مشروعات تخرج فنون جميلة حلوان.. الوجه الآخر للمعاناة الإنسانية
قدمت كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، مجموعة متنوعة من مشروعات التخرج هذا العام. إذ ناقش الطلاب العديد من القضايا المختلفة داخل المجتمع في محاولة للبعض منهم للاقتراب من المعاناة الإنسانية التي قد يعانيها الإنسان في حياته. فقد اختلفت المشاريع وتنوعت بصورة كبيرة..«باب مصر» يستعرض بعض من أبرز هذه المشروعات التي قدمت من جانبهم.
مشروعات فنون جميلة
حاول مشروع “المَوْقَف” الاقتراب من معاناة بعض فئات المجتمع والمهمشون، إلا إنهم ظلوا متمسكين بنظرات الرضا التي ظهرت على أعينهم. والمشروع الثاني الذي نقدمه هو “السمنة وتقبل النفس” فهو يحارب التنمر المجتمعي، والذي يواجه الفرد في حياته ويشكل له أزمة حقيقة ما لم يستطع مواجهته بنفسه. لذلك كان الهدف من المشروع هو تقبل النفس أولًا دون الالتفات لرأي المجتمع.
أما المشروع الأخير الذي نقدمه فهو “حكاية أثر” والذي حاول إبراز تاريخ مصر وحضارتها، خلال مختلف العصور، والمتمثلة في أثارها المتبقية حتى اليوم.
المَوْقَف
كانت بداية سارة أنور مع الرسم منذ سن مبكر. وتحديدًا منذ فترة الطفولة. لكنها كانت رسومات بدائية -كما تصفها- إذ كانت عبارة عن “عمارة أو وردة أو شمس بتضحك”. وظلت هكذا إلى أن وصلت للمرحلة الثانوية ووقتها اختارت نشاط المكتبة والموسيقى ضمن هواياتها، لكن عندما دخلت اختبار الموسيقى نجحت فيه إلا أن صديقتها المقربة لم تنجح به. ووقتها قررت أن تتجه للرسم رفقة صديقتها خاصة أنها لم تكن تميل للموسيقى بشكل كبير في البداية. وقررا سويًا أن يبدأوا رحلتهما من خلال اختيار نشاط الرسم. وقد ساعدتها مدرستها والتي شجعتها كثيرًا، وكانت دائمًا ما تساعدها خاصة في كل ما هو يدوي. فكانت تستخدم معهم مواد أولية مثل المعادن، وقصها وعمل منها رسومات بارزة وغائرة، ووقتها صممت بالفعل لوحة من خلال استخدام المعدن.
ممارسة الرسم
بعدما انتهت سارة من الثانوية العامة، عرضت على أهلها أن تدخل كلية الفنون الجميلة. لكنها لم تكن تعرف وقتها أي مهنة يمكن أن يمتهنها خريج هذه الكلية خاصة أن نظرة الناس للكلية عادة ما تكون سلبية. لكنها قررت أن تدخل اختبارات القدرات، والتي بالفعل نجحت فيها. وقررت أن تدخل الكلية في النهاية، لكنها وجدت زملائها بالكلية متفوقين عنها كثيرًا. فلم تستطع وقتها مجاراتهم. وعندئذ دار حديث بينها وبين الدكتور مراد درويش المدرس بقسم التصور الجداري ووقتها قال لها: “أحيانًا الاجتهاد يجعل من الشخص متفوقًا، فلو مارستي الرسم بصورة يومية ستستطيعين مجاراة أقرانك بل ستتفوقين عليهم”. أخذت سارة بنصيحة أستاذها وراحت تدرب نفسها بصورة شبه يومية على الرسم، إلى أن أصبحت متمكنة منه في نهاية الأمر.
غير نادمة
حاول زملائها في البداية تشجيعها على دخول قسم الجرافيك، لأنه -من وجهة نظرهم- يوفر العديد من فرص العمل-. وهي بدورها كانت مقتنعة بدخول هذا القسم نظرًا لأنه يوفر العديد من فرص العمل، لكنها منذ أن بدأت التعمق في قسم الجرافيك حتى بدأت تشعر بالملل، خاصة طريقة الرسم فيه. ورغم أنها حققت في الجرافيك تقدير جيد جدًا، وفي التصوير جيد، إلا إنها قررت أن تدخل قسم التصوير في نهاية الأمر. خاصة وأنها أحبت الرسم بالألوان، لذلك لم تلتفت إلى تقديرها الأعلى في الجرافيك. وهنا بدأت تحقق تقدير امتياز في هذا القسم، وعندما أتتها الفرصة للاختيار بين جداري وزيتي، أشاروا عليها بدخول قسم الجداري إلا أنها فضلت الزيتي في نهاية الأمر، وهي غير نادمة حتى الآن على دخولها لهذا القسم.
رغم المشقة!
