محمد حمزة: هدم المقابر لن يتوقف.. و«العناني» غير مؤهل لمنصب مدير اليونسكو
حبه للتاريخ بدأ منذ مرحلة مبكرة، حيث لاحظ أساتذته موهبته خلال المرحلة الابتدائية، وبسبب ذاكرته «الحديدية» أطلقوا عليه لقب «أبو التاريخ». أما تعلقه بالآثار فقد بدأ أثناء الجولات التي كان يقوم بها رفقة عائلته. كان والده يصحبه وأسرته من محافظة الغربية إلى القاهرة لحضور مولد سيدنا الحسين.
يقول: «كنت أتركهم وأقوم بجولات داخل القاهرة القديمة. عرفت جميع الدروب والأزقة. وزرت معظم آثار القاهرة والجيزة، وساعدني في ذلك معرفتي وخلفيتي التاريخية لهذه الأماكن القديمة. لذلك، عقب المرحلة الثانوية، قررت دراسة الآثار». ورغم حبه للتاريخ، إلا أنه اختار التخصص في الآثار. وكان سبب ذلك رغبته في معرفة الجانب المادي للمدينة، فهو لم يرد أن يكون حبيسًا داخل المكتبات، بل أراد أن ينطلق ويتعرف على الجانب المادي للمدينة.
في البداية، كان حمزة يرغب في الالتحاق بقسم المصريات، لكنه قرر في نهاية الأمر دراسة الآثار الإسلامية بعد خلاف نشب بينه وبين أستاذه رمضان عبده، وقد تدخلت الدكتورة سعاد ماهر، عميدة كلية الآثار بجامعة القاهرة آنذاك، وسمحت له بالتحويل لقسم الآثار الإسلامية، الذي عُين فيه معيدًا فيما بعد، ثم قرر أن يخصص رسالته للماجستير حول منطقة القرافة، والتي تعد من أوائل الدراسات الأثرية في العالم التي لفتت الانتباه إلى هذه المنطقة. يقول: «أردت تقديم رسالة عن القرافة لأنني تعلقت بالمنطقة منذ مرحلة مبكرة من حياتي، كنت أزورها بشكل مستمر مع عائلتي في القاهرة، أبهرتني المدينة وصرت مع الوقت أحد مجاذيب قرافة القاهرة».
هنا نحاور الدكتور محمد حمزة الحداد، العميد السابق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، وأحد أبرز المدافعين عن تراث مدينة القاهرة. نتحدث معه حول رؤيته لما يحدث داخل المدينة التي باتت مهددة.
-
في عام 2015 تم تكليفك من جانب وزير الآثار ممدوح الدماطي لرئاسة لجنة لتسجيل جبانات القاهرة. لكن رغم صدور القرار، إلا أنه لم ينفذ، بل كانت هناك محاولات من جانب بعض مسؤولي الآثار خلال فترة مصطفى وزيري باتهام اللجنة فيما آلت إليه وضع الجبانات. ماذا حدث؟
أولًا، أنا من طالبت بتشكيل لجنة تسجيل القرافة، وأردت تسجيلها بشكل كامل باعتبارها موقعًا أثريًا شاملا، وليست مجرد مباني أثرية كما يحاول بعض الآثاريين التهرب الآن من هذه الجزئية. الأمر الثاني أنني نجحت في تشكيل اللجنة بعد أن أصدر الوزير ممدوح الدماطي وقتها قرار التشكيل. لكن المشكلة أن اللجنة لم تفعل. لم تجتمع اللجنة أصلًا، وكانت هناك حجج وتأجيلات مثل أن الأوضاع الداخلية لا تسمح بدراسة المنطقة على الأرض، فضلًا عن حجة عدم توفر الميزانية.
كنت دائمًا أتحدث مع الوزير في اجتماعات مجلس الإدارة، وكان يعتذر عن عقد أعمال اللجنة لحين استقرار الأوضاع وتوفير الميزانية. وعندما جاء “العناني” لوزارة الآثار تم “دفن” القرار، إذ جرى استبعادي من مجلس الإدارة عن عمد. وتغير رئيس القطاع الدكتور محمد عبد اللطيف، وكذلك الأمين العام؛ وبالتالي أصبح القرار مجرد ورقة داخل الدرج. أما من يحاولون مهاجمتي فهؤلاء يحاولون دفن رؤوسهم مثل النعام تمامًا.
