ملف| وقائع معركة منسية حول ضريح جمال عبد الناصر
السكه مفروشه تيجان الفل والنرجس
والقبه صهوة فرس عليها الخضر بيبرجس
والمشربيه عرايس بتبكى والبكى مشروع
من دا اللى نايم وساكت
والسكات مسموع
سيدنا الحسين؟
ولا صلاح الدين ولا النبى
ولا الإمام؟
دستور يا حراس المقام ولا الكلام بالشكل دا ممنوع؟
من قصيدة زيارة إلى ضريح عبد الناصر – أحمد فؤاد نجم
عندما رحلل جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 كتبت الصحف أن المسجد الذي يوارى فيه جثمان عبد الناصر كان من المفترض أن يفتتحه عبد الناصر نفسه في رمضان القادم، وقصة هذا المسجد الذي أطلق عليه “مسجد جمال عبد الناصر” تعود إلى عام 1955 عندما تأسست جمعية باسم “جمعية كوبري القبة الخيرية” التى تم اشهارها تحت رقم 22 لسنة 1955 ثم أعيد إشهارها برقم 515 لسنة 1969 بغرض:إقامة مسجد جمعية كوبري القبة الخيرية لإقامة الصلوات والشعائر الدينية، إنشاء مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وتأسيس مكتبة إسلامية، ومساعدة أهالي المنطقة والمناطق المجاورة في كافة شؤون حياتهم. ووافق مجلس بلدي القاهرة على تسليم الجمعية قطعة أرض مساحتها 3387 مترا مربعا بجلسته بتاريخ 24 أغسطس عام 1958 وقد تسلمت الجمعية قطعة الأرض من مراقبة أملاك القاهرة في 25 نوفمبر 1959 وأصبحت المساحة بذلك ملك للجمعية.
***
وعندما توفى عبد الناصر توالت الحملات على شخصه وعلى عصره ابتداء من الطعن في ذمته المالية إلى اتهام مشروعاته بالفشل حتى وصلت إلى قبره الموجود في المسجد الذي يقع على الأرض المملوكة لتلك الجمعية الخيرية والتي حصلت على الأرض في عهد عبد الناصر نفسه، وبدأت القصة في شهر مايو 1985 وذلك عندما رفعت الجمعية دعوى قضائية طالبت فيها بنقل مقبرة جمال عبد الناصر من الجامع الذي تملكه جمعية كوبري القبة الخيرية والتي لم يؤخذ رأيها عند بناء المقبرة في سبتمبر 1970 وقالت صحيفة الدعوى التي أعدها محامي الجمعية: ” عندما توفى جمال عبد الناصر فوجئت الجمعية بالسلطة تقوم بحفر مقبرة بالطابق الأرضي لدفن الجثمان دون الحصول على موافقة المسئولين بالجمعية وقد نتج عن ذلك اقتطاع أكثر من نصف مساحة هذا الطابق لإقامة المقبرة وملحقاتها من غرف الحرس وخلافه وكان ذلك على حساب جزء كبير من الأماكن المخصصة للعيادة الطبية وتسبب في ضيق شديد وعجز في مساحة الأماكن الخاصة بها.
***
كانت مجلة روزاليوسف هي أول من ذكرت هذه الواقعة وما أن نشرت المجلة أخبار الدعوى القضائية حتى انقلبت الدنيا. وقد أرسل أحد محامى الجمعية ينكر ويكذب الواقعة وقد أرسل شكوى إلى صبري أبو المجد أمين عام المجلس الأعلى للصحافة وملخص ما ذكره أن الخبر الذي نشرته روزاليوسف لا أساس له من الصحة إطلاقا ولم تكلف الجمعية أحدا إطلاقا لاتخاذ هذا الإجراء ولقد أحدث نشر هذا الخبر بهذه الطريقة أضرارا جسيمة فادحة بالجمعية المنسوب إليها ما جاء بالخبر، وهدد المحامي إذا لم تنشر المجلة تكذيبا لهذا الخبر سيضطر إلى اللجوء إلى القضاء للحفاظ على جميع حقوق الجمعية.
وفي ردها على ما قام به المحامي، ردت روزاليوسف بنشر صورة الدعوى القضائية وموعد انعقاد جلستها أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدائرة 16 مدنيا وتحددا لنظرها جلسة 3 أكتوبر القادم، وكذلك نشرت صورة خطية من أحد مسئولي الجمعية يطلب فيها من محامى آخر وهو كمال خالد المحامي إقامة الدعوى ضد محافظ القاهرة ووزير الأوقاف ويقول الخطاب الموجه إلى المحامي:
“أقامت جمعية كوبري القبة الخيرية مسجدا بشارع الخليفة المأمون بمنطقة كوبري القبة بجهودها الذاتية وبمعاونة أهل الخير من المسلمين وبعد بناء المسجد توفى المغفور له الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وتم دفنه في الطابق الأرضي من المسجد دون موافقة الجمعية وحيث إن مجلس إدارة الجمعية يصدر كافة قراراته طبقا لأحكام الشرع الحنيف وحيث إن استقطاع جزء من أرض المسجد لإقامة مقبرة أمر لا يقره الشرع لأنه تصرف في ممتلكات الجمعية التي هي ممتلكات المسلمين في غير المصارف التي حددها الشرع، فإن الجمعية قررت رفع دعوى تطالب فيها بتعويض عن الأرض التي أقيمت عليها المقبرة. ”
***
وهنا يتدخل كمال خالد المحامي ليكذب المحامي الأول ويؤكد أن الجمعية بالفعل أقامت دعوى وهو من أقامها بصفته محاميا لرئيس الجمعية وأن الدعوى تنصب على طلب الحكم بمنع التعرض للجمعية في انتفاعها بقطعة الأرض المملوكة لها والتي في حيازتها والمجاورة للمسجد لإقامة ملحق للعيادات الخارجية ودار المناسبات عليها ويتابع كمال خالد قائلا: “حرصت كمحام على أن أختتم عريضة الدعوى في الاحتفاظ بحقوق الجمعية في طلب التعويض أو طلب إلزام محافظ القاهرة بتهيئة مكان آخر مناسب يعد كضريح للرئيس الراحل جمال عبد الناصر فهذا ما يفرضه واجبي وما يمليه الحرص في تأدية مهنتي وذلك حتى لا يفسر السكوت على أنه تنازل ضمني من الجمعية فلا محل للمجاملات على حساب التفريط في حقوق الجمعية. ”
ولم يصمت كمال خالد عند هذا الحد فتابع: “” ومع حفظ كافة الحقوق فأني أنتهز هذه الفرصة وأهمس لهؤلاء المتباكين على قبر الزعيم جمال عبد الناصر أن الأضرحة والنصب التذكارية إنما تشيد للزعماء والملوك، أما المساجد فللعلماء والأئمة وأولياء الله الصالحين. ”
أثارت هذه القضية ردود أفعال عديدة وتصدى لها الكثير ومنهم الكاتب جمال سليم الذي كتب: “كان نقل رفات الزعيم محمد فريد إلى مصر قضية مهمة لأنه شرف لمصر وللمصريين أن يدفن في ثراها المخلصون من أبنائها ولا عجب أن يتبنى العدوان على أسماء الزعماء ومحاولة النيل منهم البقايا المنقرضة من جماعة الـ 5 % الذين كانوا يحكمون مصر ويستنزفون شعبها وثرواتها وهم اليوم قد بدءوا يتنفسون ويستردون ما كانوا قد اغتصبوه وسرقوه يحاولون أن يمحو إسم ناصر “.
***
أما ذروة هذه المعركة فجاءت عندما كتبت صحفية سودانية اسمها “حياة مصطفى” مقالا بعنوان: “إنهم يحسدون عبد الناصر على قبره” كتبت فيه: “ظللنا نتابع ما يدور حول مقبرة الزعيم جمال عبد الناصر وأننا لنخجل لهؤلاء الذين يحسدون عبد الناصر حتى على الموت فإن نقلت رفاته أو بقيت مكانها فهي ليست موضع الخلاف وإنما الأمر يكمن في هذا العملاق الفذ الذي كان وسيظل معجزة التاريخ والذي حطم الأغلال والقيود…. ” ثم تحدثت ردا على كمال خالد: “أما ما جاء من أن المساجد للعلماء والأئمة وأولياء الله الصالحين فأني أعتقد أن عبد الناصر بما قدمه للأمة العربية كلها فأنه يعد في مصاف أولياء الله الصالحين ”
***
ووقتها كان كمال خالد يكتب مقالا أسبوعيا في جريدة الأحرار فأفرد مقالة كاملة ردا على الصحفية السودانية وكان مقاله شديد العنف وبعنوان: “عيني على مقبرة عبد الناصر” كتب فيه:
“لا أجد مبررا لأن أصدم مشاعر السيدة الفاضلة التي تكنها للزعيم الراحل جمال عبد الناصر خصوصا وأنها من السودان الشقيق ولكن من الواجب أن أصارحها بحقيقة مؤسفة وهي أن السادة المحترمين نائب ووزراء وأعوان عبد الناصر لو كان عندهم شيء من وفاء أو بعض من حب وإخلاص صادق لزعيمهم الراحل لما قبلوا بأي حال من الأحوال أن يدفن جثمانه في هذا المكان بالذات أي الجهة القبلية من أرض الطابق الأرضي الذي يعلوه المسجد على الرغم من نصيحة المختصين الذين أجبروا جبرا على الحفر وإعداد المقبرة في هذا الموقع رغم اعتراض شديد وتحذير من المختص من سوء العواقب لعدم صلاحية هذا الموقع بالذات لدفن جثة إنسان- أي إنسان- ويمكن الرجوع إلى الخرائط الهندسية للمسجد وملحقاته ومرافقه لتبين مدى بشاعة وفظاعة الأمر ومدى انعدام الإخلاص والوفاء ويمكن التأكد من أنهم احتجوا آنذاك بضيق الوقت وأنه سيكون قبر مؤقتا لحين إعداد ضريح ملائم في موقع لائق”.
” وبعد أن تحدث كثيرا عن مساوئ العهد الناصري الذي أذاق الشعب المصري سوء العذاب على حد زعمه ختم حديثه الموجه للكاتبة السودانية: “أقول لفلول التنظيم الطليعي إنه من الأكرم لكم أن تقدموا برهانا بسيطا على الحب والإخلاص للزعيم وتبادروا بتدارك هذا الأمر الفظيع وتقيمون له ما يليق بمكانته وقدره في أذهان الآلاف أو الملايين من أمثال السيدة السودانية التي أعتقد أنها وبعد الوقوف على الحقيقة المؤلمة ستقف معي على أن المكان الحالي لمقبرة الزعيم الراحل لا يليق بدفن العلماء والأئمة وأولياء الله الصالحين الذين أكدت السيدة الفاضلة أن جمال عبد الناصر منهم”>
وانتهت القضية بعد جدال طويل بسحب الدعوى.
اقرأ أيضا:
ملف| هكذا تحدث يوسف صديق عن ليلة 23 يوليو