كان أكثر ما تخافه سارة هو اقتراب موعد مشروع تخرجها إذ وصفته بالـ”بعبع”. وبعد فترة طويلة من التفكير فكرت أن تخصص مشروعها عن والدها المتوفى. إلا إنها تراجعت. ففكرت في العديد من الأفكار الأخرى والتي تراجعت عنها أيضًا. وأثناء تفكيرها وانشغالها بالأمر، مرّت بجوار منزلها بمنطقة مصر القديمة في السابعة صباحًا على عمال نظافة. وفي كل مرة كانت تجدهم مترقبين ومنتظرين لبدء العمل. فشعرت أن هذا الانتظار يستحق أن يرسم.
وفي إحدى المرات قامت بتصويرهم بالفعل على أيام متعددة. وعندما حاولت الاقتراب منهم أكثر وجدتهم قد بدأوا في عملهم، فلم يسعفها الموقف كي تقوم برسمهم، ورجعت إلى إحدى أساتذتها بالكلية. إذ أطلعتها على الصور التي التقطتها، واختارت معها إحدى الصور لكنها أشارت عليها برسمها بطريقة بانورامية وبالتالي أصبح مقاس المشروع 150×50. وهي لم تكن قد جربت من قبل على الرسم على هذا المقاس، إلا أن هذه الفكرة قد أعجبتها، وأرادت أن توضح تفاصيل الرسم، لكن كادر التصوير كان بعيدًا أيضًا لذلك لم ترد أن ترسم ملامح “جامدة”.
تفاصيل كثيرة
ومن هنا لجأت لعامل عندها في الكلية، واستلقى جالسًا مثلهم تمامًا وقامت بتصويره، وبدأت في الإعداد لمشروعها بشكل متسارع. إذ كانت تذهب للكلية حتى في أيام الإجازات الرسمية، وفي الأعياد وأيام الجمعة.
وتقول: “حاولت أن أوضح تفاصيل كثيرة منها، حالة الملل والانتظار عند هؤلاء العمال في السابعة صباحًا، في شمس قاهرية. وكأنهم يشكون حالهم لبعضهم البعض. في إيقاع واحد وملابس واحدة أضفت عليهم شكلًا جماليًا رغم ما يعانوه. فدائمًا ما كنت أشعر بأن هذا المكان “المَوْقَف” – ضمن مشروعات تخرج فنون جميلة- بمثابة حياة أخرى داخل الحياة التي نعيشها. فهنا تختبر الناس جميع المشاعر والمواقف التي نمر بها في حياتنا اليومية، الحزين منها و السعيد، تمامًا مثلما يحدث في الحياة.
لذلك حينما أردت أن أعبر عن الحياة بما فيها من أسى وفرح لم أجد أنسب من هذا المشهد للتعبير عنها. لطالما استوقفني هذا المشهد يوميًا كلما مررت بجانبهم. تلك الحالة من الترقب الممزوج بالرضا رغم المشقة”.
تحاول سارة في الوقت الحالي تعلم الفوتوشوب والرسم ديجيتال، لأنه سيضيف إليه الكثير، كما أنه مطلوبًا أكثر من الرسم التقليدي.
السمنة وتقبل النفس
بدأت علاقة إنچي السيد بالرسم في سن متأخر. إذ إنها لم تكن تميل إليه قبل دخولها لكلية الفنون الجميلة، لكنها ما كان يستهويها هو الفن بشكل عام، فتعلمت تصميم الأزياء، بجانب الرسم على برامج التصميم مثل الفوتوشوب.
وفي مرحلة الثانوية العامة بدأت تدريب نفسها على الرسم. وتقدمت بعدها لاختبارات كلية الفنون الجميلة، وحينها كانت تود أن تلتحق بقسم الجرافيك، لكن وجدت نفسها تنجذب للرسم، خاصة وأنها في مرحلة إعدادي فنون، أعجبت بالألوان. فقررت أن تلتحق بقسم التصوير الزيتي، ووقتها بدأت تطور من نفسها أكثر واكتسبت الكثير من الخبرات عن طريق الرسم المستمر، بجانب الكورسات التي أهلتلها للتطوير من نفسها.
اليان يانج اليابانية
فكرت إنچي كثيرًا قبل أن تبدأ في تنفيذ مشروع تخرجها. إذ استقرت على فكرة “تقبل النفس” فبدأت بتحديد فكرتها الرئيسية وكانت عن “السمنة” في محاولة منها لتقبل، هؤلاء لأنفسهم خاصةً وأنه يمارس عليهم الكثير من أنواع التنمر المجتمعي. فالفكرة جاءتها عندما لاحظ بعض من أقاربها وأصدقاءها يعانون من السمنة خلال حياتهم، بسبب رأي البعض فيهم والذي ينعكس بشكل سلبي على حياتهم، وبالتالي يحاولون أن يغيروا من أنفسهم كي يتقبلهم المجتمع.
لذلك فالهدف من المشروع كان هو توضيح أن الجسم مهما كان شكله، فعلى الإنسان أن يتقبله كما هو ولا يعير للآخرين اهتمامًا، لأنه إذا تقبل نفسه سيستطيع وقتها أن يغير من نفسه وشكله. لأن الأمر عبارة عن تهيأ نفسي في الأساس -كما تصف إنچي- والتي تبدأ في شرح مشروعها والذي استسقته من فكرة “اليان يانج” اليابانية، والمعبرة عن التناقض.