لماذا لم يُفعلوا قرار اللجنة مرة أخرى؟ ولماذا لم يشكلوا لجنة أخرى؟ ولماذا وافقوا على قرارات الهدم أصلًا؟ وبالمناسبة، أنا من نشرت القرار على الفيسبوك، حيث لم يكن أحد يعرف أي شيء عن الورقة من الآثاريين. العراقيل الإدارية بالكامل كانت من جانب وزارة الآثار. كان من المفترض تحديد آلية عمل اللجنة والبدء في تنفيذ القرار، لكن الأمر لم ينفذ. وعندما جاء خالد العناني إلى وزارة الآثار، أعاد تشكيل مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار بهدف استبعادي من المجلس.
-
وما سبب اختيار طالبة بكلية الآثار ضمن أعضاء هذه اللجنة؟
أريد إيضاح هذه الجزئية: هذه الطالبة هي في الأساس مفتشة آثار وليست طالبة، وقد استعنا بها في اللجنة كون أن رسالتها للماجستير عن المنطقة، ووضعنا اسمها للتنسيق مع “التُربية” التي تعرفهم جيدًا، ولترتيب الأمور. فهذه المقابر ليست في حيازة الآثار بل الأوقاف. وخلال الفترة المقبلة سيتم مناقشة رسالتها للدكتوراه وموضوعها أيضًا عن منطقة القرافة.
-
إذن على من تقع مسؤولية هدم منطقة القرافة؟
موضوع هدم القرافة ليس جديدًا، بل ظهر في سبعينيات القرن الماضي عندما رأت محافظة القاهرة أن الحل هو الهدم بسبب تكدس المساحات داخل المدينة. لذلك أرادوا حل المسألة من خلال هدم وتطوير الجبانات، وإنشاء مسارات وطرق جديدة. وقد دافعت الصحافة عن أية عمليات هدم داخلها، خصوصًا بعد تسجيل القرافة على لائحة التراث العالمي. ورفضت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية وقتها أية عمليات هدم داخل القرافة. أما الآن، ومع التنمية المستدامة، ورؤية مصر 2030، وسرعة تنفيذ المشروعات، فقد تم اعتبار الوقت مناسبًا لتنفيذ المشروع، واعتبار أن أجزاء من هذه المنطقة تقع ضمن المنفعة العامة؛ أي يحق للدولة إزالة ما تشاء داخلها.
-
وما الحل للتعامل مع القاهرة في الوقت الراهن؟
الحل هو استحداث قانون للآثار والتراث الموحد، مع تبعية هذا القانون لجهة إدارية واحدة لمحاسبتها. الأمر الثاني، لابد من إجراء تعديل على قانون المنفعة العامة، وإضافة فقرة وهي: عندما تتعارض المنفعة العامة مع التراث يجب البحث عن بدائل وحلول مبتكرة لا علاقة لها بالموقع الأثري. نحن لسنا ضد التطوير أو التحديث، ولكن عندما يتعارض الأمر مع موقع تراثي أو أثري، فيجب احترام الموقع، ما دامت هناك بدائل وحلول.
-
لكن الدولة شكلت لجنة للبت في أمر الجبانات..
وماذا حدث؟ تم هدم الجبانات في النهاية ولم يؤخذ برأي اللجنة. أنا كنت أحد أعضاء اللجنة في بداية الأمر، وأضافوني على جروب الواتساب بالفعل. لكن ما حدث هو أنهم فجأة، وبدون مقدمات، قرروا إبعادي، وحذفوا الجروب. وقد اتصلت بي مديرة مكتب وزير التعليم العالي أيمن عاشور واعتذرت، وقالت إن اللجنة سيقتصر دورها على أساتذة الهندسة والعمارة والتخطيط. وأبلغتني أنه سيتم تشكيل لجنة من الآثاريين وأنني سأصبح رئيسًا لها. لكن علمت بعدها أن وزير التعليم العالي لم يرد إدخال أي من الآثاريين في اللجنة تجنبًا لـ«وجع الدماغ!».
