محمد نجيب مترجم روائية نوبل: لهذه الأسباب ترجمت هان كانج
لم يكن اسم الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانج غريبا على قراء العربية، إذ سبق أن ترجمت أعمالها إلى العربية من قبل. بدأها د. محمد نجيب، المترجم المصري الذي أتاح للقارئ العربي فرصة التعرّف على عوالم كانج.
خلال حديثه مع «باب مصر»، يلقي نجيب الضوء على تأثير الأدب الكوري في الثقافة العربية والتحديات التي تواجه الترجمة عن اللغة الكورية. إذ ترجم نجيب الروايات الثلاثة للكاتبة الكورية هان كانج، من الكورية إلى العربية مباشرة، بدون اللجوء إلى لغة وسيطة، وهي روايات “الكتاب الأبيض” و”أفعال بشرية” وكلاهما صدر عن دار التنوير للنشر، ورواية “دروس إغريقية” الصادرة عن دار تشكيل، كما يعمل الآن على ترجمة الروائة الرابعة «الوداعات المستحيلة»، المتوقع أن تصدر قريبا.
كيف شكلت المأساة الشخصية حياة هان كانج الأدبية؟
يتحدث نجيب عن ترجمته لأعمالها الثلاثة، ويقول لـ«باب مصر»: “كانت البداية مع “الكتاب الأبيض”، وهي رواية تتميز بطابع السيرة الذاتية. تعكس الكاتبة في هذه الرواية تجربة مؤلمة من طفولتها، حيث توفيت شقيقتها الكبرى بعد لحظات من ولادتها. وبسبب هذه المأساة، قرر والداها أن تُولد هان كانج”.
تُظهر الرواية كيف أن حياة الكاتبة ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بتلك اللحظة الفارقة. ويصف كتابتها: “اعتمدت هان كانج أسلوبًا تجريبيًا يتناول موضوعاتها عبر تأملات في أشياء بيضاء، مع فصول قصيرة ولغة شعرية، وقد أُدرجت الرواية في القائمة القصيرة لجائزة بوكر”.
أحداث جوانججو في “أفعال بشرية”
بعد ذلك، ترجم نجيب رواية “أفعال بشرية”. تتناول هذه الرواية حدثًا تاريخيًا مهمًا في كوريا، يتشابه مع مظاهرات طلابية في العاصمة جوانججو. كان هذا الاحتجاج ضد بعض القرارات السياسية والاجتماعية، لكن الشرطة تدخلت بقوة، مما أدى إلى مقتل حوالي ألف طالب.
ويقول إنه تروي الكاتبة هذه القصة من خلال حدث مأساوي يتمثل في وفاة صبي في العاشرة من عمره، الذي قتل بالرصاص أثناء تواجده في الشارع. تتكون الرواية من سبعة فصول. حيث يعرض كل فصل وجهة نظر مختلفة حول تجربة وفاة الصبي، مستخدمة أساليب سرد متنوعة، بما في ذلك السرد من منظور المتحدث والضمير الغائب.
الإنسانية والأمل في “دروس إغريقية”
بعد “الكتاب الأبيض” و”أفعال بشرية”، ترجم نجيب رواية ثالثة لهان كانج بعنوان “دروس إغريقية” عن دار تشكيل في السعودية. تتناول الرواية قصة إنسانية مؤثرة لامرأة فقدت القدرة على الكلام بعد أن خسرت قضية حضانة ابنها، مما جعلها تفقد رغبتها في التواصل. قررت هذه المرأة أن تتعلم لغة ميتة لا تُستخدم اليوم، وهي اللغة الإغريقية.
ويردف: “أما الشخصية الثانية في الرواية فهي معلم اللغة الإغريقية، الذي اكتشف منذ صغره أنه يحمل مرضًا وراثيًا يؤدي إلى فقدانه البصر تدريجياً عند بلوغه الثامنة عشرة. يعيش في قلق دائم بسبب اقتراب فقدان بصره بالكامل في الأربعين”.
ويستكمل المترجم المصري: “تتميز الرواية بأسلوب سردي فريد. حيث يروي كل فصل من منظور شخصية مختلفة: فصل من وجهة نظر المعلم وآخر من وجهة نظر المرأة التي فقدت القدرة على الكلام. وفي الفصل الأخير، يلتقي الشخصيتان ويتحدثان، حيث تكتب المرأة الكلمات على يد المعلم”. وعلى حد وصفه، على عكس أعمال هان كانج الأخرى التي تغلب عليها السوداوية والعنف، تحمل “دروس إغريقية” نبرة من الأمل والتفاؤل، مما يجعلها تجربة فريدة في مسيرتها الأدبية.
“الوداعات المستحيلة”: عودة للذكريات والحنين
لا تنتهي رحلة تعريف أدب هان للقارئ العربي عند هذا الحد. إذ يعمل محمد نجيب على ترجمة رواية أخرى لهان كانج، وكشف كواليس عمله الحالي لترجمة أحدث رواية لهان كانج من الكورية إلى اللغة العربية، وهي رواية تحمل عنوان “الوداعات المستحيلة” التي صدرت في كوريا عام 2021 ومن المقرر أن تصدر في العربية العام المقبل.