التناقض الذاتي
ففي النص الأيمن من اللوحة أظهرت أشخاص من أصحاب السمنة، غير المتقبلين لأنفسهم، لذلك لا يشعرون بأي راحة في حياتهم وغير سعيدين بها، وقد استخدمت في هذا الجزء ألوان باردة تميل إلى الكآبة.
أما في الجزء الأيسر فقد وضعت فيه أشخاص سمينة لكنهم متقبلين أنفسهم، ويمارسون الرياضة خاصة رياضة اليوجا، ونتيجة هذا التقبل للنفس، باتوا سعيدين في حياتهم. وقد استخدمت في هذا الجزء ألوان دافئة لتعبر عن حالة السعادة وتقبل النفس من جانب هؤلاء.
تنوي إنچي بعد أن انتهت من مشروعها أن تبدأ بالمشاركة في المعارض بأعمال فنية، بجانب تطلعها إلى أن تشارك في معارض ومسابقات دولية، مع رغبتها في افتتاح جاليري خاص بها، وعقد ورش عمل فنية، لمن يرغبون في تعلم الرسم والتصوير.
حكاية أثر
أحبت رنا عبدالغني الرسم منذ سن مبكر من عمرها. إذ أخذت هذه الموهبة من والدتها، والتي كانت هي الأخرى تمارس الرسم. وقد انتبهت عائلتها لموهبتها فأخذوا يدعمونها ويشجعونها، وكذلك أستاذتها في المدرسة الذين أولوا رعاية خاصة بها لأنهم تنبهوا لهذه الموهبة خاصة في موعد حصة الرسم بالمدرسة، فقد كانت تنتظر دائمًا قدوم موعدها بشغف.
لم تنقطع علاقة رنا بالرسم طوال هذه الفترة كانت حريصة على الاشتراك في جميع المجالات الفنية بمدرستها، إلى أن وصلت للمرحلة الثانوية، ولتخفيف الضغط عليها وقتها كانت تلجأ للرسم أيضًا، وحققت حلمها في النهاية والتحقت بكلية الفنون الجميلة؛ وهي الفترة التي تصفها بأنها الأجمل في حياتها.
وتقول عن هذه الفترة: “لم أشعر بالسنوات الخمس التي قضيتها بالكلية فقد كانت الأجمل في حياتي”. ساعدتها الكلية في تطوير نفسها بصورة كبيرة، وقد قررت أن تدخل قسم الجرافيك شعبة رسوم متحركة وتصميم الكتاب، لأنها كانت دائمًا ما تحب أن تتعمق في هذا المجال، خاصة أنه ترك أمامها الكثير من الأسئلة التي لم تجد الإجابة عنها حينما كانت في عمر مبكر. فقد كان يشدها، كيفية عمل أفلام كرتونية، وكيفية صناعة مشاهد خرافية، لذلك أرادت أن تتعمق في هذا المجال والتحقت بالقسم.
عنصر القدِم
أخذت رنا الكثير من الوقت عند التفكير في تنفيذ مشروع تخرجها “لم تأت الفكرة إليّ بسهولة. وقد تأخرت كثيرًا فحين كنت أبحث عن فكرة للمشروع، كان زملائي قد بدأوا بالفعل في تنفيذ مشروعاتهم، وأنا لم أرد أن يكون موضوع نمطي”.
فقد أرادت أن تنفذ مشروع عن المناظر والأماكن والخلفيات والمعالم السياحية. إذ أخذت تتشاور كثيرًا مع أستاذتها، والذين قدموا لها الكثير من الآراء إلا إنها لم تستقر على أي فكرة. ووقتها فكرت أن يكون مشروعها عن عجائب الدنيا السبع القديمة، لكنها استبعدته في النهاية نظرًا لأنها أرادت أن يكون مشروعها عن مصر.
مناظر أثرية
وتذكرت حينها مادة “مناظر وخلفيات” والتي أحبتها كثيرًا نظرًا لأنها كانت كثيرًا ما تزور المناطق الأثرية والتراثية، لرسمها وتنفيذها. لذلك بدأت بعمل كتاب مناسب لجميع الفئات العمرية، من خلال كتاب يضم بعض الرسومات لأماكن أثرية مصرية. ورغم أن زملائها بالكلية نفذوا مشاريع عن قصص الأطفال نظرًا لطبيعة القسم.
وفي نهاية الأمر قررت أن يكون مشروعها عن “المناظر” – ضمن مشروعات فنون جميلة- فبدأت بتجريب الأسلوب وكذلك الألوان التي أرادت استخدامها. وقد حاولت أن تضفي للكتاب عنصر القِدم، وذلك لأنه يدور عن مصر وتاريخها وحضارتها، داخل مختلف العصور. فهو مكون من رسومات لإبراز الآثار والمعالم في مصر منها “الأهرامات وأبو الهول، وجامع محمد علي، وشارع المعز، وخان الخليلي وجامع أحمد بن طولون”. وقد حكت رنا في كتابها عن الآثار الموجودة داخل الكتاب، من خلال تقديم نبذة عن كل موقع أثري.
2 تعليقات