ملائكة إلا قليلًا.. مشروع تخرج يناقش معاناة أصحاب الهمم
“ملائكة إلا قليلًا” مشروع متميز قدمته تقى محمد للتخرج من كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، إذ سلطت الضوء من خلاله على حالات التأخر العقلي، ومعاناة هؤلاء في حياتهم، نظرًا لأن طبيعة حياتهم مختلفة عن الآخرين، لذلك سعت من خلاله مناقشة الوضع بشكل متعمق، “ربما يصنفهم العِلم مرضى إذ تتأخر عقولهم عن أجسامهم في النمو، وربما أحَبّْوا طفولتهم فقرروا التشبث بها مدةً أطول” كما قالت. “باب مصر” يلقي الضوء على تفاصيل المشروع.
تحقيق الحلم
بدأت علاقة تقى محمد بالرسم منذ أن كانت طفلة وتحديدًا في المرحلة الابتدائية. إذ كانت دائمًا ما تمارس هوايتها تلك، تتذكر أنها في إحدى المرات دخلت إلى حجرتها، وبدأت بعملية رسم على جدران الحجرة “رسمت نخل وخضرة ومياه، وقد ظلت هذه الرسومات لسنوات طويلة داخل حجرتي، بجانب أنني دخلت الكثير من مسابقات الرسم وفزت بالكثير منها، إلى أن حققت حلمي بحصولي على مجموع 93٪ في الثانوية العامة وهو المجموع الذي أهلني كي ألتحق بكلية الفنون الجميلة”.
عندما انضمت إلى الكلية انزعجت في البداية. إذ كان يفرض عليهم رسم بعض الرسومات، وهذا الأمر تحديدًا أزعجها لأنها ظنت في البداية أن الرسم هناك متروك لحرية الطالب. لكنها أدركت أن الدراسة الأكاديمية لها طقوس معينة يجب إتباعها، وعندما دخلت قسم التصوير داخل الكلية، بدأت وقتها الرسم بخامة الزيت، وهي خامة مختلفة عن التي كانت تستخدمها قبل دخولها للكلية. فقد كانت تستخدم ألوان المياه، أو الخشب، أو الفلوماستر، إلا إنها في النهاية أحبت الرسم بخامة الزيت، فهي تعتبره الآن الخامة الأفضل -بالنسبة إليها- “أتذكر أن أول لوحة قمت برسمها بخامة الزيت نشرت وقتها في جريدة الأهرام”.
في السنة الثالثة من الكلية قررت تقى أن تلتحق بقسم “جداري”، وتعمقت في الأمر أكثر خاصة “الأكريليك” وبعدها تعلمت خامة الإزاز والموزايك.
تسليط الضوء
تملكتها الحيرة عندما أرادت اختيار فكرة لمشروع تخرجها. لكنها قررت أن يكون عن حالات التأخر العقلي، نظرًا لأن إحدى المقربين لها يعانون من هذه المشكلة. فهي أرادت من خلاله تقديم شرح عن حالات التأخر العقلي خاصة وأن كثيرين من الناس لا يعرفون عنه بشكل جيد، وهي حالة تجعل صاحبها في منزلة وسطى بين الفقدان التام للقدرة على التفكير وبين الإدراك الكلي للأشياء. حيث يتأخر النمو العقلي للمصابين بهذه الحالة قليلاً أو كثيرًا عن أقرانهم في نفس العمر. لذلك تحدثت عنهم بشكل خاص، وعن معاناتهم في حياتهم نظرًا لأن طبيعة حياتهم مختلفة عن الآخرين. وبالتالي يعانون التنمر في حياتهم. وفي حالة مكوثهم لفترة طويلة من الوقت مع أقرانهم فإن حالتهم تتأخر أكثر. “أردت أن أوضح هذه المشاكل التي يمرون خلال حياتهم، لذلك أردت تعريف الناس من خلال المشروع عن هذا الوضع بشكل متعمق، ولتعريفهم بنوعية هذه الحالات وتسليط الضوء عليها بصورة كبيرة”.
عالم متقوقع
استخدمت تقى في مشروعها نموذج لبنت متقدمة في العمر تظهر عليها مظاهر الأنوثة. إذ أرادت من خلالها توضيح أنه رغم تقدمهم في العمر من ناحية الشكل الجسماني، إلا أن نموهم الفكري يظل ثابتًا وكأنهم أطفال،. تقول: “لذلك أنا وضعت بنت لها ملامح أنوثة، إلا أن لبسها يحمل سمات طفولية، بجانب أن عيناها تحمل هي الأخرى مظاهر براءة. بجانب استخدامي لعنصر الساعة بجوارها، مع إعداد خلفية السماء من خلفها نظرًا لأنهم يعيشون في عالم متقوقع خاص بهم”.
وتابعت: وقد لاحظت أثناء إعدادي للمشروع أنهم عندهم ما يسمى بـ”طيف التوحد”، وبالتالي ينجذبون مثلًا للدوائر، والتي بالنسبة إليهم أشبه بالمتاهات وهي أكثر ما تشد إنتباههم، لذلك ركزت على الأمر من خلال رسم الكثير من الدوائر، بجانب أنني ركزت على عمل تضاد بين العالمين. إذ استخدمت في عالمهم ألوان نقية كدليل على نقاء هذا العالم الذي يعيشون فيه، من خلال استخدام الألوان المبهجة. وكلما ابتعدت بأطراف اللوحة كلما زادت اللوحة قتامة، كدليل على أن نظرتهم للحياة مختلفة كثيرًا عن نظرتنا نحن. إذ إن نظرتنا تميل أكثر إلى التعقيدات. وقد عبرت عن الأمر من خلال استخدام الألوان. وقد وضعت عدة أمثلة “العروسة والقطار” كدليل على تمسكهم بعوالمهم تلك.
عالمٍ ليس ببريء
تقول تقى: “سميت مشروعي باسم “ملائكة إلا قليلًا” نظرًا لأنهم شبيهين للملائكة في كثير من الأشياء. لكنهم بالطبع يكتسبون بعض الخبرات من البشر ومن الحياة، والتي تغير من سلوكهم أحيانًا نظرًا لتأثرهم بالبيئة المحيطة “. ربما يصنفهم العِلم مرضى إذ تتأخر عقولهم عن أجسامهم في النمو. وربما أحَبّْوا طفولتهم فقرروا التشبث بها مدةً أطول. ولكن العجيب أننا في ذات اللحظة التي نُشفق عليهم من برائتهم في عالمٍ ليس ببريء. نُريد لو تتسع هذه البراءة لتستوعب العالمين، أو نتمنى لو بين أيدينا آلة الزمن. فندور بها عودةً إلى حيث يصبح الناس جميعهم أطفالاً، فهل حقا هم المرضى أم نحن المصابون بالنضج؟”
تنفيذ جداريات
تعتزم تقى بعد أن أنهت دراستها، المشاركة في المعارض وإكمال ما بدأته. بجانب رغبتها في تنفيذ جداريات وهي بالفعل بدأت الأمر منذ فترة طويلة. إذ نفذت العديد منها لبعض الشركات، بجانب عملها بالمتحف القومي للحضارة، قبل افتتاحه، ونفذت موتيفات قبطية وإسلامية وفرعونية، في مدخل المتحف.
اقرأ أيضا:
مشروعات تخرج فنون جميلة حلوان.. الوجه الآخر للمعاناة الإنسانية