ويقول: “تتناول الرواية موضوعًا مشابهًا للحرب الأهلية في كوريا، حيث تجري الأحداث قبل اندلاع الحرب. وتروي القصة صراعات عائلية داخل المجتمع الكوري، وتدور أحداثها أيضًا خلال فترة العزل بسبب جائحة كورونا. تتبع الرواية بطلتها التي تتلقى مكالمة من صديقة لها تقيم في الخارج ولا تستطيع العودة، مما يثير ذكرياتها عن جدتها التي توفيت في الأربعينات”.
الأدب الكوري: تقاطعات ثقافية وتحديات ترجمة
يتحدث نجيب عن كواليس اختيار الأعمال للترجمة، ويقول: “هناك تداخل بين الرغبات الشخصية ومتطلبات الناشر. كنت أرغب بشدة في ترجمة “أفعال بشرية”، وعندما عرفت أن حقوق الكتاب محفوظة لدى دار التنوير، قدمت عينة من ترجمتي. وأؤمن أنني لا أترجم إلا الأعمال التي تثير اهتمامي وتحمسني، وهو ما يتوافق أيضًا مع رؤية الناشر”.
وعقد المقارنة بين الأدب الكوري والأدب العربي، ويرى أن الأدب الكوري يعكس طابعًا إنسانيًا ويعكس قضايا اجتماعية في مجتمعات محافظة أكثر من نظيراتها الغربية. ويضم الأدب الكوري أعمالًا جدية مثل تلك التي تقدمها هان كانج، بالإضافة إلى أعمال نسوية وفانتازية، مما يجعله متنوعًا وغنيًا.
ويتابع: “لم يقتصر انتشار هذا الأدب على العالم العربي فحسب، بل تم ترجمته إلى العديد من اللغات الأخرى، على الرغم من أن عدد الكتب المترجمة إلى العربية لا يتجاوز 200 عمل”.
يرى أن حركة الترجمة من الكورية إلى العربية بدأت في التزايد، رغم أن اللغة الكورية ليست شائعة. ويفسر زيادة الاهتمام بالكتابات الكورية، لأن كل عمل مترجم يضيف بُعدًا جديدًا، مثلما فعلت الأعمال الأدبية من أمريكا اللاتينية. منذ الستينات، “شهدنا حركة ترجمة كبيرة نتيجة لرغبة في استكشاف عوالم أدبية جديدة”.
تتضمن عملية الترجمة من الكورية تحديات متعددة، ويقول: “كل لغة تحمل مصطلحات وأمثالا قد يصعب نقلها إلى العربية. لذا، فإن إجادة اللغة الكورية وحدها لا تكفي، إذ يجب على المترجم أن يتعلم من الأخطاء ويطور مهاراته”.
“هل تساهم ترجمة الأعمال الأدبية للغات غير لغتها الأصلية في ترشيحها لجائزة نوبل؟”، يوضح نجيب أن ترجمة الأعمال إلى لغات عدة تساهم في رفع فرص الكاتبة لنيل جوائز مثل جائزة نوبل. خاصة أن معظم أعضاء لجان الجوائز من أوروبا، لذلك كلما كانت الأعمال مترجمة إلى لغات أوروبية، زادت فرصها في الفوز. حصلت هان كانج على جائزة البوكر عن روايتها “النباتية” في 2016، وكذلك جائزة فرنسية مرموقة عن روايتها “الوداعات المستحيلة” العام الماضي، مما يعزز من حظوظها في الحصول على جوائز أخرى مستقبلاً.
زيادة الاهتمام بالترجمة الكورية في العالم العربي
لفتت هان كانج انتباه لجنة نوبل من خلال فوزها بالجائزة رغم أنها كتبت حوالي ست أو سبع روايات، لم يترجم منها سوى ثلاث حتى الآن. من بين الأعمال التي لم تترجم رواية “الغزال الأسود”، التي تتناول قصة فتاة صديقها انتحر، وتكشف أن صديقها لم يمت بهذا الشكل. ويضيف: “هان كانج ليست روائية فحسب، بل هي أيضًا كاتبة قصص قصيرة وشاعرة. ومع ذلك لم يحظَ إنتاجها بالترجمة إلى الإنجليزية أو العربية، ربما لعدم حماس الناشرين. لكن بعد فوزها بنوبل، يحتمل أن يتغير هذا الوضع”.
وعن تصنيف أدب هان كانج، يقول: “تتسم أعمال هان كانج بأسلوب معاصر. وغالبًا ما تجمع بين الأدب الواقعي واللغة الشعرية، حيث تحتوي على الكثير من الحوارات الداخلية والتأملات الذاتية”. مضيفا لـ«باب مصر»: “آمل أن تتنوع ترجمات الأدب الكوري أكثر في المستقبل. على الرغم من كون كوريا دولة صغيرة، فإن فوز هان كانج بالجائزة يعتبر إنجازًا كبيرًا”.
ينسب نجيب نجاحات الكُتاب الكوريين الجنوبيين إلى جهود الحكومة الكورية الجنوبية في دعم الأدب وترجمته إلى لغات أخرى، والتي بدأت تجنَى ثمارها. ويختتم حديثه: “هذه الجهود تساهم في تعزيز مكانة الأدب الكوري عالميًا. لأنه حقق العديد من الكتاب الكوريين نجاحات ملحوظة، وتم إدراجهم في القوائم القصيرة لجوائز مرموقة، ما يعكس تطور الأدب الكوري وزيادة اهتمام الجمهور العالمي به”.