مديحة تتحدي الصعاب: «طردني مشرف هيئة التعليم وبعد 46 عام حصلت على الليسانس»
مديحة جاب الله مراد، أربعينية من ذوي الهمم بمحافظة قنا، ولدت كفيفة وعجز الأطباء عن علاجها. تحدت مديحة كل الظروف المحيطة بها التي حالت بينها وبين تعليمها. حتى تخرجت في كلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية وفي طريقها لاستكمال الدراسات العليا.. «باب مصر» التقى مديحة للتعرف على قصتها.
نفسي أتعلم
تحكي مديحة قصتها لـ«باب مصر» وتقول: “أنا كان نفسي أتعلم زي أخواتي، منهم من تخرج في كلية الآداب والتربية ومنهم من أكمل حتى الدبلوم. وبسبب أنني كفيفة لم التحق بالمدرسة، ولم تكن هناك مدرسة قريبة لذوي الهمم في بلدتي أو في القرى المجاورة. كنت أبكي كل يوم من أجل الالتحاق بالمدرسة مع أخواتي. فكان والدي يعلمني حفظ وتلاوة القرآن الكريم والآيات الصغيرة شفويا، حتى لا أشعر بالعجز. وكان يوليني أيضا اهتماما كبيرا دونا عن أخواتي الذين التحقوا بالمدارس”.
رغم اليأس الذي أصيبت به مديحة، إلا أنها حاولت الالتحاق بفصول محو الأمية حينما بلغت 19 عاما. وذلك عندما سمعت عن افتتاح فصول محو الأمية في أحد المنازل القريبة منها، وبالفعل التحقت به وتعلمت القراءة والحساب.
مشرف الهيئة
واجهت مديحة عقبة أخرى في طريق تعليمها الذي كانت تحلم به، عندما رفض مشرف معلمتها بمحو بالهيئة العامة لمحو الأمية بقنا، انضمامها للفصل. فغادرت مسرعة لمنزلها وقد انهمرت في البكاء ولم تستطع الحضور مرة أخرى. وما كان من المعلمة إلا أن حضرت لها بالمنزل واعتذرت لها بسبب عدم وجود فصول محو أمية لذوي الهمم.
تقول مديحة: “استسلمت لما حدث ومكثت في المنزل لا أخرج منه أبدا. ولم يمر على ذلك الموقف سوى عدة شهور، حتى أرسل أحد أطباء العيون بقنا لأبي خبرا عن افتتاح مدرسة البصريات بقنا لذوي الهمم. وبالفعل قدمت فيها أوراقي ورفضوني بسبب بلوغي 19 عاما، استسلمت مرة أخرى وقلت هذا نصيبي”.
ظلت مديحة هكذا حتى وصلت عامها الـ36 حتى قابلت أحد الأشخاص أثناء تجولها بالسوق رفقة والدتها، والذي سألها عن سبب عدم التحاقها بمدرسة البصريات. فحكت له ما حدث. ومنها عرض عليها تعليمها القراءة والكتابة بطريقة برايل للمكفوفين، وبالفعل صدق معها وعلمها طريقة برايل في غضون شهرين.
تقول مديحة: “أصبحت اقرأ وأكتب بطريقة برايل، بل وساعدني محام التمس حماسي للتعليم. فأرسل لي طلبا لوزارة التربية والتعليم من أجل التحاقي بالمدرسة الابتدائية. وبالتالي حولت الوزارة الخطاب لهيئة محو الأمية وتعليم الكبار وكان هذا في عام 2013. وبعدها تواصل معي أحد مسؤولي الهيئة العامة بقنا وأرسلوني لفرع الهيئة بأسوان لعدم وجود فصول متخصصة في قنا”.
محو الأمية بأسوان
وتابعت: التحقت بفصول محو الأمية بأسوان، وتقدمت للامتحانات ونجحت في الابتدائية، ومنها التحقت بالإعدادية “منازل” بسبب كبر سني في معهد النور للمكفوفين بقنا “مدرسة البصريات سابقا”.
بسبب ما حدث معها كانت مديحة سببا في إنشاء أول فصل محو أمية لذوي الهمم بمحافظة قنا. وبعد تفوقها في الإعدادية والثانوية، التحقت مؤخرا بكلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية. وتخرجت فيها بتقدير جيد جدا، محققة المركز الرابع على مستوى الكلية، وفي طريقها لاستكمال الدراسات العليا.
تختتم مديحة حديثها وتقول: “مررت بمراحل يأس كثيرة في حياتي ولكن حاولت التغلب عليها مرارا وتكرارا. بمساعدة الكثيرين حولي كانوا نقطة تحول في حياتي”، ووجهت رسالة لأمها قائلة: “لو كنتي ودتيني المدرسة وأنا صغيرة، كنت بقيت دكتورة دلوقتي”. فيما تقول للآخرين من ذوي الهمم والأصحاء على حد سواء: “تمسكوا بالعلم فإنه نور، والجهل مصيبة”.
اقرأ أيضا:
رغم إغلاق المصنع: «نور» خزاف بجراجوس يسوق منتجاته في المعارض