-
تعتقد أن هناك تحاملًا على مسؤولي الآثار؟
لا يوجد أي تحامل. الآثار هي من تعطي الموافقات بالهدم، إذ يتعاملون مع الجهات الرسمية ويمررون لهم قرارات الهدم بدعوى أنها مناطق غير مسجلة! وهذا تضليل واضح وصريح. المنطقة ليست مجرد مباني أثرية، بل هي موقع أثري بالكامل، وهي مثل منطقة الأهرامات. وقانون المنفعة العامة ينص على أنه من الضروري استشارة وزارة الآثار، ولها المسؤولية الكاملة في الحكم على أثرية الموقع من عدمه قبل إجراء أية أعمال هدم.
لذلك، نحن أمام كارثة حقيقية. المشكلة أن كلًا من أمين عام الآثار السابق مصطفى وزيري، وكذلك أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الإسلامية، سمحوا ومرروا كل قرارات الهدم. هؤلاء لم يبادروا بأية حلول، الأمين العام أراد تنفيذ أجندة الهدم للحفاظ على الكرسي الذي سحب منه في وقت لاحق.
-
لكن هذه القيادات تبدلت ولم تعد في الصورة..
لم يحدث شيء جديد. تفائلنا في البداية بوجود مجموعة جديدة، لكن على أرض الواقع، سمحوا باستمرار عمليات الهدم. وبالمناسبة، هدم المقابر سيستمر ولن يتوقف، إذ يجرى حاليًا إبلاغ الناس بضرورة إخلاء المقابر لاستمرار الهدم في منطقة الإمام الشافعي. فضلًا عن تبني القيادات الجديدة لفكرة تحويل المباني الأثرية لقاعات أفراح، وبالمناسبة، ما يجري الآن بخصوص استغلال المواقع هو استمرار لنهج قيادات الآثار السابقة. ربما على الأرض كانوا مختلفين في بعض النقاط، لكن على أرض الواقع، قام كلاهما بدور تكاملي؛ أي اتبعوا نفس النهج. والشيء الوحيد الذي يجمع بينهم أنهم لا يملكون أي رؤية حقيقية. هؤلاء تخلوا عن مسؤوليتهم الحقيقية للحفاظ على مناصبهم. إذا أردت أن تعرف حجم الكارثة، عليك الذهاب لمنطقة القلعة لمشاهدة ما جرى. فقد حولوها بالكامل لقاعات أفراح.
-
والحل؟
الحل هو تسجيل كل المواقع غير المسجلة في منطقة الجبانات خاصة أن المنطقة مُسجلة على لائحة التراث العالمي. ولكن، تواجه هذه الخطوة رفضا من وزارة الآثار بحجة عدم رغبتها في تحمل مسؤولية الترميم بسبب نقص الميزانيات. والحل الثاني، هو التراجع عن مشاريع “إعادة الاستخدام” الفجة. ينبغي أن تُطرح هذه المشاريع على لجان علمية متخصصة لوضع دراسات ورؤى حقيقية حول الطريقة الأمثل لاستخدام المواقع الأثرية.
-
هل استعانت بك القيادة الجديدة للمشورة؟
لا، رغم أن جمال مصطفى، رئيس القطاع الجديد، تواصل معي في البداية وطالبني بتشكيل لجنة من الأساتذة ووعدني بعدم التدخل في أعمالها. وقد رشحت له ثمانية أساتذة من غير المتعاونين مع المجلس الأعلى للآثار. وحتى الآن لم يصدر القرار، وأظن أنه أراد معرفة الأسماء الجيدة من الأساتذة لاستبعادهم لاحقا من أي أعمال داخل الآثار. حاليًا يتم تحييد جمال عبد الرحيم عن الصورة، وإحلال الدكتور أحمد الشوكي بدلًا عنه، وكذلك الدكتور محمود رشدي، والدكتور سامح البنا.
