ستات البلد| ملك حفني ناصف “باحثة البادية”
“فليدعنا الرجال نختار من الآراء أرشدها، ولا يستبد في تحريرنا كما استبد في استعبادنا، إننا لا نخاف الهواء ولا الشمس ولا نخاف عين الرجل ولسانه”
بالشراكة مع مؤسسة المرأة والذاكرة وبمناسبة شهر المرأة، تسلط “ولاد البلد” الضوء على نساء ملهمات من مصر والعالم العربي في سلسلة “ستات البلد”.
ملك حفني ناصف (1886-1918) أو باحثة البادية هي أديبة مصرية من أوائل الناشطات في مجال حقوق المرأة ورائدة من رائدات النهضة المصرية التي قامت وعمت الواقع العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وكان لها آراء ومواقف مهمة تجاه مشروع النهضة وإرهاصاته، حسب ما جاء في كتابها “النسائيات“، الذي أعادت مؤسسة المرأة والذاكرة إصداره في جزئيه الأول والثاني عام 1998، وكتبت مقدمته د. هدى الصدة.
نشأتها
ولدت ملك في حي الجمالية بالقاهرة، ومن حسن الطالع أن يوم مولدها اتفق مع يوم زفاف الأميرة ملك على الأمير حسين كامل، الذي أصبح سلطانًا بعد ذلك، فسميت على اسم الأميرة.
نشأت ملك في أسرة تعطي أولوية قصوى للتعليم فكان والدها هو حفني ناصف بك، رجل القانون والشاعر، وأستاذ اللغة العربية الفذ، وأحد مؤسسي الجامعة المصرية، ومنه استقت سحر البيان وقوة الكلمة. والدتها سنية عبد الكريم جلال كانت أيضاً متعلمة ومهتمة بتعليم أبنائها وبناتها، رغم أنها لم تتلق تعليما رسميا في المدارس.
كانت ملك الابنة الكبرى بين سبعة بنات وأبناء، تعلموا جميعا وتقلدوا أعلى المناصب، وكانوا جميعاً مهمومين بالشأن العام مناهضين للوجود الإنجليزي في مصر، معتزين بوطنيتهم.
ملك والحياة العامة
كان لملك شرف الريادة في عدد من المجالات، حيث نشرت في المجلات المصرية وهي في سن الثالثة عشرة، وكانت أول فتاة تنال الشهادة الابتدائية من مدرسة حكومية وهي مدرسة السنية وذلك في عام 1900. في عام 1903 كانت ملك أولى الناجحات في أول امتحان عقد لتخريج المعلمات. وفي عام 1910 تقدمت إلى البرلمان المصري بقائمة من المطالب لتحسين وضع المرأة، تضمنت عشر نقاط.
في عام 1911 ألقت محاضرة عامة في مقر مجلة “الجريدة”، وألقت الثانية في الجامعة المصرية، ثم توالت الخطب في الجمعيات النسائية المختلفة، لتحيي تراثاً كان أن يفقد للخطيبات العربيات في عصور قديمة.
بدأت مشاركتها في الحياة الثقافية بكتابة مقالات في مجلة “الجريدة” التي رأس تحريرها أحمد لطفي السيد، وأصبح لها عامودا منتظماً عنوانه “نسائيات“.
ويرجع لملك الفضل في تأسيس عدد من الجمعيات المهتمة بالنهضة النسائية، منها على سبيل المثال “اتحاد النساء التهذيبي“، و”جمعية التمريض“.
كان لملك سحر خاص في الكتابة، كما عرف عنها الثقافة الموسوعية، وإلى جانب اتقان الفصحى كلغة لامست بها عقول وقلوب قرائها، فقد أجادت الإنجليزية والفرنسية، وكانت تعرف شيئًا من بعض اللغات الأخرى.
