، استنادًا لكوني كاتبا، على أن يكون الصالون هو المظلة التي تدعم المواهب وتقدم لهم الخدمة الثقافية. وضعنا خطة استراتيجية لأهداف هذا الصالون”.

وأردف: “لم يأخذ الملتقى شكلاً محددا، بل خرج إلى أهالي القرية في الميادين، وتم توسيع قاعدة المشاركة، ودخل ضمن ما يقدمه فقرات للحكي والفن الشعبي والفنون الأدائية المحلية، كما تم التعرف على الخبرات الثقافية المحلية والاستفادة منها. وأصبح المنتدى حلقة وصل بين أفراد القرية من الموهوبين وبين الأماكن الثقافية الرسمية بقصد إدماجهم فيها”.

وبحسب ما وضعه ضبع ومن معه، تتلخص أهداف المنتدى في العمل على اكتشاف وتشجيع المواهب الأدبية ودمجهم في الحياة الثقافية، دعم المفكرين ودمجهم في الحركة الفكرية والأدبية، تشجيع ثقافة الحوار والتواصل الفكري وتقبل الرأي والرأي الآخر، بناء الإنسان المفكر المثقف الواعي الذي ينفع نفسه ووطنه، وتعميق الشعور بالانتماء للوطن. كما يهدف المنتدى إلى بناء جيل قوي ومثقف وواعي. يستطيع التفكير بشكل سليم ولا تجذبه الأفكار المتطرفة، قادر على التفكير بشكل سليم. بحيث يشكل حائط صد ودفاع قوي يحمي مجتمعه ويشكل وعيه ووجدانه ويحافظ على مقدراته.

أنشطة وورش مسرحية

ينظم المنتدى الورش لتعليم التمثيل والفنون المسرحية وإلقاء الشعر وغيرها من المهارات الفنية. وينضم العديد من الأطفال والشباب لتلك الورش فترة الإجازة الصيفية.

وعن هذا النشاط الصيفي، يقول ضبع: “فترة الإجازة الصيفية هي فترة نشاط المنتدى، حيث ننظم الفعاليات والأمسيات الثقافية، والورش الفنية. وتختتم الفترة بحفلة وعرض مسرحي ضمن المسرحيات الناتجة عن ورش الصيف. ومنذ ثلاث سنوات انضم إلينا بعض الفنانين والأدباء الذين اهتموا بالتجربة، وبدأنا في ورشة لتنمية مهارات الطفل”.

وتابع: نقوم بتنمية مواهب الطفل سواء فنيًا وسلوكيًا وعقليًا وحركيا وثقافيا، من خلال العروض المسرحية. ونقوم بتعليمهم الإلقاء والتمثيل والأداء الحركي، وإجراء الحوارات الصحفية، والتقديم الإذاعي، والرسم، وتنمية المهارات القيادية وغيرها من المهارات. في البداية كنا نقدم كل هذه الأعمال بشكل مجاني حيث كنا ننفذها بجهود ذاتية، والآن نقدمها مقابل مبلغ رمزي يذهب لإيجار القاعات التي نقوم بتدريب الأطفال بها. كما نقوم بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني وخاصة مؤسسة النهار الثقافية، في تنظيم وإقامة المهرجانات. فقد نظمنا مهرجان الفنون الأدائية الذي انصب تركيزه على الفنون الشعبية وخاصة في قرية القصر.

ويختتم ضبع حديثه قائلا: “الآن اكتسب المنتدى ثقة أهل القرية وأبنائها، وأصبح أولياء الأمور يأتون إليه قبل بداية الصيف لحجز أماكن لأبنائهم في النشاط الصيفي”.

مسرح الطفل

ويقول ليد مراد، رئيس نوادي مسرح الطفل بالداخلة ومخرج العروض المسرحية بالمنتدى: “لدي خبرة في مجال التدريس والتعامل مع الأطفال على مدار 25 عامًا. ومنذ عام 2000 أقوم بعمل مسرحيات للأطفال. وقد كنت أعمل في منطقة الفرافرة، وأرى مواهب عديدة لدى الكثير من الأطفال الذين لا يجدون ما يشغلون به أوقات فراغهم. ومن هنا بدأت في تنفيذ العروض المسرحية والاسكتشات والحفلات المدرسية. ورأيت كيف تغير الأطفال للأحسن وكيف استطاعوا إشباع هواياتهم وخروج بعض ما لديهم من طاقات وقدرات كامنة”.

ويكمل مراد: “من خلال تلك التجربة السابقة، أصبحت مشغولًا كثيرا بالطفل. ولأني كنت مسؤولا عن نوادي المسرح للكبار في قصر ثقافة الداخلة، ولم أتمكن من التعامل مع مشاكل تلك الفئة. غيرت مساري وأصبحت مسؤولا عن نوادي مسرح الطفل بالداخلة، وهو ما أسعدني كثيرًا. حيث أجد متعة في التعامل مع الأطفال، على الرغم من صعوبة التعامل معهم. وقد نجحت في أن يكون لدي نوادي مسرح الطفل في الداخلة أطفال بعمر 4 سنوات. وقد جاء هذا النجاح نتيجة جهد وصبر، حيث كنت أقوم بتجميع الأطفال من منازل أسرهم، وأذهب معهم في سيارتي إلى المسرح”.

