مذبحة حدائق القبة: حكاية البلطجي النبيل (3-4)
يواصل الشاعر والكاتب الكبير فتحي عبدالسميع الكتابة حول مذبحة حدائق القبة، التي وقعت بشارع عزام وشارع محمد خضر المتفرع منه بتاريخ 28/8/2022. وراح ضحيتها شقيقين. وقام شقيقهما الثالث بقتل قاتلهما.
الراوي: محمد بخيت، شقيق حسن بخيت، حاصل على معهد حاسب آلي، ويعمل خباز.
“إحنا أربعة أخوات، وأختنا الكبيرة مسافرة، وأنا ساكن في المرج الجديدة. والأخ التالت ساكن في الشرقية، ويوم الجمعة بنتجمَّع عند أمي في بيت العيلة في الوايلي. وحسن -الله يرحمه- عايش معاها هناك، متجوز ومعاه بنتين، واحدة منهم مولودة من أسبوعين.
إحنا من البداري أصلا، والدي جه القاهرة من الستينات، وأهلنا وناسنا هناك. وكان راجل بركة بتاع ربنا، متدين شوية وبيحب قصص الصحابة وسيرة النبي، وكان شغال خباز. وإحنا إتولدنا كلنا في الوايلي، في نفس البيت، وماحدِّش طلع من البيت إلا وهو طالع يعمل أسرة ويعيش ويتجوز ويفتح بيت.
ملناش أي قرايب في الوايلي، لكن أقدر أقول لك الحمد لله. هذا من فضل ربنا علينا، ربنا معوض الموضوع دا بمحبة الناس.
**
حسن أتعلم لغاية الإعدادي، وأخد الصنعة بتاعتنا، وماكانش دموي. والناس اللي راحوا في المشوار دا معاه، زمايلنا وأخواتنا، مفيش بينا وبينهم غير المعروف، من وإحنا أطفال. وعمرنا ما تخانقنا مع بعض. حتى لما بنتقابل كده بنتقابل بالحضن ونسلم على بعض، بما فينا حسن، بس هو قدر الله.
حسن إنسان عادي جدا، ومن صُغْرُه روحه روح محارب، وكان حابب الموضوع، ماكانش بيعادي حد. بس الطلعة والتربية كانت على هذا الأساس، ربنا مدِّي له شوية جدعنة زيادة، مكانش بيسيب حد. وكان من النوع اللي عنده حياء شوية، فأنت لو واقف وبيتخانق مع حد وقلت له خلاص يا حسن، يكبَّرك. واسأل أي حد في الموضوع دا، هايقول لك دي كانت ميزة فيه، رغم أنه كان ليه هيبة، لكن كان يكبَّر الناس بصراحة.
حسن عمره ما اتحبس في مخدرات، اتحبس مرتين، مرة واحد صاحبه راح يشترى مخدرات ولقيها قش زي بتاع الأنتريهات. وراح معاه علشان يرجعوا الحاجة للراجل. وهناك، مسكوا في بعض، والواد راح ضرب الراجل ضربة موت، وأتحبس هو وحسن اللي كان طرف تاني في القضية لكنه ما ضربش.
**
بعد ما طلع من السجن بحوالي سنة ونص، أو سنتين، حصلت مشادة بينه وبين صاحب محل فراخ تحتينا، واتخانوا مع بعض وحسن ضربة ضربة جامدة لكن الراجل ما ماتش. وأتحكم عليه بتلات سنين وأتحبسهم، وبعد كده أتعمل له قضيَّة ظلم.
هو عامل ترابيزة بتاعت بلياردو وترابيزة بنج بونج، تحت البيت على طول، لأنه خرج من السجن مالهوش دخل، وأدوا له جواب للشئون الاجتماعية، علشان يفتحوا له كشك أو يشوفوا له أي شغلانة، ملقناش أي استجابة. عمل التربيزتين دول علشان يدخلوا له مائة جنيه في اليوم ولا حاجة. أهم بيصرفوا على عياله. هو موَقَّف شاب صغير عليهم، وهو بياخد النص والشاب بياخد النص، وكان بياجي يشتغل معانا خباز، يجيب مصاريفه الشخصية ويرجع للبيت في وسط عياله.
يوم الحادث كان نازل يجيب فطار وعلبة سجاير. وهو مكانش بيقعد في الشارع، وكان يعتبر معتكف، علشان نزل على ضهره غضروف. فكان عامل له فقرتين، والفقرتين وصلوا لحالة خلاص إن الصميم بتاع العضم نزل، المادة اللي هي ما بين الفقرات، واتحجز في المستشفى قبل الحادثة بتَمَن شهور. وأتعمل له قرار علاج على نفقة الدولة، وخلاص هينزل عمليات. وقبل يوم العملية راح هربان من المستشفى. وقال لو عملت العملية دي هاعْجَزْ، ومش هاقوم تاني. قلت له: إحنا هنراعيك ولو رقدت أنا هأخدمك بايدي. قال لي: لا، مش عايز أرْقُد، خليني كدا لحد ما ربنا ياخد الأجل. والعشرين ألف جنيه اللي معايا هأعمل بيهم أي مصلحه عشان خاطر عيالي، والمبلغ دا كان نصيبه من قطعة أرض ميراث أمنا.
