لماذا يجب الاهتمام بـ”مدابغ الفيوم”؟
كتب- هدير العشيري، إيمان عبداللطيف
“المدابغ” هي المنطقة الأشهر والأقدم بين أحياء الفيوم، هذه المنطقة التي يصل عدد سكانها إلى 100 ألف نسمة، والتي تعج بروائح الجلود، أطلق عليها الاسم لانتشار صناعة دبغ الجلود بها.
مع بداية الزحف العمراني للمنطقة بدأت الملامح القديمة للمنطقة تتغير، وهو ما قلل فرص انتشار المدابغ، فتناقص عددها من 50 إلى 5 فقط.
عن تاريخ مدابغ الفيوم
يقول عاطف محمد الأخرس، صاحب مدبغة، انتقلت المدابغ من منطقة كيمان فارس بالفيوم إلى منطقة المدابغ منذ الخمسينيات، وكانت المنطقة بعيدة عن الكتلة السكنية ومنعزلة عنها.
بعد ذلك بأعوام بدأ الزحف العمراني للمنطقة، ففي البداية كانت مساحة الأرض نحو 5 أفدنة، وتم تصميم نحو 50 مدبغة بالفيوم حينها، أما الآن فقد تقلص العدد كثيرًا.
وتشرف وزارتي الصناعة والتموين على الجلود الموجودة، ويحصل أصحاب المدابغ على تراخيص من الاتحاد الصناعي.
بعض سائقي التاكسي بالفيوم، يرفضون دخول المنطقة، ويرفعون أجرة التوصيل، بحجة أنها بعيدة وشوارعها غير ممهده ودائمًا تغرق في مياه الصرف الصحى، وهو ما يشتكى منه سكانها أيضًا.
عندما تدخل المنطقه لا تلاحظ أي اختلاف بينها وبين أي حي شعبي في الفيوم، لكن عندما تقترب من الورش تسمع أصوات ماكينات المدابغ، وقطع الجلود ملقاة في الشوارع.
عرق الجلود
في نفس هذه الشوارع ترى العمال، محملون بروائح تشبه كثيرًا رائحة الجلود، وعلى وجوههم أثر التعب.
وتتعرض “الدباغة” إلى مشكلات عدة، جعلها مههدة بالاندثار، يقول حمدي رجب، 50 عامًا- عامل بإحدى المدابغ، أعمل بالدباغة منذ 35عامًا، ورثت المهنة عن والدي، وهي مصدر رزقي الوحيد.
يتابع: تحملت أعباءً كثيرة لأبقى في هذة المهنة، كما تعرضت لإصابات كثيرة نتجية استخدام الماكينات والكيمياويات، في حين أننا بلا تأمينات أومعاشات.
“في بيوت كتير اتخربت ومدابغ قفلت بسبب ارتفاع أسعار الخامات” هكذا يبدأ حديثه محمد علام 62 عامًا- صاحب إحدى المدابغ التي أغلقت، متابعًا أن المهنة علي وشك الاندثار، متأثرة بالوضع الاقتصادي الراهن، ووقف تصدير الجلود وانهيار السوق المحلي.
يوضح علام أنه تعرض لخسائر بآلاف الجنيهات، بسبب دباغة الجلود، التي بددت كل ما يملك، واضطر أخيرًا إلى غلق المدابغ.
علام يرى أن الدولة كان باستطاعتها الحفاظ علي المهنة، التي كانت مصدر رزق لآلاف الأسر، لكنها دائمًا تبدو كأنها تقف ضد صغار العمال.
يستكمل محمد عبدالفتاح، 30 عامًا- عامل، “ممكن نقعد 3 شهور من غير ولا مليم يدخل جيبنا”، كما أن أجرة عامل اليومية تبلغ 70 جنيهًا في موسم عيد الأضحى، أما في الأيام العادية تتراوح بين 20 إلى 30 جنيهًا.
خطوات الدباغة
وعن طرق دباغة الجلود يقول مصطفى سيد، عامل دباغة جلود، نشتري جلود الماعز والخراف ورقاب الماشية بأسعار تتراوح مابين 5 و6 جنيهات للماعز، والضاني 9 و10 جنيهات، ورقاب الماشية 10 جنيهات، بينما يبلغ سعر جلد البقر والجاموس 450 جنيهًا.
يُضاف على الجلد مادة “الأجذا” لإزالة الشعر منه، ثم يوضع في براميل ويتم تدويره، وهذه المرحلة تسمى “دولاب” ثم يضاف إليه ملح النشادر، لإزالة اللحوم الزائدة من الجلود، ثم تدخل ماكينة تسمى “المقلوبة” لإزالة اللحوم نهائيًا، وبعدها يوضع في البراميل ويضاف إليه مادة “إكسرا” ويخرج الجلد بعد ذلك أبيض تمامًا.
يصنع من الجلود عدة منتجات مثل الأحذية والجواكت الجلدية، والشنط وخلافه، يقول سيد إن سعر الجلد قبل الثورة كان أغلى من الآن، لرواج حركة البيع والشراء، أما الآن فسعر الجلد أصبح أقل والخسارة أكثر.
ومن داخل إحدى المدبغ يقابلنا الطفل مصطفى محمود- 14 عامًا، يقول سبب عملي في المدابغ هو عمي، فقد كنت آتي معه إلى المدبغة وعمرى 5 سنوات، ثم تعلمت الكثير عن المهنة، والآن أساعد العاملين في الدباغة.
يحصل محمود على 100 جنيه أسبوعيًا نظير عمله، ويقوم بإخراج الجلود من البراميل ويجمع القمامة بالمدبغة، إلى جانب المشاركة في فصل الشعر عن الجلد.