محمد سليم شوشة يكتب: القوة الناعمة لفن الإضحاك
يمثل الرحيل الجسدي للكوميديان القدير سمير غانم خسارة كبيرة للثقافة المصرية والإبداع والفن المصري، ذلك لأن الكوميديا هي الفن الأصعب والأكثر تعقيدا ولا يمكن تحصيله أو تحقيق وجوده اعتمادا بشكل خالص على المجهود والدراسة والتدريب، بل هو من الأمور المعقدة في إنتاجها وتعتمد على الموهبة بدرجة أكبر، التراجيديا يمكن تحقيقها بالتدريب والممارسة، لكن الكوميديا لا يمكن أن يكون هذا شأنها، فالتمارين والعلم والتدريب الفني يطورها فقط، لكنها لا توجد الكوميديا أو تقدر على خلقها، الكوميديان مسألة مرتبطة بالقبول وبروح الشخصية وطريقته في رؤية العالم والتعامل مع الوجود، الكوميديا تنبع بداية من العقل والروح ومن أعماق شخصية الكوميديان، والكلام المضحك الذي يلقيه ممثلان أو يؤديه اثنان من ممثلي الكوميديا لا يكون له الأثر نفسه أو القدرة ذاتها على الإضحاك.
لقد كان لسمير غانم سمت ثابت من بداية انطلاقه، وكان هو الركيزة الأساسية لثلاثي أضواء المسرح والمحور الأوسط بين زميليه جورج والضيف، لكنه بعد انتهاء الثلاثي ظل محافظا على دوره ووظيفته الكوميدية التي كان يدركها جيدا ويستوعب متطلباتها وكأنه قد درسها بشكل علمي حديث وعميق، ومع الأسف فإن النقد الفني لدينا ليس بالوعي والتطور الكافي الذي يمكن أن يساعدنا على إدراك قيمة الكوميديان أو يميز بين طرائق الكوميديا وتقنياتها وأساليبها، فلا يوجد لدينا النقد الذي يمكن أن يسهم في تنمية هذا الفن الذي هو في غاية الأهمية وله دور خطير في ظل الحديث عن سلطة الفن ونفوذه وتأثير القوة الناعمة.
لو كان لدينا نقد فني دقيق لتوقف طويلا مع الأدوات المساعدة التي كان سمير غانم يوظفها بعبقرية شديدة في فنه الكوميدي، ليؤسس من قبل انطلاق التصوير أو لحظة التمثيل على خشبة المسرح لكاريزما وروح الكوميديان، أول وأبرز هذه الأدوات كانت الملابس، فالفنان القدير الكوميديان العبقري يمكن أن يكون قد حقق رقما قياسيا بين ممثلي العالم كله وهو الخاص بالملابس، ذلك لأن سمير غانم من بعد ثلاثي أضواء المسرح هو الممثل الوحيد ربما في العالم الذي لن تجد مثيلا أو شبيها للملابس التي كان يظهر بها أمام جمهوره، فقد كان حريصا على أن تكون له تصميماته الخاصة وتفصيلاته التي ربما كان يضع تصورها بنفسه مع من يقومون بالتنفيذ، وفي تصوري أن ملابس سمير غانم لم تكن أمرا شخصيا أو مجرد هواية ذاتية وشخصية، بل هي جزء من مقتضيات تلك الروح المرحة التي كان حريصا عليها وكان يستوعب بدقة أنها وظيفته، فهو واحد من المتفردين بأسلوبه، ذلك لأنه حافظ على فكرة الإضحاك وإدخال البهجة، أدرك أن وظيفته هي أن يضحك الناس دون ابتذال أو انزلاق إلى قيم قيم غير موثوق بها، بل ظلت قدراته الإضحاكية المتفردة في الإطار العام للمجتمع المصري والعربي والقيم الإنسانية النبيلة، ولهذا فإننا ربما نكون في أمس الحاجة إلى دراسات معمقة عن فلسفة الإضحاك والكوميديا وتقنياتها الفنية وأنماطها، حتى يكون لدى فنانينا مثيل هذا الوعي الفطري الذي كان يتمتع به الفنان الراحل القدير سمير غانم، الذي هو خالد بفنه لأن مثله لا يموت.
إن جزءا كبيرا من قوة مصر كان بفعل دور سمير غانم، نفوذ مصر وتسللها ثقافيا إلى قلوب العرب من المحيط إلى الخليج وإلى قلوب غيرهم من الأمم كان بفعل الدور الكوميدي لسمير غانم ومن يناظرونه في القيمة والتأثير، ذلك لأن الإضحاك والفكاهة والكوميديا مطلب إنساني عام وثابت، بمعنى أنه يكون قابلا للترجمة ويظل محافظا على وظيفته وفاعليته، لأن الكوميديا تقوم على أنماط ثابتة من التقنيات مثل المفارقة والتلاعب بالمنطق والسخرية والتهكم والمحاكاة الساخرة وكلها أشياء شبه ثابتة والاختلاف فيها بين الثقافات طفيفة. ولهذا فإن نفوذ فن سمير غانم لا يمكن حصره في إطار الثقافة المصرية بل إنه يتسع جدا ويسهم في جعل مصر من الدول ذات الواجهة الإنسانية والراغبة في الحياة والمقبلة عليها، ذلك لأن الكوميديا مؤشر على المقاومة ومؤشر على الرغبة في الحياة عند الإنسان وقدرته على التعايش والاستمتاح بالوجود ومقاومة القبح والتشوه.
تعليق واحد