**
قسما بالله اللي بقولهولك دا الصدق. وإحنا من صغرنا لا نعرف غير الحق، راح جاب توكتوك، وبعد كدا لقي نفسه مش هاينفع في الشغلانة دي، لأنه زى ما بقول لك كدا، دمه حر. والشغلانة أغلبها زي ما أنت فاهم، مشاكل وعيال، ودا بيقول على دا، ودا مش عارف إيه، فراح بايع التوكتوك، وراح جايب الترابيزتين اللى بقولك عليهم دول وبدأ يشتغل. وكان ياجى ياخد معانا ثلاث أسابيع في المخبز، ويروَّح الأسبوع الرابع يقعد في وسط عياله. وأخر فترة دي، كان ضهره شادد عليه جامد، وكان ماشى بالعِلاجات، فمكانش بينزل الشارع، يعنى نزلته للشارع بتبقى للشيء الضروري أوى. والصبح كان نازل يجيب ساندوتشات وعلبة سجاير، ووليد كان بيهزر معاه، وشدُّوا مع بعض، لغاية ما سمع صوت والدته وهي نازلة من على السلم فانسحب، وطلع البيت لغاية العصر.
وليد اتصل بأخواته وجابهم من إسكندرية، كانوا بيصيِّفوا، وجم وندهوا على حسن، ورد عليهم من البلكونة. وقال لأمير: أنا والله لسه كنت بفكر أنام. قال له: والله أنا جاي من إسكندرية مخصوص علشانك. أنا كدا كدا بقالى كتير ما قعدتش معاك، فقالهم طاب شدو كراسي واقعدوا على القهوة. ولبس هدومه ونزل لهم، وراح جايب لهم مشاريب.
أمير الله يرحمه، كان زميل دكَّه ليا. وهو كان رايح لحسن من مبدأ أنت مني وأخوك صاحبي. لكن دارت عصبية ودارت مناوشات، خلَّت التلاتة شدوا مع بعض، وقدَر الله حصل.
**
حسن كان شجاع، من النوع اللي دمه حر جدا، مش زي حالاتنا بيعدي الريح شوية. فمافيش نية ولا مبدأ للموضوع دا خالص. الحدوتة كلها إن سامي شد معاه وهو بيكلمه، فحصلت بينهم المشكلة.
لما بدأوا الكلام، قال له فاكر لما كنا مش عارف إيه مع بعض. لكن حنكش اللي هو سامي، كان مشحون جامد. رغم إن مافيش عداوة بينه وبين حسن، فطريقته كانت مستفزة. فحسن قال له ماتتكلمش بإيدك، وراح حنكش قايم وجاي زغده في صدره، فقاموا الاتنين مسكوا في بعض وبتاع وبدأت المشكلة، وحصل اللي حصل.
هاقول لك على حاجه، أبويا كان دايما يقول الواد دا فيه حاجه لله. على فكرة، حسن نطق الشهادة تلات مرات قبل ما يموت. دي كانت آخر حاجه بينطقها حسن، يعنى حتى وهو مروح ماحبش يسيب دين على رقبة أخواته، حسن اتزحلق في الدم وقع، بعد ما الله يرحمهم وقعوا. وهو واقع في الأرض كان وليد خايف منه، فهو خلاص السكينة وقعت منه. وهو خد بتاع خمس ست كور بلياردو في دماغه خلوه داخ واتزحلق وقع. فقال لوليد خد حق أخواتك، كدا خلاص، وسلم، وراح متشاهد بعلو حسه، التاني راح مديلو الضربة بقى كانت نهايته. فهو كان عايش طول عمره جدع وحقاني وبطوله، وهو الله يرحمه عاش محارب ومات محارب وبنحسبه عند الله، رحمه من ربنا والله يرحم الاتنين التانين بردو، كانوا أخواتنا ويصبر أهاليهم.
طول فترة المشكلة ماكنتش قاعد، لغاية ما جات الحكومة والطب الشرعي خدوه. يعنى أتحرمت حتى أشيلو من الشارع، بس ربنا أكرمنا وقدرنا نقف على غسله ودفناه بإيدينا الحمد لله”.
اقرأ أيضا
مذبحة حدائق القبة: حكاية البلطجي النبيل (2-4)