المسرح وسيلة وليس غاية

وتابع مراد: تربطني صلة صداقة بمصطفى ضبع، وبدأت التعاون معه منذ عام 2007. وقمنا بتنفيذ مسرحية “قرص عسل بدون كسل”، وقمنا بعمل أول ورشة لنوادي مسرح الطفل. وقد شارك الأطفال في اختيار النص المسرحي، ثم توالت العروض المسرحية بمشاركة الأطفال، كما نقوم بتدريب الأطفال على العديد من الفنون الأدائية.

ويضيف: “المسرح بالنسبة لنا وسيلة وليس غاية، فمن خلاله نقوم بتنمية مهارات الأطفال وتنمية شخصياتهم. ونقوم من خلال التمثيل بعلاج المشاكل لدى بعضهم، والتي من أبرزها مشكلة الانطواء. حيث جعلت مجموعات العمل الأطفال أكثر جرأة وثقة. أحد أسباب نجاحنا هو ندرة الأنشطة الثقافية والفنية في مجتمعنا، فنحن في مكان نائي. وأغلب ما يقدم فيه هو الأنشطة الرياضية التي تتمثل في لعبتي كرة القدم والكاراتيه فقط. ونحن نقدم خدمة متميزة وجديدة، وخاصة للبنات، وأصبح أطفالنا خريجي ورش التمثيل والشعر والإلقاء هم من يقدمون الأنشطة في المدارس الآن، وأصبحوا كمدربين لزملائهم بالمدارس”.

ويقول: “نقوم بدمج الأطفال الموهوبين والمتميزين في الورش، في أنشطة الثقافة، ونقدم لهم فرصا للمشاركة بشكل أكبر من خلال الوقوف على خشبة مسرح قصر الثقافة، وهو عمل كبير كان الطفل محرومًا منه، وتجربة مثيرة لن ينساها”.

فتيات القصر

«أنا بحب التمثيل قوي وناوية أكمل لحد أما أكبر» هكذا قالت زينب أبو بكر، طالبة في الصف الثالث الإعدادي وإحدى المشتركات في ورش منتدى مصطفى ضبع الثقافي.

وتضيف زينب: “بدأت الاشتراك في الورشة منذ عامين عندما قرأت منشورا عن الورشة لدى الأستاذ مصطفى. وكنت أرغب في المشاركة في نشاط صيفي. في أول عام شاركت في مسرحية “مزرعة الخير” وبعدها شاركت في العديد من الأعمال المسرحية وقمت بالتمثيل وأداء أدوار كثيرة أحببتها، منها دور الأراجوز في مسرحية الصغيرين. وقد استفدت كثيرا من الورش وأصبحت الآن أكثر جرأة في الوقوف على خشبة المسرح”.

أما ريتاج أمجد، طالبة بالمرحلة الإعدادية وإحدى المتدربات، فتقول: “أشعر بسعادة كبيرة منذ انضمامي لهذه الورش. وقد عرفت عنها عن طريق إحدى صديقاتي، وانضممت لها منذ ثلاث سنوات. كنت قبلها أشارك في الإذاعة المدرسية لكن على استحياء، فقد كنت أشعر بالخجل من التحدث أمام أعداد كبيرة. الآن أتدرب على كيفية الإلقاء الشعري، وأحاول كتابة الشعر والقصة، وأقوم بالتمثيل المسرحي”.

وتتفق آية صلاح، 12 عامًا، مع زميلاتها في الورش في أنها تشعر بسعادة لانضمامها لورش المنتدى. وتقول: “بكون فرحانة وأنا وسط أصحابي في الورشة، ولا أتخيل نفسي من غيرها. وقبل انضمامي للورشة كنت أشعر بالملل طوال فترة الإجازة الصيفية”. الآن أمثل وأغني وألقي الشعر، وأتلقى التشجيع والدعم من أسرتي حتى أكمل. والممتع أنه أصبح لدي أصدقاء في أماكن كثيرة من الواحات”.

عن قرية القصر

تقع قرية القصر في مركز الداخلة بمحافظة الوادي الجديد، وتبعد حوالي 32 كم شمال مدينة موط، عاصمة المركز. ويعود تأسيسها للقرن الأول الهجري. فقد كانت أولى محطات استقبال القبائل العربية عام 50هـ، وازدهرت خلال العصر الأيوبي وكانت عاصمة الواحات آنذاك. كما أنها تحتوي على آثار رومانية مما يدل على تعاقب الحضارات في تلك المنطقة.

اقرأ أيضا:

فنان الواحات «أحمد سعداوي»: الرسم بريشة النار

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر