«ملاذ»: خرائط ومسارات المدينة في معرض فني بمساحة شلتر
على هامش المعرض الفني «ملاذ» المقام في مساحة شلتر بالإسكندرية، الذي شارك فيه الفنان التشكيلي محمد عبلة بعدد من اللوحات التي تصف المدينة عبر الخرائط والجرائد. أقيمت ندوة بعنوان «المدينة». إذ دارت فيها مناقشات بين عبلة والكاتب علاء خالد حول أعمالهم التي تتكلم عن المدينة بشكل عام من خلال الخرائط والمسارات التي نتجت من المشي وحكايات السكان.
مندوب من القاهرة
أنشغل “عبلة” بالمدينة والخرائط منذ بدايته. ويرى أن المبدع دائما ما يحتاج لمثيرات أو بوابات تدخله لعوالم مختلفة أو تسمح له لرؤية عالمه بمنظور مختلف. استرجع عبلة أثناء الندوة جلسته في بيت الشاعر “فؤاد نجم”. وقال: “مدينة بحجم القاهرة يصعب استيعابها حتى وإن كنت جزءا منها، لذلك نحتاج إلى مناديب. في الجلسات التي شاركت فيها مع عدد من المثقفين “نجم” في حوش قدم، الذي كان يشبه البؤرة ذلك أنه كان يأتي لبيته عدد من البشر مهول من أماكن متعددة طوال الوقت، سواء من داخل القاهرة أو خارجها. كل واحد فيهم كان مندوبا عن المكان الذي جاء منه. ومن خلال حكايتهم استقيت كل شيء تقريبا عن القاهرة”.
أهل الخطوة
يمشي علاء خالد كثيرا، يحب المشي وتحتفظ قدمه كما دماغه بالمسارات، يحاول أن ينظر للمدينة بعين طائر ليرى الخريطة من أعلى. في روايته الأخيرة “متاهة الإسكندرية” يشرح أنها محاولة لإيجاد معنى المدينة من خلال فهم طبقاتها.
يقول: “أي مدينة قديمة لديها مشكلة، وطبقات من الذاكرة يجب التعامل معها. “متاهة الإسكندرية” تجميع للمسارات التي نشأت بشكل شخصي لإبطال الرواية في مرحلة حرجة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، وبحثهم عن ملاذ في المدينة التي تتبدل أمام أعينهم من خلال قوانين شخصية”.
وأضاف: أحيانا لا يكون ما هو شخصي إيجابي أو حتى سلبي دائما إلا لو كان هناك سياق يحكمه ويحتويه.
يصف “عبلة” نفسه في شبابه أنه كان من أهل الخطوة. يمشي كثيرا ويسمع حكايات الناس عن المكان الذي يمشي فيه. لكنه يخبرنا أن الفن التشكيلي لديه مشكلة في “الحكي” ذلك أنه لا يستخدم اللغة وأن هذه المشكلة كانت تطرح سؤال: كيف يمكن نقل الحكايات والملاحظات للصورة؟
يشير عبلة – أثناء كلامه على إحدى لوحاته المعروضة التي كانت عبارة عن خريطة فوق عدد من الجرائد – إلى أن ننظر عن كثب ونقرأ الأخبار التي تحت الخريطة المرسومة. وقال: “الفن به طبقات متعددة تكشف عن ذاتها باستمرار، استخدمت الجرائد التي تحتوي على حكايات عايشتها من أحاديث وأخبار الناس المتداولة. أعجبت بفكرة أن تكون الخريطة فوق طبقات من الحكي المتراكمة”.
الخرائط الحقيقية
يقول خالد: “خرائط الإسكندرية في القرنين 15و16 عبارة عن حكاية وليس مجرد رسم مجرد، ذلك أنها كانت تشير التفاصيل، الناس والشجر على سبيل المثال مرسومين على الخريطة من خلال عين طائر”.
ويرى أن الأدب استفاد من الخرائط، ومن هذه التفاصيل. ذلك أن الخرائط رواية موجودة على الورق وأن الأدب الحديث يعمل على هذه السرديات أو الحكايات.
أما عبلة فيقول إن علاقته بالخرائط ضرورة، وتذكر أنه في أواخر التسعينيات تم تكليف صديق له ليرسم خريطة سياحية فاستعان بـ”عبلة” وأثناء المشي اكتشفوا حارة سد، مهمشة. لكن عند دخولهم اكتشفوا أن هناك مغزل للحرير كان يعمل به جمال الغيطاني، وأن هناك سيدة بجانب المغزل تدعى الحاجة نفيسة لديها قصص مع بناء مسجد الشاذلي في حميثرة.
من هذه اللحظة أدرك عبلة أن الخرائط ليست فقط الموجودة في الوحدات المحلية، لكن هناك خرائط أخرى بسرد آخر يجب على الإنسان اكتشافها.
البحث عن ملاذ
وخلال الندوة طرح علاء تساؤلا للفنان محمد عبلة حول سبب تركه الحسين ونقل مرسمه لجزيرة في النيل؟ هل كان هروبا من المدينة وبحثا عن ملاذ؟
حكا “عبلة” أنه في عام 1997 تم حرق مرسمه الكائن في الحسين. وأنه قبل الحرق كان يعاني من ازدحام شديد حول المرسم وداخله، نظرا لموقعه. وأنه رأى أنه بحاجة لتغيير الجغرافيا ليغير ما يرسمه، ذلك أنه أنتج عدة مشاريع لها علاقة بالطبيعة والزحام والبشر وكانت مختلفة عن أعماله السابقة.
وأكد أن هذا بالتأكيد بحثا عن ملاذ آمن، ومساحة جديدة للتجربة. وأنه ليس وحده من استفاد من هذا المكان. وذكر أن الشاعر “أحمد اليماني” كتب ديوانه “تحت شجرة العائلة” هناك لأنها كانت تجربة مختلفة للدخول في الطبيعة والتعامل مع نوع آخر من السكان.
علق خالد على هذه الحكاية بأن المدينة غالبا لا تسمح لنا باكتشاف الطبيعة واكتشاف أنفسنا. وأننا نحتاج لمساحات مختلفة للتجربة وأن يكون هناك مكان في المنتصف بين صخب المدينة وبين الطبيعة.
اقرأ أيضا
«لتكن مشيئتك»: رسائل العاشقين ومكسوري القلب لقديسات «الإسكندرية»