محمد المخزنجي يكتب عن مذكرات الفنان محمد عبلة: «مصر يا عبلة»

كتاب بديع، استولى عليَّ ليومين متتاليين دون أن أستطيع مغادرته، تجربة بدايات لفنان كبير مدهش مدهشة، دهشة عميقة ومشعة دون زعيق ودون أي ادعاء، بطولة إنسان مصري أصلي، أسطى مصري كبير من أسطوات الفن والحياة، بملامحه وشاربه وبنيته الجسمانية الموحية كلها بالقوة، لكنها قوة صبور وعنيدة في هدوء.

كتابة صافية التواضع الجميل والمشع في آن، ومن آيات تواضعها العالي أن كاتبها وهو يمضي بنا في دروب تحدياته سعيا إلى حلمه المفارق لخشونة هذه الدروب وعوائقها، لا يتنافخ بقوة روحه التي هي قوية بلا ريب، قوة نشأة طفل فنان أكل قلب الذئب مجازا وفعلا، لهذا لا يجد نفسه في احتياج إلى التنافخ بهذه القوة، ثم أنه لا يضع ذاته في صدارة مشاهد الرحلة، بل يدفع بهذه الذات المصرية الأصلية وسط حشد من ذوات شبكة الحياة الثقافية المصرية في سنوات تكوينه، فنتنهد حنينا إلى تواشج هذه الشبكة المبدعة بكل أطيافها الفنية وأجيالها المتحابة في رحاب التوق إلى الجمال والحرية.

***

ولذلك، وعلى غير مرجع عنوان هذا الكتاب الجميل المومئ إلى مقولة ” دا الهرم، ودا النيل.. دي مصر يا عزة” في فيلم “الصعود إلى الهاوية”، يهبط بنا محمد عبلة بإشارة إلى مصر مغايرة، أكثر عمقا، وأوقع حياة، وأدعى إلى الحنين.. يهبط من حديث هتافي في طائرة تحلق في سماء مصرنا، إلى سرد حي لشبكة إبداعات الحياة لدى المصريين على الأرض، وهي في تصوري أولى وأجدر بالإشارة إلى مصر المبدعة حياة وفنا ومجاهدةً وطموحا، تعزز كلها رمزية الأهرام والنيل، وتصدح بما أسماه عبلة ” الرنين الداخلي ” في نفسه وفي أنفس مجايليه في شبكة الإبداع المصري العجيب والمدهش في سنوات تكوينه، وتكوين حشود هذا الجيل، الذي أنعش هذا إحساسي بشرف الانتماء إليه، والتشرف بتواشج هذا التكوين في ظلال أساتذة وآباء عظام المصرية والإبداع.

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

هذه حقا هي سردية «مصر يا عبلة»، التي كتبها باقتدار رائق الأسطى المصري الصميم الفنان: محمد عبلة. ونشرتها دار الشروق بتقدير خاص في هذا الكتاب، يتمثل عندي في توسيع الهامش الداخلي للصفحات، فلا يربك التضييق على قارئ شغفه ما يقرأ وهو يقلب الصفحات متشوقا إلى المزيد مما ينهمر عليه من وقائع وناس ذلك الزمان، من أزمنة مصر المبدعة، التي كانت، والتي نحلم بأن تعود. برغم كل ما نتعرض له من اعتصار وعسر وإهدار.. نحلم أن تعود.

اقرأ أيضا:

«من القلب للقلب»: ذكريات محمد عبلة وانطلاقته الأولى في لقاء مفتوح

 

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر