معايير السرقة.. معايير الاقتباس: تشكيليون ينتقدون تصميمات غادة والي
ردود أفعال عديدة أثارتها مصممة الجرافيك المصرية غادة والي، بين الفنانين التشكيليين، بعد حديثها في أحد البرامج التلفزيونية حول اقتباسها تصميم لصالح إحدى شركات المياه الغازية ونفيها اتهام الفنان الروسي غريغوري كوراسوف، بسرقة لوحاته مرتين كانت أولها جداريات مترو الأنفاق.
سرقة أم اقتباس؟
يجيب الفنان الكبير محمد عبلة على تساؤل سرقة أم اقتباس؟ ويقول: “ما قامت به غادة والي هو سرقة وليس اقتباس. وبالنسبة لمجال الجرافيك ديزاين، فإن الأساس فيه هي الفكرة، وهنا لا مجال للاقتباس. كما أن المجهود الذي بذله الفنان الأصلي حتى يصل إلى هذا القدر من التبسيط وتلك اللغة، لم يمر به من أخذ العمل على الجاهز. وهذه الواقعة سرقة لأن المصممة استخدمت التصميم المسروق في المجال التجاري، بمعنى أنها قامت ببيع أفكار ليست لها بشكل كامل”.
وتابع: في مجال الفن التشكيلي، قد يقوم الفنان بقراءة أو تناص أو إعادة قراءة لعمل فني آخر. وهو هنا في وضع مختلف عن الجرافيك ديزاين، حيث لا يقصد الترويج لسلعة معينة. فهو يناقش أفكار وقد يباع العمل أو لا، أما في مجال الجرافيك ديزاين فالقصد منه العرض والبيع لأكثر من شخص، وبشكل تجاري.
ويضيف عبلة، لابد من أن يكون لتلك المهنة في مصر قواعد و أصول، وفي العالم أجمع هناك قوانين تحكم تلك المسألة. كما أن هناك حدث سنوي يجمع مصممي الجرافيك على مستوى العالم. ويعرض أهم التصميمات وأكثرها جدية وأصالة، وفي حال أن يكون هناك اقتباس بنسبة كبيرة لأي فكرة، هناك قوانين تحمى الملكية الفكرية بشكل كبير.
ويشير إلى أن المشكلة في مصر تكمن في عدم وجود قوانين رادعة. كما أن المجال لدينا ما يزال عشوائي، لافتًا إلى ضرورة أن يكون هناك دور للنقابات والكليات الفنية أيضًا. لكن للأسف الشديد ظهرت مجموعة كبيرة من الكليات الخاصة لا يوجد إشراف على ما يدرس بها. وأغلب تلك الكليات يتعلم الطلبة فيها من خلال إعطائهم رسومات لنقلها وتقليدها، ولابد من إعادة النظر في مناهج التعليم.
مسألة أخلاقية
ويرى الفنان التشكيلي والناقد الفني مُهاب عبدالغفار، أن أي شخص يقوم بنقل أي عمل لشخص آخر، ونسبه إلى نفسه هو نوع من التعدي والسطو. وهي مسألة أخلاقية تعود إلى ضمير الشخص.
وتابع: قد يستفيد الفنان من فنانين آخرين، لكن لا يصل الأمر للنقل منهم، فلكل فنان أسلوبه وأفكاره الخاصة، وجملته الخاصة. إذ أن الفنان يرى طوال حياته الكثير من أعمال الآخرين. لكن أي ضمير يوافق على نسخ عمل لفنان آخر بهذا الشكل الفج. وفي الواقعة محل النقاش قامت الفنانة بعمل نسخ كامل من عمل فنان آخر ونسبته لنفسها، وأخذت مقابل مادي أيضًا.
يضيف عبدالغفار، العبث هنا ليس فيما فعلته تلك الفنانة فقط من سرقة أفكار الغير. وما فعلته في الواقعة الأولى في جدارية المترو. لكن العبث أيضًا من اللجنة التي وافقت عليها، ولأنه لا توجد اللجان الواعية داخل المنظومة الإدارية. أرى أن تضم تلك اللجان حين تشكيلها فنانين محترفين وقارئين جيدين للخريطة الفنية في العالم. وألا تعتمد فقط على مجموعة من الموظفين، وهو التقليد المتبع وما يحدث في دول العالم المتقدمة التي تقدر الفن والفنانين.
