ما الذي يحرر المسرح من عزلته؟
علِقَ خمسة رجال في مصعد تعطل بعمارة حديثة البناء، في طريقهم لقضاء ليلة مميزة مع زجاجتين من البيرة، ليبدأ صراع نفسي بين أبطال العمل المسرحي الذين يحاول كل منهم إظهار نفوذه وسيطرته على الآخرين. وينتهي الأمر بوفاتهم جميعا نتيجة الجوع والعطش لأيام لم يوضحها العرض المقدم من فرقة «تياترو الصعيد» المعنية بتطوير الفنون الأدائية بمحافظة المنيا.
5 رجال بالطابق العلوي
قُدم عرض «خمسة رجال بالطابق العلوي» بدعم من مشروع “خارج حدود العاصمة” التابع للمعهد الثقافي الألماني «جوته». ضمن مشروعات ثقافية بالمحافظات، كدليل على أداء الفرق المسرحية المستقلة في الصعيد. عقب جلسة نقاش حول الفن الأدائي المسرحي بعيدا عن مركزية القاهرة. إلا أن العرض نفسه كان انعكاسا لجدال أُثير خلال النقاش عن معنى مركزية المسرح. وكيف تقدم الفرق المحلية مجتمعها ومدى إطلاع هذه الفرق على التجارب المسرحية خارج نطاق محافظاتهم.
خلال العرض، تبادل الجمهور التصفيق والضحكات على أداء الممثلين الذين ظهروا فخورين بأدائهم دون انتظار رأي نقاد ومسرحيون أنهوا نقاشهم قبل بدء العرض عن عزلة فناني الصعيد عن تقييم أدائهم أمام ثقافة ووجهة نظر مختلفة.
عزلة المحافظات
دار الحوار بين المسرحيين حسن الجريتلي ومجدي عشم، والشاعر والناقد جرجس شكري، ومديرة الإنتاج المسرحي مرام عبد المقصود، ونور الهدي طاهر، حول تأثير عزلة الفنانين في المحافظات، ما يؤدي إلى شعور بالتميز لعدم الاطلاع على ثقافات أخرى أو تعبير عن قضايا المجتمع المحلي، بحسب الناقد المسرحي جرجس شكري.
وقال شكري: «قد تعاني الفرق المسرحية في أي مكان، والصعيد مثالا، من العزلة وعدم الاشتباك مع ثقافات مختلفة لتقييم أدائها. ما يجعل أي شخص فينا لم يختبر ثقافته أوالأداء التمثيلي يعتقد أنه الأهم في مجاله على الإطلاق، وهو ليس من باب التباهي بالأداء، ولكن لأنه لا يجد من يقيم أدائه ويوجهه». وقال حسن الجريتلي، مؤسس فرقة الورشة: «الأساس في الإحساس بالتميز هو العزلة، حتى العزلة عن الثقافة المحلية. أجد فرق مسرحية في عمق الصعيد تحاول إنتاج أعمال أجنبية مترجمة، قبل أن تحاول الاشتباك مع القضايا المحلية، وإبراز التنوع الثقافي في مصر».
وأضاف: “منذ عهد مينا موحد القطرين، كان هناك تفكير أن مصر لا يمكن أن يكون بها تنوع ثقافي دون تهديد للوحدة الوطنية، كأننا جميعا يجب أن نكون متشابهين، برغم أن التركيز على الخصوصية والتنوع المصري هو ما جعل فرقة الورشة تجوب العالم. لذا يجب على الفرق المستقلة أن تعتبر مدينتهم هي المركز، وليس ما يحدث في العالم أو الوطن حولهم. والأهم من التدريب على مهارات التمثيل هو البحث عن وجهة نظر في الحياة والمسرح». وأكمل: «الفنان يجب أن تكون له فكرة خاصة به، وليس تقليدا أو مسخا لأفكار أخرى، والبحث في خصوصية كل منطقة في مصر يمكن أن يقدم فنها الخاص بها وهوية فنانيها».