دافعت ملك عن المرأة المصرية دفاعا مبنيا على علمها ومعرفتها ببواطن الأمور، وبتفاصيل الحياة اليومية التي أحاطت المرأة بكم هائل من الخرافات وقلة الإدراك، فجاءت كتاباتها متميزة عن غيرها، حيث أنها أدركت منذ الوهلة الأولى أهمية التعبير عنه وجهة نظر المرأة في شتى أمور الدنيا، وهي وجهة نظر تستند إلى الواقع الذي عاشته وشعرت به.
وثقت ملك في قدرة النساء وقدرتها على التفكير، فلم تقبل مقولات تحد من دور المرأة أو تحط من شأنها بالمقارنة بالرجل، وقد أدى بها هذا الأسلوب في مناقشة الأفكار والنظريات إلى التحرر من سطوة النظريات التي تبدو وكأنها حقاق أبدية وهي في واقع الأمر آراء إنسانية.
رفضت ملك الزواج أثناء فترة دراستها، ثم تزوجت بعد ذلك من شيخ العرب عبد الستار الباسل وجيه قبيلة “الرماح” بالفيوم، وبعد زواجها بفترة قليلة سافرت إلى أملاك زوجها في سفح جبال بالفيوم، ومن هنا أطلقت على نفسها اسم “باحثة البادية“.
توفيت ملك حفني ناصف في عام 1918 عن عمر الـ 33، بعد أن أصيبت بمرض الحمى الإسبانية، ودفنت بمقابر أسرتها بالإمام الشافعي.
قالوا عن ملك حفني
يقول الكاتب سيد البحراوي عن ملك، في بحث له بعنوان “ملك حفني ومعضلة الهوية“، إنها عاشت ما يمكن اعتباره أقسى سنوات التاريخ المصري الحديث، تلك السنوات التي أعقبت إخفاق أول ثورة مصرية ضد المحتل الإنجليزي 1882، وعاشت كل لحظات القلق وسمو الوطنية حتى قبيل انفجار ثورة 1919 بأشهر قليلة.
انعكست تلك الفترة على ملك، هذه الفتاة النابغة، لتقدم نموذجًا صلبًا للمرأة المصرية، صاحبة الرأي الحر، والكتابة الفريدة.
وفي كتاب “المرأة المصرية والتغير الاجتماعي“، تقدم المؤرخة لطيفة سالم، ملك حفني ناصف باعتبارها مثلًا لظهور بوادر تحرير المرأة على يد المثقفات اللائي يمثلن الحلقة الأخيرة لعملية التغيير.
تذكر سالم أن ناصف هي أول من نالت الشهادة الابتدائية، ودبلوم المعلمات، هذه الشهادة التي عن طريقها بدأ التأكيد على دور نساء الطبقة المتوسطة في النهضة بصفة عامة والنهضة النسائية بصفة خاصة.
كانت ملك تمتلك أسلوبًا خاصًا في الكتابة، فقد احتفت بالتصوير البلاغي وضرب الأمثلة، حتى أن مي زيادة وصفتها بأنها “مشيدة على أرضية الشجن الشعري من ناحية، والحزن الأنثوي من ناحية أخرى، وأنها تستخدم التهكم الذي لا مرارة فيه”.
وتعطي المؤرخة آمال السبكي، في كتابها “الحركة النسائية ما بين 1919- 1925“، قاسم أمين مركز الصدارة لانطلاق ملك، فبسبب دعوته إلى تحرير المرأة تشجعت قيادات نسائية مثل باحثة البادية التي ألقت العديد من الخطب في الجامعة المصرية، والعديد من البحوث حول قضايا الزواج والمرأة، كما تقدم ناصف كباحثة وخطيبة مفوهة وصاحبة أسلوب خاص في الكتابة.
وفي ديسمير 1918، نشرت مجلة فتاة الشرق نعيًا لملك حفني ناصف، ولم يكن النص مجرد رثاء بل كان نصًا أدبيًا بليغًا للكاتبة والمصلحة المصرية باحثة البادية، يقول النص “انصرفت ناصف إلى جوار ربها تاركة جميل المآثر والآثار، ما يصح أن يكون مثالًا للفتيات والسيدات ينسجن عليه، ونبراسًا يهتدى بأنوارها”.
15 تعليقات