-
كيف تقيم الدراسات الأثرية داخل كليات الآثار؟
هناك أزمة، سببها التوسع الكبير في كليات الآثار، وقد سبق أن حذرنا من الكارثة، لكن لم يلتفت إليها أحد. وعندما كنت عضوًا في مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار، وخلال فترة عمادتي لكلية الآثار بجامعة القاهرة، تقدمت بمشروع لاقتصار عدد كليات الآثار على ثلاثة فقط: واحدة في القاهرة، وأخرى في الدلتا، وأخرى في الصعيد. مع تجميد قسم الآثار في كليات الآداب. وقد تحمس الدكتور خالد العناني للفكرة وتواصلنا مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي، لكن المشروع ظل حبيسا في الأدراج ولم يُنفذ منذ عام 2016. وتفاجئنا أن كليات الآداب تحولت مع مرور الوقت إلى كليات آثار. لذلك أعتبر أن التوسع في إنشاء كليات الآثار كان خطأ فادحا وجريمة في حق البلد، لأن مثل هذه القرارات ساعدت على ارتفاع نسبة البطالة والعاطلين في المجتمع.
-
خلال وقت عمادتك لكلية الآثار بجامعة القاهرة ركزت على التوسع في الأقسام المتخصصة.. ما أهمية التركيز على التخصصات الدقيقة؟
التوسع في الدراسات المتخصصة ضرورة ملحة الآن، وهي ليست رفاهية، فالأجانب تفوقوا لأنهم ركزوا على مثل هذه التخصصات. لكن للأسف نحن في مصر لا نهتم بهذه الأمور؛ لذلك أردت التأسيس لهذه المدرسة داخل كلية الآثار وتكثيف هذه النوعية من الدراسات.
-
ما مشاكل عدم وجود تخصصات دقيقة؟
القانون القديم جعل التخصصات فضفاضة. على سبيل المثال، ستجد مصطلح “أستاذ الآثار الإسلامية” أو “أستاذ الترميم”، وهي أمور أفضت بنا إلى كوارث. لأن الأساتذة المرممين قد يكون تخصصهم الدقيق هو ترميم المعادن، لكن هذا لا يمنحهم الحق في وضعهم على رأس لجان أثرية لترميم الهرم مثلًا. صحيح أن الترميم هو اختصاصهم، لكن تخصصهم الدقيق لا يتناسب أبدًا من المهمة التي كلفوا بها، وقد تلاعب المجلس الأعلى للآثار لسنوات طويلة ووضع غير المتخصصين على رأس اللجان الأثرية؛ لذلك أردت أن أضع حلًا لهذه المشكلات، من خلال التخصصات الدقيقة.
قمت بتقسيم تخصصات كلية الآثار الإسلامية لعدة أقسام، منها: العمارة، والفنون، والتصوير، والكتابات، والمسكوكات. لذلك أرى دائمًا أن جزءا من أزمة الجبانات الحالية تقع على مسؤولية هؤلاء غير المتخصصين ممن كلفوا بهذا الملف. ستجد مثلًا أن رئيس اللجنة المعنية بالجبانات حاليًا تخصصه الدقيق حول التصوير الإسلامي في الهند، وهو لا يعرف الكثير عن الآثار المصرية الإسلامية. وستجد معاونوه في اللجنة أحدهم متخصص في منطقة آسيا الوسطى وتحديدًا أوزبكستان، وهذا ليس منطقيًا.
-
لكن دعني أختلف قليلًا.. هؤلاء أيضًا ورغم أن تخصصهم الدقيق ليس الجبانات أو الآثار في مصر، لكنهم على علم ومعرفة بالدراسات الأثرية المصرية بحكم إشرافهم على رسائل علمية بشكل مستمر!
فاقد الشيء لا يعطيه، هناك خلط كامل في المفاهيم وهذه هي سبب الكارثة التي نعانيها الآن في الجامعات المصرية.
-
أخيرًا.. ما هي فرص ترشح «العناني» لمنصب اليونسكو؟
أظن أن ترشيحه منذ البداية كان خطأ. ومن الممكن أن يصل إلى منصبه بحكم قوة الدولة المصرية، لكنني أصر على رأيي بأنه ليس مؤهلًا لهذا المنصب، ولم يكن مؤهلًا لإدارة وزارة بحجم الآثار. وقد ارتكب أكبر خطأ في حياته عندما دمج الآثار مع السياحة؛ لذلك أطالب بفصل الآثار عن السياحة.