لجان متخصصة
وأشار إلى أنه من الضروري أن نهتم باللجان التي تُجيز الأعمال الفنية سواء في الميادين والكباري والطرق أو أي منشأة عامة. ويجب أن تكون لجان قوية ومتخصصة تضم فنانين ونقاد ومفكرين ومثقفين. كي تكون قادرة على الاختيار الصحيح، وكشف أي عمل منقول أو زائف. لاسيما وأنه أصبح اليوم في ظل الميديا والتكنولوجيا صعوبة إخفاء شيء، ويمكن بسهولة اكتشاف السرقة، لذلك فإن تقدم فنانة بعمل لفنان آخر ويتم الموافقة عليه ويوضع في مكان عام، ويتم الترويج له إعلاميا بل ويحصد الجوائز، فذلك يرجع لـ”جهل” من يوافقون.
ينتقد عبدالغفار دور نقابة الفنانين التشكيليين ووزارة الثقافة. ويقول إن النقابة أصبحت من وجهة نظري “نقابة صورية” لا تفعل شيئا، وكل نقيب يتعامل مع منصبه على أنه منصب شرفي. وهو ما جعلنا لم نر دورًا حقيقيًا قويًا للنقابة في تلك الواقعة أو سابقاتها، كما أن دور وزارة الثقافة في تلك الوقائع غائب تمامًا.
الرجوع للمتخصصين
يقول الدكتور أحمد رجب صقر، العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا: “السؤال الأهم من وجهة نظري في واقعة المصممة غادة والي، هو لماذا أسند لمصممة جرافيك، بالأمر المباشر القيام بعمل جداريات مترو الأنفاق؟”.
وتابع: ما مؤهلاتها وخبراتها في هذا المجال؟ لاسيما أن تصميم جداريات لإحدى محطات مترو الأنفاق عمل قومي يمس كل مواطن. إذ يشاهده آلاف المواطنين بشكل يومي، لذلك كان يجب الرجوع للمتخصصين وهم كثيرون مثل د.صبري منصور، ود.رضا عبدالسلام، من فنون جميلة القاهرة، ود.محمد شاكر، ود.عيد عبدالسلام عيد، الذي له جداريات في فرنسا والسعودية، وهما من فنون جميلة الإسكندرية. وفي الفنون الجميلة بالمنيا د.مدحت نصر وله جداريات بمرسى مطروح ود.أحمد سليم وغيرهم كثيرين، بجانب أساتذة من كليات الفنون التطبيقية.
ويضيف، في الواقعة الثانية طبعت المصممة العمل المسروق من الفنان الروسي على “استيكر”. وبالرغم من أنه سرقة أيضًا إلا أنه قد يليق بفن الإعلان. حيث يتم عرضه لمدة محددة ثم يُنزع. أما في الواقعة الأولى فالأمر مختلف هنا نتحدث عن الفن الجداري، الذي له صفة الديمومة والبقاء. كما هو موجود في الخط الأول والثاني من المترو منذ أكثر من 30 سنة، وتم تنفيذه بدراسة وفهم ووعي على أسس علمية وفنية سليمة، بالموزايك كما يقول الكتاب لفن الجداريات.
حق الملكية الفكرية
وتقول الفنانة التشكيلية أروى جمعة: “بدون ذكر أسماء بعينها – ليس لدينا في مصر ثقافة حق الملكية الفكرية، لأننا ببساطة لم نتعلم مثل هذه الثقافة. ويرى البعض أن الصور طالما أنها على الإنترنت هناك حق لاستخدامها”.
وتابعت: قد يستلهم الشخص أو الفنان من صورة أو عمل فني فكرة ما، أو تكوين لوني مثلا. لكن لابد من ذكر المصدر الأصلي لتلك الفكرة، لكن لا يصح النقل بتلك الصورة الفجة.
ترى جمعة، أن الشخص الذي يقوم بنقل أعمال فنانين آخرين، شخص كان يجد طول حياته من يساعده في عمل واجباته المدرسية نيابة عنه. ثم تطور الأمر معه إلى أن يكون هناك من ينفذ له مشاريعه في الجامعة أيضًا نيابة عنه. فهو لم يشعر بالتعب والمعاناة، ويصل هذا الشخص لنجاحاته من خلال تعب وجهد الآخرين.