مسرح مستقل أم مركزي؟
وأكدت نور الهدي طاهر، ممثلة مسرحية بني مزار بالمنيا، معاناة الفنان خارج القاهرة. وقالت: «نعاني من قلة الفرص للفرق المستقلة، خاصة في المنيا. وهو ما يقلل من فرص الظهور لأن كثيرا منا يبحث عن فرصة في العاصمة. وحتى الفرق التي تحصل على دعم مالي ومنح تحتاج دائما إلى تجديد هذه المنح ليستمر الدعم المالي».
وبررت طاهر الاعتماد على المنح الثقافية بأنه ليس كسلا أو طاقات محدودة، إنما ضعف فرص الظهور في الأقاليم، ما يضطر الفنان إلى الانتقال للعاصمة.
ودعمتها مرام عبد المقصود، مديرة الإنتاج المسرحي، وقالت: «التجارب المسرحية بالمحافظات تحتاج إلى تطوير التجربة الشخصية للشباب المشارك فيها لتستوعب أفكارهم، وفتحها للجمهور. حتى وإن كانت بمقابل بسيط للتذاكر ليكون دعما للفرق حتى تستمر بعيدا عن المنح. لأن أكبر الأزمات في العروض هي إمكانيات المسارح. فقد توجد أماكن في المحافظات يمكن أن تستوعب الفعاليات، ولكن المعدات المتاحة تأتي من القاهرة لأن المحافظات لا تتوفر بها إمكانيات إضاءة أو صوت».
مركزية المسرح
ورفض الناقد جرجس شكري وحسن الجريتلي مصطلح “مركزية القاهرة في المسرح”. حيث يمكن أن يكون المسرح في أي مكان هو المركز، وما حوله هو الهامش. حسب وجهة نظر العرض والفنان نفسه. وقال شكري: «التفكير في اللامركزية وواقع الفرق المسرحية المختلفة. لأن تطور فكرة المسرح المستقل كما صاغه أندريه أنطوان، هو البعد عن المظلة الرسمية. ولكنه في الوقت نفسه يؤكد مساوئ مركزية المسرح في القاهرة».
وأضاف: «أعمل على كتاب يبحث في تاريخ المسرح المستقل ولم أستطع الفصل بين المسرح الحكومي والفرق المستقلة، لأن هناك تداخلا. لا يوجد مسرح مستقل تماما إلا قليلا، لأن فكرة الاستقلال ماديا وفكريا غير موجودة. إلا في نموذج فرقة “الورشة” ومهرجان دي كاف كمثال. ففي مرحلة من تاريخ المسرح الحديث كان هناك رفض لأن يكون هناك مسرح انتقادي، وقد عُزل عن السياسة والقضايا الكبرى. وظني أن المسرح متشابه طوال الوقت ويفتقد إلى التنوع الثقافي، وهذه مشكلة».
وأكمل: «المسرح المصري نشأ في الأساس مستقلا وتطور وحقق كل أمجاده حتى الخمسينيات في القرن الماضي وتقبله المجتمع المصري في استقلاليته. ولكن لفترة طويلة كانت قضية استقلال المسرح شائكة لدى المسؤولين عن الثقافة. ما جعل فرقا مستقلة تعتمد على الدعم المالي من الحكومة. واستضافة في مسارح الدولة وفكرة أن يكون المسرح مستقلا وتدعمه الحكومة غير منطقي».
وقال المسرحي حسن الجريتلي: «تتحدث المؤسسات الداعمة عن استمرارية الفرق، واستقلالها، ولكنها في الوقت نفسه تدعم المشاريع، وليس الاستمرار. وأموال المنح تنتهي في إجراءات التأسيس، ويمكن أن تنتهي النقود قبل إنهاء العرض. لذا يجب أن يكون الدعم المالي للمؤسسة وليس العروض».