وتضيف، المشكلة أن التعليم كان لفترة طويلة خاص في المراحل الأولى ولفترة كبيرة. ولا يتيح للطلبة حرية الإبداع وكان دائما يحجم أي وسيلة للإبداع. وبالتالي خلقت أجيال ليس باستطاعتها الإبداع وإنما يمكنها فقط “النقش”. لكن في السنوات القليلة الماضية سمح لحرية الإبداع وإطلاق العنان. وأصبح من الممكن تقبل المختلف عن المألوف وهو ما سيساهم في خلق أجيال مبدعة لا تعتمد على الاقتباس أو النقل.
وتتمنى جمعة، أن يكون هناك تدريس ونشر لثقافة الملكية الفكرية في مصر التي بالمناسبة ضمن الدول التي وقعت على اتفاقيات حماية الملكية الفكرية. كما أن القانون المصري يوجد به العديد من القوانين الخاصة بالملكية الفكرية.
الضبطية القضائية
يقول الفنان التشكيلي إبراهيم شلبي، عضو مجلس إدارة النقابة العامة للفنانين التشكيليين عن شعبة التصوير: “تابعت لقاء الإعلامي عمرو أديب، مع المصممة غادة والي. لاحظت أنها اهتمت بالدفاع عن نفسها بمحاولتها إثبات أن الفنان الروسي ينقل أو متأثر بمصدر معلوم (كان المصدر أحيانا بيكاسو وأحيانا أخرى الفن المصري القديم). وذلك في محاولة بائسة منها لإثبات أنها والفنان الروسي تأثرا بنفس المصدر. ولذلك جاءت النتائج متماثلة وبناء على ما حاولت أن تثبته فإن الأمر لم يكن سرقة أو تعمد سرقة.
وكمتخصص أرى أن الفنان الروسي استقى أعماله من الفن المصري القديم، أو الفن اليوناني كما صرح هو بذلك. ولكن المؤكد أن المصممة غادة والي قد نسخت أعمال الفنان الروسي واستخدمتها كما هي بلا أي تصرف في تصميماتها. وهذا يعد سرقة صريحة ولا مجال فيها للشك أو المجادلة.
وتابع شلبي: لاحظت ضمن ردود الأفعال على هذه الواقعة تعالي أصوات كثيرة تسأل في لوم وغضب، أين نقابة الفنانين التشكيليين مما يحدث من سرقات ومهازل مستمرة في ميادين مصر؟ وأقول: “الواقع إن النقابة موجودة تسمع وترى وتتكلم أيضا، ولكن لا نستطيع فعل شيء لتغيير هذا الواقع المؤسف، فالحق يلزمه قوة تحميه، ولأننا لا نمتلك أي آلية لوقف هذه المهازل ولا نملك قوة ردع فسوف يحدث تكرار لمثل هذه السرقات”.
مجلس النواب
يضيف شلبي، تقدمنا بمذكرة لمجلس النواب لطلب حق الضبطية القضائية لأعضاء مجلس الإدارة أو لبعضهم، وحتى تتم الموافقة على الطلب فلا تستطيع النقابة فعل شيء سوى الشجب والإدانة.
يقول: وما يثبت أن يد النقابة مغلولة ولا يمكنها فعل شيء حيال تلك الواقعة أو غيرها- أنه في عام 2020 تقدم الفنان سيد سعد الدين بشكوى للنقابة، مفادها أن فنان ما سرق أعماله، ومع ثبوت الواقعة وجدنا أنفسنا عاجزين في التعامل مع هذا الفنان، ولم يكن أمامنا طريق غير استدعاء الفنان الذي قام بالسرقة بشكل ودي، وأخذنا منه وعد بعدم تكرار السرقة. وذلك رغم أن الاتهام في تلك الواقعة كان حقيقيًا وليس فيه شك. لكن مع الأسف لا تمتلك النقابة غير الشجب والتنديد.
وحتى تأتي الموافقة على منح النقابة حق الضبطية القضائية، ستظل النقابة عاجزة عن حماية أعضائها أو محاسبتهم، أو التدخل في مثل هذه القضايا، مع العلم أن غادة والي ليست عضو نقابي ولم تقدم أوراقا للحصول على عضوية.
اقرأ أيضا:
من جديد.. فنان روسي يتهم مصممة جرافيك مصرية بسرقة لوحة فنية| انفراد